البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

أنسليم كيفر المثل الأعلى لـ"باموق".. حرب يتوقف عندها الزمن

أنسليم كيفر
أنسليم كيفر

بين كتبه ولوحاته التي رسمها خلسة، اعتكف "أورهان باموق" الكاتب التركي الذي نال شهرة كبيرة في أسطنبول وألمانيا ثم انطلق وحقق لنفسه مكانة مرموقة على مستوى العالم، دائمًا ما يتحدث "أورهان باموق" عن رغبته الدفينة بداخله في أن يصبح رسامًا محترفًا، أحيانًا يعلن ذلك ويخفيه أحيانًا أخرى مفضلًا ألا تخرج مشاريع لوحاته خارج غرفته أو خارج مفكرته المستقرة في جيبه دائمًا.
يحكي "أورهان باموق" عن وقوعه في أسر لوحات الرسام الألماني "أنسليم كيفر" صاحب التجربة الحياتية والفنية العريضة، فقد عاصر النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث ولد سنة انتهائها، وتجرع مرارات نتائج الحروب، مما شكل شخصيته كمواطن ألماني وكفنان، وفيما يلي نستعرض أهم السمات الشخصية والفنية للفنان الألماني العالمي "أنسليم كيفر".
ولد الفنان الألماني عام 1945 بألمانيا، ودرس فيها الفنون التشكيلية، وما لبث أن عرض معرضه الفردي الأول عام 1969، حيث كان المعرض سلسلة صور بعنوان "انشغالات"، انشغل بموضوعه "الأساطير الألمانية"، وتلا ذلك في السنوات التي تلت اهتماما بحركة "كبالا الصوفية اليهودية". 
حاز عام 1990على جائزة "وولف"، كما حاز على جائزة "بريميوم إمبريالي" من اتحاد الفن الياباني. 
لوحة "مارجريتا".. ألوان زيتية وقش على القماش.. 
رسمها الفنان أنسليم كيفر عام 1981، وعند عرضها اكتشف أحد النقاد أنها قراءة بصرية لقصيدة الشاعر الألماني "باول تسيلان" بعنوان "أنشودة الموت"، ذلك الشاعر الذي عاش غريبًا ومات لنفس السبب، فقد ولد في أوكرانيا لأسرة رومانية تدين باليهودية وتتحدث الألمانية، ذلك كله كان كافيًا لكي يطارده هتلر هو وأسرته التي تشتتت بفعل النازية، فتنقل "باول تسيلان" بين معسكرات السخرة الألمانية بين عام 1942 و1943، وفي العام 1947 هرب من الدكتاتورية الشيوعية واستقر بباريس، حيث نشر ديوانه الأول، وتزوج وواصل إصدار الدواوين ثم دخل المصحات العقلية لأكثر من مرة، وحتى الآن وقائع وفاته تظل غامضة حيث يظن أنه ألقى بنفسه في نهر السين عام 1970.
ورجوعًا إلى اللوحة، فإن خاماتها الفقيرة وطريقة تنفيذها طرحت تساؤلًا وقت عرضها، عن مدى قيمة إبداع "كيفر" إن تم اعتباره مبدعًا من الأساس، لم ينته الجدال حول تلك اللوحة وإنما استمر عقودًا طويلة، ملخص ذلك الجدال يلخص في سؤال واحد: هل كان "أنسليم كيفر" مبدعًا ؟
في نفس المعرض فرش "كيفر" الأرضية بعمل ضخم جدًا، عبارة عن كتاب يطاردك أينما توجهت بنظرك، مصنوع من معدن لوحته النيران، وغرس في بطن الكتاب شتلات من عباد الشمس بعوده الرفيع، ترك وامتد نصفه إلى الأمام مع بذوره التي تتساقط أمام الجمهور، وجذوره في الخلف سحقت واحترقت، وباختصار هو عمل مخيف في درجة كونيته ولانهائيته، من حيث الكتب التي تم حرقها وبعثرتها، ونشبت فيها الحرائق وكأنها انتشلت في اللحظات الأخيرة. 
كانت تلك اللوحات كفيلة لسلب خيال الكاتب التركي "أورهان باموق"، كما سلب "تسيلان" عقل "كيفر"، إنها الحرب التي يتوقف عندها الزمن، ويورث فيها الوجع الإنساني والألم الدائم.