البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الواحات البحرية.. من هنا يتسلل الإرهاب

البوابة نيوز

16 فرداً استشهدوا من أفراد الشرطة في أحداث الواحات الأخيرة بالإضافة إلى إصابة ١٤آخرين
15 فردًا من العناصر الإرهابية قتلوا وأصيبوا خلال الاشتباكات
جبل ليبيا ممر الإرهابيين من الغرب إلى الواحات 
ممرات فرعونية بلا تأمين.. وجميع السيارات بلا لوحات معدنية
منطقة معزولة عن العالم.. قرى مهجورة وعصابات تنقيب عن الآثار تعمل ليل نهار 
عزبة «الحيز».. مرتع للصوص والجماعات الإرهابية.. وسراديب قصر الباويطي مفتوحة وغير مؤمنة

رسم الكاتب بلال فضل صورة خيالية عن الواحات في قصة فيلم «أبوعلي».. لكن بين الواقع والخيال مسافة بعيدة، فالواحات التي تبعد عن محافظة الجيزة 365 كيلو مترا، معزولة عن العالم، وتحمل العديد من الكوارث الإنسانية. 
منذ لحظة خروجنا من موقف المنيب فى الطريق إلى الواحات، إذا بامرأة مسنة، قاطعت حديثى مع هشام محيى المصور، قائلة الواحات واعرة.. والعزب خطر، ولا توجد وسائل مواصلات بالداخل، وأهل الواحات يخفون الحقائق.. سكتت لحظات.. وبعد دقائق سألتني. إنتي متجوزة؟ قلت لها وعندى أبناء.. نظرت بعينيها نظرة أم غاضبة حانية على أحفادها، وقالت «خافي على أولادك.. وارجعي».
ومع بداية طريق الواحات الواعر.. فهمت سبب تخوف العجوز، فأسفلت الطريق متهالك وكأن لم يمر به مسئول من قبل، وغضب الطبيعة يلقى برمال الصحراء على السيارات، فالطريق ضيق وتسبب في العديد من الحوادث الذي تحصد أرواح الأبرياء أطفالا وشيوخا وسائقين أسبوعيا.

قرية مهجورة
مداخل الواحات البحرية ومخارجها غير مؤمنة، فلا يوجد كمين واحد على طريق الواحات الجيزة، ولا حتى نقطة رسوم، أو نقطة شرطة.. وبمجرد وصولنا الواحات البحرية، تبدو وكأنها منطقة مهجورة، هجرها أصحابها دون مبرر، فالشوارع خالية، والمنازل قصيرة معظمها بالطوب اللبن، تظهر من بعيد جبال، وصحراء ليس لها نهاية، ولا يوجد بالواحات البحرية وسائل مواصلات، غير التوك توك وسيارات النصف نقل.
التقينا شابا صغيرا بالصف الثاني الثانوي، أحضر لنا توك توك، وطلبت منه يساعدني في الوصول إلى منطقة القصر المهجورة بالباويطي، وأيضًا وجدتها قرية خالية من الناس، رغم أنها عاصمة الواحات البحرية، وبها فنادق سياحية وبها جبل الإنجليز، منازلها مهجورة مرعبة، وفي بداية الباويطى مقابر بوسط الطريق، واقعة بين المنازل ومدرسة، كان يسير التوك توك وسط المقابر، وكأننا نسير فوق جثامين الموتى المدفونين.
ووصلت إلى شارع ضيق كل ما به أصفر، الأبنية تكسوها الرمال والطرق ينبت فيها الشوك والصبار، ومقام كبير، انهار سطحه، وحوله منطقة خضراء ربانية، وسط الجبل، وجدت سيدتين من أوائل سكان قصر الباويطي، تجلسان بجوار منازلهما المتهالكة، المختبئة بين الصخور، ونزلت من التوك توك بسرعة، وجلست بجوارهما، السيدة الأولى روحية أحمد مهدى، ليس لديها شهادة ميلاد، امرأة أمية، لكنها تتمتع بقدر كبير من الثقافة تجاوزت السبعين من عمرها بكثير كما ذكرت زوجة ابنها.
