البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

جريمة بلا عقاب!


تبدو العلاقة شائكة بين الأصدقاء الذين ينتقلون إلى خانة الخصومة عند محطةٍ ما من محطات العمر. وحين تكون تلك الخصومة بين مثقفين، تشتعل الحرائق على صفحات الصحف والكتب والمذكرات الشخصية.
قد يفسر البعض تلك الخصومات بأنها مرارة الخلاف وخيبة الأمل فى شخص كنا نتوسم فيه أنه الصديقُ والسند، وربما يراها آخرون تجسيدًا لحالة استعلائية لا تخلو من الغطرسة تجاه آخرين. قلائل فقط هم من يرون منطقـًا وجيهــًا يبرر تلك الهجمات والحملات الشرسة.
فى سيرته الذاتية، نجد الكاتب الموسوعى وأستاذ الفلسفة د.عبدالرحمن بدوى (٤ فبراير ١٩١٧ - ٢٥ يوليو ٢٠٠٢) يطلق النار على كل من ساعدوه وزاملوه بل وعاصروه.
وهكذا يقول الكاتب والمحقق والمترجم د.عبدالرحمن بدوى إن تاريخ سعد زغلول مؤسس حزب «الوفد» تاريخٌ شائن ينضح بالخيانة والوصولية (ص٤٨)، وإن الشيخ محمد عبده مصلحٌ مزعوم (ص٥١)، وإن عباس محمود العقاد كاتبٌ مأجور ولا يتورع عن القول إنه أوصى باستخدام العنف معه (ص١٣٣). وعدا إعجابه بأستاذه مصطفى عبدالرازق (الذى ساعده مساعدة خاصة) وأستاذه الآخر أندره لالاند، فإنه يقلل من شأن كل أساتذته الآخرين بمن فيهم د.طه حسين وإيفانز برتشارد الذى يتهمه بأنه ذو نزعةٍ استعمارية.
ويقول د.بدوى -الذى وضع أكثر من ١٥٠ كتابـًا يعد بعضها من المراجع الرئيسية فى مجالها- إنه عندما بدأ فى تحضير رسالة الماجستير: «مشكلة الموت فى الفلسفة المعاصرة» بدأت معها متاعبه الجامعية التى لا تنتهى مع الكبار والصغار. فأحمد أمين رجل حقوق، ضيّق الأفق، تأكل قلبه الغيرة من كل متفوق ومن كل متقنٍ للغات الأجنبية (ص١٥٣)، يعرقل لأسباب شكلية تافهة قبول الرسالة فتتأخر مناقشتها سنة. وحين بدأ التدريس فى الجامعة نشبت مشكلات مع زملائه العائدين حديثـًا من البعثات التى أوفدوا إليها في أوروبا «من دون أن يحصل أى واحد منهم على الدكتوراه رغم تمضيتهم فى بعثتهم عشر أو تسع سنوات». والسبب فى ذلك - حسب رأيه- قلة الذكاء المقرونة بالكسل وعدم الرغبة فى العمل والتحصيل (ص ١٥٦).. ولم يكن سلاحهم فى التنافس هو العلم والإنتاج العلمى، بل الدس والوقيعة والوشاية والتزلف إلى ذوى النفوذ داخل الجامعة وخارجها (ص١٥٧).
واشتعلت الخصومة بين د.زكى مبارك وأستاذه د.طه حسين طوال ثلاثينيات القرن العشرين، بعد رفض الأخير تجديد عقد زكى مبارك فى الجامعة، فهاجم مبارك طه حسين هجومـًا مُرًا وكتب تحت عنوان «لو جاع أولادى لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه»، وجاء فيها «لقد ظن طه حسين أنه انتزع اللقمة من يد أطفالى، فليعلم حضرته أن أطفالى لو جاعوا لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه، ولكنهم لن يجوعوا ما دامت أرزاقهم بيد الله».
استمرت المعركة بينهما طويلًا، ووصل فيها زكى مبارك إلى حد بعيد من الإسفاف. فى المقابل، يصفه طه حسين بأنه -أى زكي مبارك- «الرجل الذى لا يخلو إلى قلمه إلا وعلى رأسه عفريت».
أما المخرج الإسباني لويس بونويل فهو يتحدث فى مذكراته عن حربه المعلنة ضد صديقه السابق الرسام التشكيلى سلفادور دالى، فيقول:
تحدث «سلفادور دالى» عنى كملحد، فى كتابه «الحياة السرية لسلفادور دالى»، الذى ظهر فى ذلك الوقت، وكان هذا أكثر خطورة من الاتهام بالشيوعية. 
«فى الفترة نفسها نفسها، بدأ شخص يُدعى برنيدير غاست، وكان ممثلًا للمصالح الكاثوليكية فى واشنطن، باستخدام نفوذه فى الأوساط الحكومية لإبعادى عن المتحف. لم أكن شخصيـًا قد اطلعتُ على شىء من هذا الأمر، لكن عددًا من أصدقائى قام بإخماد كل ما كان يُثار، طوال عامٍ كامل، ودون أن يُطلعنى أحدٌ منهم على ما كان يجرى.
«بعد استقالتى، تواعدت مع دالى ذات يومٍ في بار «شيرى نيذرلاند»، ووصل فى الموعد تمامـًا، وطلب شمبانيا. قلت له وأنا فى ثورةٍ من الغضب، أكاد معها أن أضربه، إنه خنزير، وإننى أصبحتُ الآن فى الشارع بسببه. أجابنى بهذه العبارة التى لن أنساها أبدًا:
-اسمع، لقد وضعتُ هذا الكتاب، لكى أجعل منه دعامةً لى أنا، وليس لك.
«أمسكتُ عن صفعه، وعلى الرغم من أننا افترقنا يومها كصديقين إلى حدٍ ما، بمساعدة الشمبانيا والذكريات المشتركة والمشاعر، فإن الشرخ كان عميقـًا، ولم ألتق به فيما بعد سوى مرة واحدة» (ص ٢٥١-٢٥٢).
يضيف بونويل إلى ذلك المزيد من الانتقادات والإساءات، فهو يقول عن دالى إنه «كان يروى الأكاذيب، ومع ذلك فلم يكن قادرًا على الكذب». (ص ٢٥٤)
ثم يغمز من قناة دالى في موضعٍ آخر من مذكراته، فيقول عنه: 
«لم تكن له عمليـًا حياة جنسيـًا، كان لديه نزوعٌ إلى التخيل، مع ميولٍ سادية لطيفة. وعندما كان شابـًا، كان يسخر من أصدقائه الذين يحبون ويبحثون عن النساء. ولم يكن لديه أي ميل لممارسة الجنس، إلى أن جاء ذلك اليوم الذى فضت فيه غالا بكارته، حينها كتب إليّ رسالة من ست صفحات، يشرح لي فيها، على طريقته، روائع الحُبِّ الجسدى» (ص ٢٤٥).
إنها الخصومة يا عزيزى.. لا تُبقى ولا تذر!