البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الشائعات.. وحادث الواحات


الشائعات ظاهرة إنسانية اجتماعية ترتبط بالوجود الإنسانى والحياة البشرية.. قديمة قدم وجود الإنسان ذاته، حيث ارتبطت بتحركات وتعاملات وتفاعلات البشر.. كلمتا «الإشاعات» و«الشائعات» لهما نفس المدلول ويؤديان إلى نفس المعنى: شاع يشيع شيعًا وشيوعًا وشيعانًا ومشاعًا، شاع بمعنى ذاع وظهر وانتشر.. الشائعات هى أخبار أو معلومات مشكوك فى صحتها ومجهولة المصدر غالبًا، حيث يتعذر التحقق من أصلها، وهى تعتمد على أخبار كاذبة مختلقة غير حقيقية قد تحتوى على جزء ضئيل من الحقيقة لإضفاء شىء من المصداقية عليها، أساسها التحوير والتلوين والتحريف والتشويه للحقائق والمعلومات. 
الشائعات من أساليب الحرب النفسية تنتشر بشكل كبير فى المجتمعات التى تتسم بانخفاض فى نسبة التعليم والوعى بين أفرادها، وهى مجتمعات نادرا ما تسأل عن مصدر المعلومة للتحقق من صحتها.. كما تنتشر الشائعات أيضًا فى ظل غياب طرف يتولى مسئولية الرد على الشائعات وتفنيدها بالحقائق والمعلومات، بالإضافة إلى انتشار وسائل الاتصال الحديثة وخاصة وسائل التواصل الاجتماعى التى تعد سببًا رئيسيًا فى انتشار الشائعات بكل سهولة ويسر دون التقيد بزمان أو مكان. 
الانتشار الكبير للشائعات فى أى مجتمع يحكمه قانون يتكون من كلمتين «الأهمية» و«الغموض»، وهما شرطان أساسيان لسريان الشائعة وانتشارها.. موضوع الشائعة يجب أن يكون على قدر كبير من الأهمية للمتلقي، مثيرًا لاهتماماته، أيضًا أن يكون الموضوع محاطًا بالغموض الذى ينشأ غالبًا من انعدام المعلومات أو ندرتها أو تضاربها.
وخطورة الشائعات تأتى من كونها قد تؤدى إلى نشر الخصومة والكراهية والتأثير السلبى على الاستقرار النفسى للأفراد، مما يؤدى إلى الفرقة والانقسام وبلبلة الرأى العام، وإلى تفتيت الصف الواحد ما بين مصدق ومكذب ومتردد، فينقسم المجتمع إلى فئات عديدة تضرب الوحدة، وتهدد الاستقرار، كما أنها قد تلعب دورًا خطيرًا فى التأثير على الروح المعنوية وارتفاع إيقاع اليأس والإحباط لدى الأفراد بما ينعكس سلبًا على طاقة العمل والإنتاج، وعلى مستوى الثقة فى المؤسسات.. وتختلف درجة التأثير هذه باختلاف طبيعة ودوافع ودرجة انتشار الشائعة ومدى تصديق المتلقى لها.
الشائعات تبرز وتنتشر فى أجواء الترقب والتوقع والانتظار، وهى الأجواء التى صاحبت حادث الواحات الإرهابي، حيث إن إيقاع القلق من الحوادث الإرهابية قد زاد من حدته صمت منظومة الإعلام المصرى العام والخاص الذى دام لما يزيد علي عشرين ساعة دون معلومات أو تفصيلات أو تحليلات فقط إشارات مقتضبة عن الحادث، وهو الأمر الذى فتح الباب على مصراعيه أمام الشائعات لتنتشر، وترك الساحة متاحة أمام وسائل التواصل الاجتماعى والمنصات الإلكترونية المعادية لتسيد الموقف، كما ترك الساحة لبعض الفضائيات الأجنبية والناطقة بالعربية لتعرض ما تشاء من معلومات وأرقام غير حقيقية عن الحادث.. لتنتشر الشائعات مثل كرة الثلج تتزايد حجمًا كلما تحركت من شخص لآخر.. لقد تحقق قانون الشائعات حرفيًا فى هذا الحادث: أهمية الموضوع والغموض الناتج عن غياب الحقائق والمعلومات وندرتها وتضاربها أحيانًا، حيث لم يكن هناك تقريبًا تناول أو معالجة إعلامية لهذا الحادث فى منظومة الإعلام المصرى ولساعات طويلة. 
لا شك أن القضاء على الشائعات فى مهدها يتطلب نشر الحقائق والمعلومات وعرضها فى توقيت مناسب، كما أن تفنيد الشائعات والرد عليها بالحجج والبراهين، يأتى بعرض هذه الحقائق على أوسع مدى من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة، وحسنًا فعلت الهيئة العامة للاستعلامات التزامًا بالمهنية، وأهمية التحقق من المعلومة قبل عرضها بطلبها من شبكة BBC ووكالة رويترز إثبات صحة الأرقام المبالغ فيها التى عرضت فى تغطيتهما الإعلامية للحادث، كما يمكن القول إن البيان الثانى لوزارة الداخلية قد أدى إلى انخفاض إيقاع التوتر وقضى نسبيًا على انتشار الشائعات.
فى النهاية على وسائل الإعلام المصرية دور مهم فى تنمية الوعى العام، ورفع مستوى الوعى بكيفية التعامل مع الشائعات، ونشر وتدعيم الثقة فى البيانات الرسمية تدعيمًا للثقة بين القاعدة والقمة، ونشر الوعى بأهمية الحصول على المعلومة من مصادرها الموثوق بها، وعدم نشر أو عرض أى معلومة إلا بعد التحقق من مصادرها وخاصة لرواد ومستخدمى وسائل التواصل الاجتماعي.
الحقائق والمعلومات الموثوق بها تزيل الشك والغموض، حين تظهر الحقائق تختفى الشائعات، الحقائق نور يبدد ظلام الشائعات.