نقاب.. وتعليم
الحاجة روحية أخبرتني بأنها وأسرتها يسافرون ليبيا لزيارة أقاربهم وعشيرتهم هناك، وقد بدأت القرابة بينها وبين الأسر الليبية، بزواج فتاة من الباويطى من ليبى يتردد على الواحات منذ سنوات. 
وأضافت، الباويطي «عاصمة الواحات البحرية فيها ٦ فنادق، وتعد مزارا سياحيا مقدسا للأجانب، بسبب وجود جبل الإنجليز بها، الذي صعد ونزل عليه الجنود الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانوا يقيمون أعلى هذا الجبل، ولا زال هناك بعض المباني القديمة والاستراحات الخاصة بالاحتلال، ويأتى السياح من جميع أنحاء العالم ليتسلقوا الجبل ويلتقطوا الصور التذكارية في مساكن الإنجليز.
وأضافت المرأة فى الواحات البحرية يخشى عليها الرجال فلا تخرج من منزلها أبدا، وإذا خرجت بعد زواجها، لزيارة أهلها فقط، ومرتدية النقاب. وتابعت «نرتدى النقاب ليس لأننا من الإخوان لكن خجلا».
وعن تعليم البنات في «الباويطي»، قالت نعلم واحدة والثانية لا تتعلم، واحدة تذهب للمدرسة والأخرى تخدم في المنزل مع والدتها، والتعليم حتى الإعدادية أو الدبلوم فقط «ماعندناش بنت تروح كليات في مصر».
الخوف من الأغراب
وقالت أعيش هنا منذ سنوات طويلة، لم ينتابني الخوف لحظة، إلا في السنوات الأخيرة، «بنخاف من الناس اللي بتيجي من ليبيا»، كل شوية ييجوا يخوفونا، ويقولوا اقفلوا الباب وما تخرجوش عيالكم».
وعن زواجهم من الأقارب، قالت زواجنا من أقاربنا كان زمان، قبل أن تقبل الواحات مختلف أنواع البشر من كل البلاد، والزواج نصيب، أنا تزوجت مصراوى، وطلقنى، فتزوجت ابن خالتي وأنجبت منه ولدا واحدا، الراجل أولى بعرضه، تعرف طباعه وتتحمله وتسانده في الحياة، قالت الواحات بلد المليون غريب، وأهالي الواحات يعطفون على الغريب.
وجارتها فتحية عبدالعزيز محمد، تجاوز عمرها ٨٠ عامًا، وليس لديها شهادة ميلاد ولا أوراق تثبت شيئا، تعيش في صحراء الواحات في منزل قديم بمفردها، وهي من الأوائل من أبناء الباويطي، ورفضت العيش مع أبنائها بعد زواجهم.
تركنا عجوز الباويطي ودخلنا البيوت المهجورة.. رفض سائق التوك توك الدخول معنا، وشعرت بالخوف عندما رأيت سرداب الآثار المفتوح، والذي يصل عمقه إلى عشرات الأمتار، بدأ بسلالم درجاتها صغيرة جدا تسع شخصا واحدا، ويشعر بالدوران من ينظر إلى أسفل السرداب ليرى نهايته المؤدية إلى أنفاق وممرات تحت الجبل.
هذا السرداب أخبرني أهالي الواحات البحرية، أنه كان يصل إلى مقبرة فرعونية تم نهبها من المنقبين عن الآثار بالواحات البحرية من سنوات، وأهملته هيئة الآثار، كما أخبرنى أبناء الباويطى، أن هذا السرداب وتلك البيوت، جميعها تقع أعلى قصر مدفون، كان قصر ملك رومانى، جاء للواحات مع الاحتلال الروماني، ولم تهتم به الحكومة، رغم أنه مزار سياحي. 
وفي المواجهة أشجار ونخيل وفنادق، وخلفها جبل ليبيا الذى يأتي منه الليبيون كما أخبرنا الأهالي، مؤكدين أن هذا هو سبب البلاوي.

