البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

في ذكرى ميلاد عبدالرحمن الشرقاوي.. محمد أبوسويلم "الفلاح الثائر"

عبدالرحمن الشرقاوي
عبدالرحمن الشرقاوي ومصطفي بيومي ومحمد أبو سويلم

وطني شجاع.. يقاوم مظالم السلطة 
رؤى متفردة تنبع من الوعي الفطري والتجارب
محنة الحرب العالمية.. والموت المجاني للمصريين تعذيب وحشي.. وإرادة حديدية لا تلين

عبدالرحمن الشرقاوى «نوفمبر 1920 - نوفمبر 1987»، شاعر وروائي وكاتب مسرحي وباحث تراثي وصحفى قدير، يمثل ظاهرة فريدة في تاريخ الثقافة المصرية.. يجتهد قدر طاقته في الاشتباك مع معطيات الواقع، منطلقا من قراءة واعية للماضي، القريب والبعيد، متطلعًا إلى المستقبل الذي يحمل آفاقًا مختلفة، حالمًا بانتصار الإنسان البسيط ذي الأحلام الصغيرة المشروعة.. «الأرض» من أشهر مؤلفاته الروائية، ومحمد أبوسويلم شخصية محورية رئيسية في الرواية الرائدة. في الفيلم السينمائي الشهير المستمد من أحداثها، يتألق الفنان الكبير محمود المليجي في دور لا يُنسي، وبفضل أدائه العبقري يتحول اسم الفلاح المصري إلى علامة تتناقلها الأجيال وتردد كلماته.

زعامة ووعي
محمد أبوسويلم شخصية فعالة مؤثرة ذات حضور متوهج في «الأرض»، وأحد أبرز قادة الرأي الذين يحظون بالاحترام والتقدير في القرية.. جراء مقاومته ومعارضته للحكومة الانقلابية التي يقودها إسماعيل صدقي، يُفصل محمد من وظيفته كشيخ للخفراء: «فالقرية قاطعت الانتخابات التي يجريها صدقي ويدخل فيها حزب الشعب، ولم يذهب رجل إلى الصناديق ليعطي صوته، وطلب المأمور من محمد أبوسويلم أن يسوق الرجال إلى صندوق الانتخابات، ولكنه رفض.. ورآهم يجمعون أصوات الموتى فتشاجر!».
يفقد محمد أبوسويلم وظيفته المرموقة، بمقاييس الواقع الريفي المصري خلال المرحلة التاريخية، ثمنًا لموقفه الوطني الشجاع، ويحتفظ بالروح الثورية التي لا تذبل على الرغم من الفقر والمعاناة وتعنت الحكومة غير الشعبية.. المواعيد الجديدة الجائرة لدورة الري، نموذج للقهر الذي تمارسه السلطة لخدمة مصالح كبار الملاك الزراعيين من رجالها المؤيدين لها، ويستدعي القرار تعليقًا عنيفًا ساخطًا يرى فيه محمد أنه حلقة من سلسلة المظالم التى لا تنتهي: «يا نهار أغبر يا ولاد.. خدوا منا مشيخة الخفر وسكتنا لهم... ورموا لنا الشيخ حسونة في آخر الدنيا وسكتنا لهم.. وحجزوا على نص البلد وسكتنا لهم.. الله.. ويموتوا لنا الأرض من العطش كمان.. هو إحنا خلاص كده بقينا هفية.. هي البلد خلاص كده بقت كلها حريم. مافيش رجالة؟».
تزوير سافر صارخ للانتخابات، ثم تقليص عدد أيام دورة الري، وصولا إلى انتزاع أراضي صغار الفلاحين لشق طريق الزراعية، انتصارًا للباشا الذي ينتمي إلى النظام الانقلابي: «هزأونا وسكتنا لهم ورفدونا من مشيخة الغفر وسكتنا لهم.. كسروا لنا السواقي وقطعوا الميه وسكتنا لهم.. ولسه يا عبدالهادي يا ما حانشوف طول ما احنا ساكتين».
