البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

اتجاهات مجهولة في بوصلة القوة‬


تعاني منطقتنا العربية من متاهة البوصلة، حيث انحرفت الاتجاهات، وتداخلت الإحداثيات، ليصبح المستهدف غير محدد بعد أن صار عشوائيا، لنصطدم بالنتائج غير المرجوة، في حين من يتحكم في زمام أمور الإقليم يعمل بدقة متناهية ليوجه مصالح الساسة نحو قبلته بعد أن أصبح الضامن لاستمرارهم على الساحة في بلدانهم مع البقاء على العرش الذي تعتلي قيمته في نفس من يجلس عليه بالاستقواء على محيطه العربي كما لو كان ليس منهم، ليفتح بذلك الطريق إلى ترهل باقي البلدان المجاورة بالأزمات متعددة المخاطر.‬
اختيار الحلفاء فن؛ لأن الكثير منهم لا يفرق بين المنفعة المشتركة ومصالحه التي تعتمد على ضرورة التخلص منك، لكن أغلب الحكام العرب لا يحبون مثل تلك الفنون بعد أن اكتفوا بالرقص على أنغام الغرب الممتزجه بقرع كئوس الدم الشرقي في حفلات الحروب التي ترسم هزائمنا غير المعلنة.‬
‫وبالتزامن تعمل مصر بكل طاقتها للحفاظ على أمنها القومي المتمثل في محيطها الجغرافي، لكن البعض لا يريد للإقليم وجود مصر بما يليق بها في دائرته، لأن ذلك يوضح حقيقته، فيقوم بعضهم بدعم كل ما يعيق حركة مصر نحو الأمام أو الحفاظ على حقوقها التاريخية والحياتية، لكن القاهرة تعرف ذلك جيدا وتقف لهم بالمرصاد وإن بدت الصورة عكس ذلك ضمن خطط الخداع الاستراتيجي.‬
‫القوة، ليست كما كانت في السابق، بعد أن أصبح السلاح وحده غير كافٍ لتحقيق الانتصارات أو الحفاظ على المصالح التي يتداخل فيها الاقتصاد الذي لا يعترف بغير الأرقام كنتيجة، مما جعله قوة كبيرة في تأثير الدول على محيطها من خلال النفع المشترك أو الأحادي تحت مظلة الشراكات الثنائية.
قد يكون الكنز أقرب ما يكون لك، إلا أن البعض اعتاد البحث عنه خارج حدوده ونطاقه، ليكتشف في النهاية أنه تحت قدمية كما هو الحال في رواية " ساحر الصحراء " للروائي العالمي باولو كوليو، حيث قام البطل برحلة سفر كبيرة وشاقة بين الدول للبحث عن كنزه الذي كان تحت رأسه. ‬
‫النجاح في الداخل ينعكس بالطبع على الخارج، وبالفعل استطاعت مصر تحقيق قدر كبير من ذلك، ولكن ينقصها التكامل، لتكتمل حينها المعادلة، والتي تتطلب من القاهرة ضرورة استخدام استراتيجية القوة الذكية في أفريقيا من خلال الدمج بين القوة الناعمة والصلبة، بهدف مواجهة التحديات وتحقيق المصلحة والأمن القومي، وذلك من خلال الاعتماد على أربع نقاط رئيسية:‬
‫أولا: إعادة تقوية التحالفات والشراكات التي تتيح للمصر مواجهة مصادر الخطر المتعددة، مع عدم الحاجة لبناء تحالفات جديدة مع مواجهة كل تحد جديد مع الاكتفاء بمنصات تمولها للعب هذا الدور.‬
‫ثانيا: أن تهتم الإدارة المصرية بالتنمية في الداخل وعلى المستوى الإقليمي، مما يساعد القاهرة على تطوير برامج الاحتواء القائم على النفع المتبادل، بما يسهم في ربط المصالح المصرية مع تطلعات الأفراد في كافة أنحاء قارة أفريقيا.‬
‫ثالثا: إعادة استثمار الدبلوماسية الشعبية من خلال إنشاء منظمات ومؤسسات لا تسعى للربح في أفريقيا بهدف خلق روابط بين الأفراد من خلال تبني برنامج مثل "فولبرايت" (Fulbright Program) وهو البرنامج الذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية لضمان تعزيز التفاهم والتبادل العلمي والثقافي بينها وبين شعوب العالم، وهذا النموذج إذا عملت به مصر في أفريقيا ستكون نتائجه كبيرة في اتجاه الجانب الإيجابي.‬
‫رابعا: ربط النمو الاقتصادي المصري باقتصاديات الدول الأفريقية من خلال تعظيم الاستفادة بموارد هذه القارة الغنية بالثروات الطبيعية من خلال عمل مناطق للتجارة الحرة مع دول الكاف الراغبة في التحرك تجاه تحسين اقتصادياتها وإمدادها بما يمكنها من توسيع تجارتها عن طريق القاهرة لتصبح مصر مركزاً للتجارة الحرة لتلك الدول التي يتصارع الطامعون على إمدادها بكل مقومات التنمية لتلحق بركب العوملة شريطة أن يكون ذلك من خلالها لتمكين سياسة الاستحواذ التي يتبعونها على مقدرات تلك الدول الغنية بالثروات غير مستغلة.‬
‫ومن خلال تلك الاستراتيجية تستعيد مصر مكانتها الطبيعية وهو ما يحجم مخطط التلاعب بمسقبل أمنها الإقليمي بالتزامن مع السيطرة على مجريات الحرب الاقتصادية الطاحنة مع تحسين جودة الحياة للشعب وتعظيم قوتنا الخارجية المدعومة بنهضتنا الاقتصادية.