بؤرة الجماعات الإرهابية
كارثة إنسانية لا يتوقعها عقل، عزبة وسط الصحراء على حدود الفرافرة، بلا مياه شرب، عزبة مظلمة بلا كهرباء، تحولت المنازل إلى سجون للرجال قبل النساء، لا يستطيعون الخروج ليلا مهما حصل. هى العزبة المواجهة لعزبة البير الشرقي، التى تتردد عليها الجماعات الإرهابية وتخطف من يحاربهم، وعلى رأسهم الشهيد صالح قاسم، الذين قاموا بخطفه بعد مواعيد إطفاء الكهرباء بالعزبة.
وقالت فتحية عبدالنبي ٦٥ سنة، منذ مولدنا ونعيش بالحيز من غير كهرباء، فقط تعمل الماكينة ٤ ساعات ليلا فيما قالت صباح محمد، ربة منزل: «نغلق أبوابنا منذ لحظة انقطاع الكهرباء، ونسمع أصوات الغرباء ليلا يمرون بالعزبة ولا نفتح الباب إلا بعد طلوع الشمس. وتابعت، ناس غريبة بتدخل البلد من الجبل، اللي خطفوا فيه الشهيد صالح».
وأكدت نهى أحمد، ربة منزل ٣٠ سنة، اللصوص والإرهابيون ينتظرون انطفاء النور، ويقتحمون العزبتين ليلا، ويسرقون بهائمنا، ولا نستطيع مواجهتهم فى الظلام.
نقص الخدمات 
تعاني الواحات البحرية من عدم وجود خدمات، لا يوجد بها صرف صحي ولا مياه شرب، ولا توجد رعاية صحية، فالمستشفى خال من الأجهزة الطبية، ولا أحد يذهب إلى المستشفى بسبب ترك الأطباء لها نهارا لمباشرة أراضيهم ومحاصيلهم، وليلا لا أحد يخرج من منزله.
أهالي الواحات
في مدينة الواحات البحرية، بدت شوارعها خالية من الناس تماما، إلا ولدين في عمر الخمسة عشر عاما، ومحل تمور كبير يجلس به صاحبه محمد عيد ٣٤ سنة، بدأ حديثه قائلا: الرجال يعملون نهارا فى جنى «البلح»، وينامون ليلا، ليس لدينا رجال يتحدثون في السياسة ولا نعرف شيئا عما يحدث بمصر.
وأضاف لا يوجد منزل فى الواحات لا يعمل أهله في البلح، وهو مصدر رزق كبير تعيش عليه الأسر طوال السنة.. وقال أعمل في بيع البلح والزيتون منذ عام ٢٠٠٠، ورثت التجارة عن والدى الذى عمل بها طوال عمره. وأكد أن صناعة البلح تطورت كثيرا فى الواحات البحرية، مقارنة بالسنوات الماضية، فهناك مصانع بلح بالواحات لإعداد العجوة وبلح التصدير، كما أن صناعة زيت الزيتون تطورت كثيرا.. وأضاف أيضًا أن هناك دمجا بين الواحات البحرية وواحة سيوة في صناعة البلح، وزيت الزيتون الذى يتم إحضاره من «سيوة»، التي تبعد عن الواحات ٤٠٠ كيلو متر، لتتم صناعته، وتصديره.
وتابع قبل توقف السياحة بالواحات البحرية، كان بيع البلح وزيت الزيتون يجلب مكاسب خيالية، ولكن بعد ضرب السياحة نقتصر على البيع للزائرين المصريين فقط والتصدير.

مرتع للصوص 
يقول أحمد عبدالله محمد إسماعيل، حاصل على ليسانس حقوق، إن الواحات البحرية منطقة جميلة، وهي بلد تاريخي، عاصرت الاحتلال الروماني والليبي منذ مئات السنين، واحتفظ أهلها بالفطرة والأصالة، حتى اليوم.. وطالب بضرورة إنشاء البوابات التي ألغيت بمداخل الواحات، حماية لمنجم الحديد المنهوب، مشيرا إلى أن منجم الواحات هو ثالث كسارة على مستوى العالم، ويضخ أكثر من ٣٣٥ مليون طن حديد.