يتخذ محمد أبوسويلم موقفًا واعيًا معارضًا ضد الحكومة التي لا تعبر عن الإرادة الشعبية، وتتفنن في ممارسة القهر ضد صغار الفلاحين الذين تتدهور أحوالهم المعيشية ويكابدون الفقر ويقفون على حافة الجوع.. ولأن العمدة الخبيث الداهية هو الرمز المحلى للسلطة المستبدة، يجاهر محمد أبوسويلم بالإعلان عن عدائه، ويحمَِّله مسئولية التلاعب بالفلاحين البسطاء لخدمة السادة وكبار الملاك من أصحاب النفوذ: «العمدة.. ما هي كل المصايب جاية من تحت راس النيلة..».
للعمدة مكانته وهيبته في القرية، والهجوم العلني العنيف على هذا النحو غير المعهود، فعل جرىء شجاع يثير دهشة السامعين، وهو من ناحية أخرى يستفز العمدة ويدفعه إلى الانتقام والثأر لكرامته المهدرة. يضع اسم المعارض الجسور في قائمة المتهمين بقطع الجسر، ويعلق محمد أبوسويلم مهددًا:
«-حط اسمى فى اللى قطعوا الجسر؟! إلهى تنقطع رقبتك يا عمدة.. طب دانا أرضي كلها في حوض الترعة يا ولاد.. يعنى يزور عليه؟ طب والله لأثبت عليه إنه بيزور وأحطه في الحديد.. آه يا عمدة يا نجس.. أنا وانت والزمن طويل.
ولم يسترح عبدالهادي لكلام محمد أبوسويلم.. فهو يعرف أن الحكومة لا يمكن أن تضع العمدة في الحديد من أجل محمد أبوسويلم.. ولكنها تسجن محمد أبوسويلم ورجال القرية كلهم من أجل العمدة الذي خدمها في الانتخابات، وزور لها أصوات الأحياء والأموات في القرية، وجمع المال باسم الاشتراك الإجباري في جريدة حزب الشعب».
الكلمات الهجائية العنيفة، الأقرب إلى التنفيس عن الغضب جراء الشعور بالظلم، لا تحقق الانتصار العملي في صراع لا ذرة فيه من التكافؤ، وما يفكر فيه عبدالهادي هو الأقرب إلى الواقع ومعطياته؛ حيث غياب الندية بين طرفي المعركة، ذلك أن العمدة ينتمي إلى جبهة السلطة المسلحة بالشرطة والسجون والتعذيب، وهى سلطة فاسدة لا تتخلى عن رجالها الذين لا يسري عليهم القانون ولا يقعون تحت طائلته: «كان الشيخ الشناوي عند العمدة في الدوار يقرأ له راتب الصباح من القرآن.. واعترف العمدة أنه ضاق بإهانات محمد أبوسويلم له أمام أهل البلد.. فمحمد أبوسويلم لا يذكره إلا بكلمة النجس. ولهذا أبلغ اسمه مع الذين قطعوا الجسر ليؤدبه أحسن أدب!
ولئن أفرجت الحكومة عنه وعن الرجال الآخرين، وعاد محمد أبوسويلم يتحداه مرة أخرى، وعاد عبدالهادى إلى غروره أو فكر محمد أفندى في أن يرفع رأسه متأثرا بعبدالهادي ومحمد أبوسويلم.. فهناك موضوع خضرة ولا أحد يعرف سرها وسيبلغ العمدة عن اكتشاف موتها قتيلة.
والمعروف أن محمد أبوسويلم طردها من بيته وضربها قبل موتها بساعات..».
ليس أسهل من تلفيق التهم للانتقام والثأر ورد الاعتبار، وما أكثر القضايا المعلقة التي يمكن الزج باسم محمد أبوسويلم فيها، دون نظر إلى معقولية التهمة ومصداقيتها. الهدف الذي يسعى إليه العمدة هو التأديب والردع، والموت نفسه لا يضع نهاية لكراهية محمد. الفلاح الساخط يرفض أن يئول المنصب الشاغر بعد وفاة العمدة العجوز إلى واحد من أفراد أسرته، فهم يشبهونه بالضرورة ويتبعون سياسته العدوانية: «عايزين نبعد عن السلسال النجس ده.. قال بيقولوا إن أجواز بنات العمدة جم من البلد دى والبلد دي، واتفقوا مع العيلة كلها إنهم يسيبوا العمودية لشيخ البلد! يا أخي دا بعده! والله العيلة دي ما هي طايلاها تاني».

