البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

تجديد الفهم الديني


من الأشياء المؤسفة والمحزنة أن البعض منا بمجرد ذكر اسم «السيرة النبوية» العطرة للرسول صلى الله عليه وسلم وتاريخ صحابته الكرام رضى الله عنهم ينصرف ذهنه تلقائيًا إلى جانب الحروب فى حياته صلى الله عليه وسلم، ويهمل الجوانب الأخرى بالرغم من أن الحروب كانت أقل الجوانب التى شهدتها حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والتى استمرت بعد بعثته ثلاثة وعشرين عامًا، منها ثلاثة عشر عامًا فى مكة لم يحارب فيها قط، بل كانت فترةً حياته كلها مليئة بالرحمة والتسامح والتعامل الجيد مع أهل مكة الذين عذبوه وآذوه وألقوا القاذورات أمام بيته، بل ألقوها على رأسه وكتفيه وهو ساجد يصلى، ووقف من وضعوها يضحكون ويهزءون ويسخرون من النبى، ولم يثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم قد توعد أحدًا أو هدد أحدًا، أو نظر إلى أحد نظرة مليئة بالغيظ والحقد والنقمة، أو قال لأحد عندما أقوى ويصير لى أتباع سأفعل بكم كذا وكذا، بل كانت رحمته وتسامحه هما الغالبتان على كل أفعاله. وفى رحلته إلى الطائف خير دليل على رحمته وتسامحه صلى الله عليه وسلم، فقد خرج النبى إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الإسلام فقابلوه بالسخرية والاستهزاء وأغروا أطفالهم وسفهاءهم فألقوه بالحجارة حتى نزفت الدماء من رأسه الشريف، فجلس تحت شجرة فى بستان، ورفع يديه إلى السماء داعيًا لنفسه ومنتصرًا على غريزته الإنسانية، لم يدع على من أذوه وألقوه بالحجارة بل دعا دعاءه المشهور: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمنى؟ أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى، ولكن عافيتك هى أوسع لى، أعوز بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بى غضبك، أو يحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك». وما أن انتهى النبى صلى الله عليه وسلم من دعائه وتضرعه حتى جاءه الوحى وبصحبته ملك الجبال، وقال له جبريل عليه السلام: «إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم»، وهنا قال ملك الجبال للنبى صلى الله عليه وسلم «يا محمد إن شئت أطبق عليهم الأخشبين»، فرد عليه النبى صلى الله عليه وسلم قائلًا: «لا، عسى الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا».
فهذه هى أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو تسامحه صلى الله عليه وسلم، وهذه هى رحمته صلى الله عليه وسلم، وهذه هى فطرته السليمة وأخلاقه السامية ومثاليته العالية، لم تر الدنيا لصفاته مثيلا، ولا لأخلاقه نظيرا، ولا لعلو همته منافسًا. وهذه هى الأشياء التى ينبغى أن نفهمها جيدًا، ونُفهِمُها لأبنائنا، ونستخلص منها العبر والعظات، فنحن فى الوقت الذى يُتهم فيه الإسلام بأنه دين العنف والإرهاب بسبب حفنة من الإرهابيين لا يفهمون من دينهم شيئا، ولا يسمعون عن رحمة نبيهم وتسامحه شيئا، ينبغى أن نجدد فهمنا للدين وخصوصًا للسيرة النبوية العطرة، وننفى هذه الصفات عن ديننا الذى هو منها براء، ونثبت للعالم كله بالأفعال أن رسولنا الكريم كان رسول سلام لا رسول حرب، رسول مرحمة لا رسول ملحمة، رسول يحرص على إنقاذ مخاطبيه وينتظر منهم الخير دائمًا، رسول استمرت حياته الدعوية ثلاثة وعشرين عامًا أى حوالى ثمانية آلاف يوم، عند النظر إليهما نجد أن الحروب الفعلية والقتال الفعلى لم يستمر فيها أكثر من يوم ونصف، إذا استثنينا وقت الخروج للغزوات والاستعداد لها، لذلك ليس من العدل أن نركز على يومين فى حياته صلى الله عليه وسلم ونهمل سبعة آلاف وتسعمائة وثمانية وتسعين يوما.