البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

بالناس المسرة| "الدكتورة".. تعيش في الشارع منذ 20 عامًا

مشردة تلقب بالدكتورة
مشردة تلقب بالدكتورة

بقال: كانت جميلة وصغيرة.. وحافظنا عليها من الذئاب البشرية

توقف الميكروباص أمام مشردة، يلقبها الخدام بـ «الدكتورة»، تنزل معى خادمة فى نهاية عقدها الأربعين، وطفلتها بالمرحلة الابتدائية، وتعرفنى بها فتقول: «لا تحاولى أن تتحدثى معها كثيرًا»، فهى لا تحب الكلام أو التصوير.
وتضيف، التقينا بها منذ عشرين عاما، وكانت صغيرة فى العمر، وكانت حالتها العقلية غريبة، فاهتممنا بها، وكانت تساعدها السيدات فى النظافة الشخصية، وكان هذا يحدث بصفة دورية، وقامت الكنيسة ببناء كشك لها ليكون مأواها وتم تزويده بأشياء بسيطة.
وعندما سألتها: لماذا تلقبونها بـ«الدكتورة» قالت: منذ سبعة عشر عاما، قالت لنا جملة واحدة وما زالنا نتذكرها جميعًا، هى: «كنت دكتورة فى جامعة القاهرة بكلية العلوم»، وهى المعلومة الوحيدة التى نعرفها عنها، ومن هنا أطلقنا عليها «الدكتورة»، وحاولنا مساعدتها بعد أن تعرفنا على تلك المعلومة، ولكن نظرًا إلى أنها تكره التصوير وترفضه، كنا نعتمد على وصفها، وحاولنا التواصل مع كلية العلوم، والذين كان معظمهم جددا فى الكلية، وعليه قمنا بالتواصل مع دكتور كبير فى السن، وكان من المرجح أن يكون يعرفها، ولكن للأسف لم نلتق به فتم تحديد عدد من المواعيد، إلا أننا فى النهاية لم نوفق ولم نتلق جوابا.
نصل إليها كانت نائمة.. أيقظتها الخادمة، فقامت لتجلس.. جلست بجوارها على الرصيف، ومن اللمحة الأولى انبهرت بجمال عيونها، والتى حاوطها التراب والطين، تجلس فى هدوء تعرف أنه حان وقت العشاء «وجبة كل يوم» تعلن لها الخادمة بابتسامة واسعة «النهاردة فيه معايا حاجة بتحبيها -محشى ورق عنب- تتهافت المسكينة، لتمسك بأصابعها ذات الأظافر الطويلة بالطعام بطريقة من تعى أتيكت تناول الطعام.
أداعبها فتجيبنى عينيها، أسألها: «خايفة تتخني»، لترد بنبرة أرستقراطية: «أنا عاملة رجيم مبحبش الناس التخينة»، ومن لكنتها تستطيع أن تتأكد أنها سيدة مجتمع راقى، ما زالت وبعد عشرين عاما تحتفظ بملامح من شخصيتها.
تتمتم أثناء تناول الطعام «مش عايزة شاى فلان عمله وكان مش غاسل الكوب»، أنظر إليها باستغراب؛ فيديها لا تستطيع أن تعرف لونها من كثرة التراب الذى غطاهما، وما زالت تتحدث عن نظافة الأكواب.
فى الشارع وبعد أن طالت جلستنا، جاء صاحب محل بقالة بعد أن شاهد الكاميرا فى يد زميلي، وطالبنا بعدم التصوير، وتابع حديثه معى ليقول هذه السيدة هنا منذ أكثر من عشرين عاما، ونحن بمثابة أهلها نهتم بها ولا ندع أحدا يتعدى عليها.
ويتابع، لا نعلم عنها شيئا، ولكن فى بداية حضورها هنا كانت جميلة وصغيرة، فكانت مطمعا لكثيرين، ولكننا حافظنا عليها من الذئاب البشرية، فهى «بنت الشارع» ونحن مسئولين عنها، متمنيًا أن يتعرف أهلها على صورتها بعد أن فقد الأمل لأن شكلها قد تغير.