إمكانات محدودة
السؤال هنا: هل يملك محمد أبوسويلم من آليات القوة ما ينفذ به تهديده ووعيده؟ الأمور أكثر تعقيدًا من التنفيس عبر عبارات ملتهبة، والطرف الآخر في الصراع هو الأقوى دائمًا والقادر على الحسم، مسلحًا بما يمتلكه من أدوات.. في سجن المركز، يتعرض محمد لصنوف شتى من التعذيب والإهانة، وبالقوة التي لا يملك إزاءها شيئا: «أزالوا له شاربه الغليظ القديم».
يدفع الرجل الشجاع ثمنًا فادحًا لاحتفاظه بالكبرياء والكرامة، ويقيده الجنود بالحبال ليحلقوا له شاربه، رمز الرجولة التي يعتز بها، ولمزيد من الإذلال يطلب منه المأمور أن يقول إنه امرأة: «لقد ظل ينظر إلى المأمور إذ ذاك والشرر يتطاير من عينيه.. ودون أن يقول كلمة، جمع كل لعابه وحنقه وكبريائه المهدرة، وقذف بها في بصقة كبيرة على وجه المأمور.
إنه لا يذكر ما حدث له بعد ذلك، فقد تشابكت أمام عينيه السياط والعصي والأحذية كلها تهوى فوق بدنه.. وأحس وهو ملقى على ظهره بحذاء المأمور يخبط رأسه ووجهه.. ثم غاب عن الدنيا».
البصقة التنفيسية الاحتجاجية تُواجه بألوان من العذاب تغيب به عن الوعي، وتبرهن عمليا على غياب التكافؤ والندية فى الصراع الذي يدور بين فرد أعزل وسلطة قوية غاشمة.. يغادر السجن مسكونًا بالانكسار والشعور بالقهر: «وعندما حاولت امرأته أن تهون عليه، واقتربت منه ذات ليلة لتدلك أورام بدنه المحتقن من كثرة الضرب، نحاها بضيق، وهو يهمس بإذعان بكلمات من موال حزين:
روح يا زمان روح وخلينا بغلابتنا
إحنا السبوعة وجت الأيام غلبتنا..
ثم أخذ يردد في حسرة أبياتًا قالها أبوزيد الهلالي، عندما هزمه دياب بن غانم، فأحنت امرأته رأسها، وتصعبت، وزفرت».
لا يمكن القول إن محمد أبوسويلم جبان أو متخاذل، لكنه محدود القوة والقدرة فى مواجهة السلطة المسلحة بأدوات القهر والقمع والإذلال.. الانكسار شعور مبرر، والتقوقع منطقى بعد الإهانة القاسية التي توجع الروح والجسد.
لا شك أن عبدالرحمن الشرقاوى يبالغ كثيرًا، وهو يرصد تفكير الفلاح البسيط الذي يتكئ على منطق لا يليق إلا بمثقف ذي وعي نظري، لا يُتاح امتلاكه للعاديين من الناس: «لقد ضربوه في السجن كما لم يتخيل أبدًا.. ولو أنه كان حصانًا عند الحكومة لكانوا أكثر إشفاقًا عليه.
إن المأمور الذي أمر بضربهم وبتعذيبهم لا يستطيع أن يقف في شارع المدينة ويفعل مثل هذا بحيوان.. بكلب أو بقط.. سيخجل من الأطفال والنساء، ويخاف من امتعاض الأصدقاء!
وربما طالبت بحبسه الجمعيات العديدة التي تدعو إلى الرفق بالحيوان.. ولن يستطيع على أية حال أن ينظر في وجوه أولاده الصغار.. أو زوجته.. بعد أن يعذب حيوانًا ما على هذا النحو!!
ومع ذلك فهذا الرجل نفسه -من يدري؟- ربما كان يروي بفخار لامرأته أمام الصغار كل ما صنعه بالرجال..
