قصائد تُنشر لأول مرة لـ"إيليا أبو ماضي"
• الإنسان والدين
إني عرفت من الإنسان ما كانا فلست أحمد بعد اليوم إنسانا
بلوته وهو مشتد القوى أسدًا
صعب المراس وعند الضعف ثعبانا
تعود الشر حتى لو نبت يده
عنه إلى الخير سهوًا بات خسرانا
خفه قديرًا وخفه لا اقتدار له
فالظلم والغدر إما عز أو هانا
القتل ذنب شنيع مغتفرٍ
والقتل يغفره الإنسان أحيانا
في سياق التقديم للديوان الذي طواه النسيان لسنوات ممتدة يقول البنا:
لم يعد لهذا الديوان أثر بعدما أصدره أبو ماضي وهو في السابعة عشرة من عمره بمدينة
الإسكندرية، إلا أن الشاعر الفذ كان قد أهدى نسخة من من الديوان لضابط كان يتردد
عليه في دكان كان يبيع في الدخان في حي مينا البصل بالإسكندرية وقام هذا الضابط
بإهداء "تذكار أبو ماضي" لعبد العليم القباني والذي قام بدوره بإهدائه
لي في إحدى زياراتي له بمنزله بالحضرة القبلية شارع ابن ملاعب بالإسكندرية عام 1984.
• المرأة والمرآة
أقامت لدى مرآتها تتأمل
على غفلة ممن يلوم ويعدل
وبين يديها كلما ينبغي لمن
يصور أشباح الوردي ويمثل
من الغيد تقلي كل ذات ملاحة
كما بات يقلي صاحب المال مرمل
تغار إذا ما قيل تلك مليحة
يطيب بها للعاشقين التغزل
فتحمر غيظًا ثم تصفر غيرة
كأن بها حمى تجيء وتقفل
وقد آثرت على نفسي أن أقطع شوطًا من المشوار وأصرف شطرًا من الليالي
منكبًا على تقديم نبذة عن هذا الشاعر مقدمًا لعشاق شعره ديوان "تذكار
الماضي"، لعلمي أن النسخة الوحيدة من هذا الديوان لا توجد إلا تحت يدي ورأيت
إكبارًا للقارئ الكريم أن أفتح صفحة مجهولة من مسيرة شاعر المهجر الكبير.
• المودة
ما لهند وكل حسناء هند
كل يوم تبدو بزي جديد
تلبس الثوب يومها وهي تطريه
عندها كل خود
فإذا جاء غيره أنكرته
فرأينا الحميد غير حميد
أولعت نفسها بكل طريف
ليتها أولعت ببعض التليد
أصبحت تعشق المشد ولم أبصر
طليقًا متيمًا بالقيود
نشأ أبو ماضي في مناخ فكري وروحي خلال فترة إقامته في مصر بين الأعوام 1901 إلى 1911 حيث نشأ وترعرع وسط عالم يتطلع إلى النور ويؤمن بالحرية ويتلمس طريقه إلى الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ويُنادي بالمساواة بين الجنسين وهدفه نشر الفكر والتبشير بالأفكار الجديدة.
• وقال
لا آخذ الدهر مهما ضن أو بخلا
تالله يحمل وزري وهو ما عقلا
جنى على طلابي العلم فئة
لا تعرف المرء إلا بالغنى رجلا
وكان للحر أن يثري ثراء همو
لو كان يرضى به من عرضه بدلا
أهوى الحياة فإن عنت على ضعة
صدفت عنها كأني أعشق الأجلا
ليست حياة الفتى لا كرامته
ساء الذيل مقامًا أينما نزلا
وإذا أضفنا إلى كل ما مر به "أبو ماضي"، في مصر مولده في
قرية "المحيدثة"، الجميلة في لبنان ولاحظنا أنه امتهن التجارة في صباه –
وهي سبيل الي التعرف على دخائل الناس – وتفهم طباعهم – وسبيل إلى اكتساب الخبرة
الحية بالحياة تصورنا أبا ماضي وقد تجاذبته صلاته بالفكر وبالطبيعة وبالإنسان.
لكنه كان إلى ذلك يعجب بالشعر والقراءة فيه ويعبأ عن تمثيل الشعر شكلًا ومضمونًا
فكانت صدمته بالديوان الأول وكانت صدمة الناس به.
• شكوى فتاة
نظمها بلسان فتاة أرغمها ذووها على الاقتران برجل طاعن في العمر فقال:
لي بعل ظنه الناس أبي
صدقوني أنه غير أبي
واعدلوا عن لو من لو مزجت
ما بها بالماء لم يستعذب
رب لوم لم يفد إلا العنا
كم سهام سددت لم تصب
يشتكي المرء لمن يرئى له
رب شكوى خففت من نصب
زعموا أن الغواني لعب
إنما اللعبة طبعًا للصبي
وأن ما زلت في شرخ الصبا
فلماذا فرَّط الأهلون بي
لي قد وجمال يزدري
ذاك بالغصن وذا بالكوكب
قد جرى حب العلى مجرى دمي
فهي سؤالي والوفا من مشربي
أنا لو يعلم أهلي درة ظلمت في البيع كالمخشلب
وفي إهداء ديوانه يقول أبو ماضي، ولم يبلغ عقده الثاني بعد:
"إلى الأمة المصرية "أيتها الأمة الودودة"، هذا ديواني الذي نظمته
تحت سمائك وبين مغانيك أرفعه، إليك لا طلبًا للمثوبة ولا ابتغاء للشكر، ولكن
إظهارًا لما تكنُّه جوانحي من العطف عليكِ والتعلق بكِ"، وهو – بحمد الله –
لا يجمع بين دفتيه سوى ما يرضي الحق ويرضيطِ ويرضي هذا الفن الجميل، ولقد يكون لي
أن أهديه إلى أحد أفرادك من ذوي الفضل جريًا مع العادة، ولكني رأيت المجموع خيرًا
وأبقى.. إيليا".