وكشف عن أنه بعد فتح طريق المنيا وأسيوط وبعد إلغاء البوابات وكمين الطريق، تحولت الواحات البحرية إلى مرتع للصوص والهاربين من تنفيذ الأحكام، خاصة أن منطقة الواحات بجميع العزب، لا يوجد لها غير قسم شرطة واحد، ولا توجد نيابة بالواحات.
على المقاهي 
صلاح محمود سعادة، موظف بالمصرية للاتصالات، قال إن الواحات حالة لا يرثى لها، فهي دولة داخل الدولة، ونشتكي لمن؟ وتقدمت بعدة بلاغات للمسئولين، وتقدمت ببرقية للرئيس السيسي، ضد مجلس المدينة، وتقدمت بشكوى لمحافظ الجيزة، وجميع قيادات محافظة الجيزة يدركون الفساد بالواحات، فحررت محاضر رسمية بقسم الشرطة بالواحات البحرية ضد الفاسدين ويتم حفظ المحاضر. وتساءل «صلاح» كيف لمنطقة مثل الواحات، تعيش بلا محاكم؟
أبناء الفيوم 
أكثر من ثلثي المترددين على الواحات البحرية من المنيا والفيوم، حيث يشتركون معهم في جنى «البلح»، وتقطيع النخيل وتعتبر الواحات مصدر رزق لهم، وحاضنة للغرباء من جميع أنحاء الجمهورية.
يقول جابر عبدالقادر فلاح من الفيوم، أعمل بالواحات في تقطيع النخيل فى موسم البلح، بعد انقطاعي عن السفر إلى السعودية، ومهما كان الفرق فى الدخل فأشعر بالارتياح داخل بلدي، أفضل من الغربة.
أما أحمد على، فلاح من الفيوم، فقال أعمل في الواحات فى تقطيع النخيل، فهي مهنتى منذ أكثر من ٢٥ عاما، وكنت أعمل في تقطيع النخيل في ليبيا، وبعد الأحداث وسقوط النظام الليبي، توقفت عن السفر، وساعدتني علاقاتي مع أصدقاء لي في الغربة في العمل بالواحات منذ حوالي خمس سنوات.
ومن جانبه، أكد رضا عبدالسيد نادي، موظف بمجلس مدينة الواحات، أن الواحات البحرية لا تعاني من مشكلات سياسية، ولا نهتم بالفكر الإسلامى، ولكن ارتفاع الأسعار أرهق المواطنين، والطرق تهالكت بسبب حفر الصرف الصحى، الذي بدأه المسئولون ولم يكملوه، بالإضافة إلى «جلبات الرمال»، الخارجة من المحجر عارية دون تغطية محكمة تتسبب في تدمير الطرق.
وعن عدم وجود لوحات معدنية على السيارات بالواحات البحرية، قال نحن جمعينا أهالي الواحات نعرف بعضنا ونثق في بعض ولا نحتاج لأرقام على السيارات ولا لوحات معدنية، بالإضافة إلى عدم وجود مرور بالواحات البحرية لكي يرخص سيارات أو دراجات بخارية، ونعتمد على الجلسات العرفية في حل المشكلات الناجمة عن حوادث السير.
التنقيب عن الآثار
أكد أهالي الواحات البحرية أن التنقيب عن الآثار يجرى في دماء المواطنين بالمنطقة، ويحضرون شيوخا من الصعيد والفيوم يقرأون ويشعوذون لفتح المقابر الفرعونية، ويتم تهريب تلك الآثار وبيعها للأجانب، غير الذهب الذي يملأ باطن الأرض وكان سببًا في ثراء معظم أهالي الواحات البحرية، الذين يحفرون أسفل جدران المنازل مسافة شوارع بأكملها ولمدة شهور دون علم الأجهزة الرقابية.