وربما مارست زوجته -وهى تسمع- إحساسًا متفوقًا بالامتياز والكبرياء».
مثل هذا النمط من التفكير لا يتوافق مع شخصية فلاح بسيط محدود التعليم والوعي، فمن أين له العلم بجمعيات الرفق بالحيوان؟ وكيف يصل به الخيال إلى تصور المشاعر التي قد تنتاب المأمور وزوجه؟ مفردات لغة التفكير تتجاوزه ولا تليق إلا بالروائي نفسه، ذلك أن ثورية الرجل مستمدة من الخبرات والتجارب العملية، ولا شأن لها بالكتب والنظريات.

سيرة حياة
قبل سنوات طوال من الأحداث التى تستعرضها الرواية، يخوض محمد أبوسويلم تجربة مريرة فى الحرب العالمية الأولى، فهو واحد من آلاف الفلاحين المسخرين بلا إرادة في حرب طاحنة لا ناقة لهم فيها ولا جمل. يحارب في بلاد الشام، ويزحف فوق الثلج والطين، ولا يعرف ورفاقه سببًا مقنعًا وجيهًا للموت في سبيل اللاشيء: «ولما كنا بنستريح ونتلفت لبعض نسأل بعض: احنا هنا بنعمل أيه يا ولاد؟ احنا مالنا ومال دا كله؟.. ما حدش يعرف يرد.. بنحارب مين؟ بنحارب ليه.. ليه الحرابة دي؟! ما حدش يعرف.. يقولوا لنا العدو.. عدو مين؟ وعدو ليه؟ ولا حد منا عارف.. كان الرصاص يفوت من جنبنا ومن فوق دماغنا.. وألاقي اللي بيسألني وقع ميت بالرصاص من غير ما يحط منطق! يا سلام يا إخواتي على دي أيام.. الله لا عاد يعودها، ولا يكسب اللي لمونا ورمونا هناك.. ما حدش رجع من النواحى دى غيري! ولسه هناك الجتت مرمية عالجبال، اللي مات في الشام، واللي مات في بلاد معرفش اسمها إيه.. واللي رجله انقطعت، واللي عينه عميت!.. أيام.. الله لا يرجعها يا شيخ! يا ما لموا رجالة وحطوهم في سلاسل وقالوا عليهم متطوعين.. الله لا عاد يعودها يا أولاد!».
تجربة قاسية كهذه لا بد أن تصنع وعيًا يدفع إلى الثورة والتمرد، ويعَلم القراءة غير التقليدية للأحداث والوقائع، لكن هذا لا يعني امتلاك ثقافة نظرية قوامها المصطلحات التى يعرفها ويرددها المثقفون. يعود محمد من الحرب العبثية ليشرع فى بناء حياة جديدة على أطلال ما تبقى من الحياة القديمة: «عاد فوجد ولدين من أولاده قد أرعشتهما الحمى أيامًا قليلة.. ونزفا مع البول دماء وصديدًا! ثم.. ماتا.. واحدًا بعد الآخر..
لم يمت فى الأيام الطويلة التى عاشها يزحف على بطنه فى الثلج والوحل تحت الغازات السامة، وبين الرصاص..
ولكنه منذ عاد إلى القرية بنى بالفعل حياته الجديدة وخلف بنتا جديدة هي وصيفة، وجعل من الوحل والموت نفسه تجربة يفيد منها..».
يعود محمد ليشارك مع جموع الفلاحين في ثورة ١٩١٩، ويسعى قدر الاستطاعة لصناعة حياة مستقرة مع زوجه وابنتيه، لكنه بالضرورة فلاح محافظ يعتز بالتقاليد الاجتماعية الموروثة ويقدسها ويحافظ عليها. يتجلى ذلك بوضوح عند زفاف ابنته الكبرى؛ حيث الحرص على التشبث بالطقس الذى يعلى من شأن غشاء البكارة علامة على الشرف، وإذ يبدي عريس ابنته تحفظًا ويطرد الداية وشهود الدخلة: «دخل محمد أبو سويلم غاضبًا إلى القاعة، وضرب العريس بالكف على صدغه، وطلب منه أن يدخل على ابنته العروس، كما يدخل كل العرسان على البنات الشريفات في القرية..».
في السياق نفسه، يرفض محمد إسراف ابنته وصيفة في مخالطة الضائعة خضرة سيئة السمعة.. يستفزه ما يصل إلى مسامعه من مزاح حافل بالكلمات القبيحة المفضوحة، وعندئذ لا يتردد في ضرب ابنته: «وخبط خضرة بالكف وطردها من داره، وهددها بأن يقطع رجلها إن مدتها إلى داره مرة أخرى».. لا شك في حبه لوصيفة وتسامحه مع الكثير مما تفعله، مثل ارتداء الجلباب الملون، لكن الاقتراب الزائد من خضرة لا يروقه، ذلك أن النزعة الثورية على الصعيد السياسي لا تعني التفريط في منظومة القيم الاجتماعية الموروثة. 
نهاية غامضة
من ناحية أخرى، تتسم علاقة محمد أبوسويلم مع أهالي القرية بالحب والمودة والاحترام المتبادل، ويحتل الشيخ حسونة في نفسه مكانة خاصة ترتبط بالتاريخ الحافل الممتد الذي يجمعهما. على صخرة الحب الذي يكنه للشيخ، تتحطم محاولة الدجال شعبان للوقيعة بينهما كما يخطط العمدة. استجابة الشيخ لأكاذيب شعبان تستدعى عتابًا عاطفيًا يخالطه الحزن من محمد أبوسويلم: «أش حال لو ماكنتش أنت اللي قلت لنا في الأول إنك مقبوض من الواد شعبان ومش مستريح له؟ أش حال لو ماكنتش أنت اللي نبهتنا من الأول على شعبان ده؟ بقى أنا أقول عليك موالس مع الحكومة؟! يا نهار أزرق يا شيخ حسونة.. ويزلف لسانك كده دوغرى وتهب فيا؟ هو اللى بينا إيه يا أولاد؟! عيش وطوب؟ هو الدم ده ميه؟ هيه العشرة دى إيه؟ دا احنا إخوات يا حسونة وأكثر من الإخوات كمان، يا وقعة غبرا؟! يا شيخ دا أنا فاكر إنك أنت اللي حاتمشى ورايا وتاخد العزا فيا وتشوف عيالى من بعدي».
لا تتأثر العلاقة المتينة بوشايات شعبان المغرضة، لكن التحالف الذي ينخرط فيه محمد أبوسويلم لا ينجح في مواجهة الحكومة التي تنتزع أرضه فيسقط في هاوية الضياع، وهو ما يعبر عنه عبدالهادي في قوله: «يا ولداه يا با محمد أبوسويلم! طب دا مش طالع له السنة دي لا درة ولا قطن! الزراعية واخداه كله.. ويعيش منين دا يا أخواتي؟ قال حا ياخد تعويض! وعلى ما ياخذ تعويض ياكل منين؟ وحا يعمل إيه بفلوس التعويض؟ حا يتاجر! واللا يعنى حا يتاجر؟ حا يعمل إيه بالفلوس بعد ما خدوا الأرض؟ حا يشتري أرض تانية.. ومين في البلد يبيع أرض؟!».
لا يقصَّر محمد أبوسويلم في المقاومة الباسلة حتى تطوله الهزيمة المنطقية لغياب التكافؤ والندية مع الخصوم، ولا شيء يبدو واضحا عن مستقبله بعد ضياع الأرض، إلا ما يتنبأ به أخو الراوى مع نهاية الرواية: «الأرض التى بقيت لمحمد أبوسويلم لن تصلح للزراعة بعد، ومن الممكن أن يبنى عليها ماكينة بمبلغ التعويض مشتركًا مع كساب، ويستطيع من إيراد الماكينة أن يؤجر أرضا أخرى أكبر من التي كان يزرعها».
هل يتحول محمد أبوسويلم من فلاح صاحب أرض إلى شريك في ملكية ماكينة الطحين؟ هل يؤجر أرضًا بعد أن تتبخر ملكيته الصغيرة مقابل تعويض مادي لا يغني عنه شيئا؟ سؤالان لا تتسع الرواية للإجابة عنهما.