البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مجذوب الداخلية


عُين شيخ العرب، محمد عبد الحليم موسى، محافظًا لأسيوط في عام ١٩٨٧ وحتى ١٩٩٠، كان الرجل قريبًا من الناس، يهتم بالجميع، واهتمامه الأكبر بالبسطاء.
أثناء توليه منصب محافظ أسيوط، أطلق عليه الأهالي لقب «شيخ العرب» وهو لقب في الصعيد لو تعلمون عظيم، فشيخ العرب، خادم لجميع الناس قبل أن يكون رئيسًا، يحل مشاكلهم بضوء من «الدين» و«الشرع» و«العرف».
كان عبد الحليم موسى رجلًا ربانيًا، «عارفًا» بأعراف الصعيد وطباع أشد أهله قسوة، وهم أهل محافظة أسيوط رغم مولده في قرية أم خنان بمركز قويسنا بمحافظة المنوفية ١٩٣٠، حتى أن «الصعايدة» أنفسهم اعتبروه منهم بل وسيّدوه عليهم ولقبوه بشيخ العرب.
في صباح يوم، غادر منزله إلى مقر المحافظة، استوقفه رجل صوفي مجذوب، «وفي معجم المعانى الجامع المجذوب: رجل من رجال الصوفية جذبه الحق إلى الحضرة الإلهية»، رث الهيئة، مهلهل الثياب، عيناه زائغتان ترغبان في الهروب من محجريهما، اقترب منه فاستوقفته الحراسة، أمرهم بالابتعاد وطلب منه الاقتراب، صافحه «المجذوب» بكلتا يديه وقال: يا شيخ العرب، أنت رجل عظيم وغدًا قريبًا أنت وزير الداخلية».
ابتسم رجال حراسة «شيخ العرب».. واصفر وجهه، قريب منه سأله بعد ذلك، ما السبب، قال «موسى»: وضع الرجل يديه على يدى فشعر جسدي بكهرباء توخزني وقبل نطقه رأيتني في «مخيلتي أحلف اليمين وزيرا للداخلية بين يدي مبارك».
كان «المجذوب» دون أهل أو بيت، فقربه «شيخ العرب»، واصطفى له نزلا وخصص له معيشة، كحالات كثيرة تكفلها الرجل دون أن «يُعلن»، وبعد أشهر عديدة جاءته البشرى فتوجه للقاهرة وزيرا للداخلية، واصطحب معه «مجذوب النبوءة»، وأسكنه جواره في نزل كريم.
كان «المجذوب» حاضرا بجسده، غائبا بروحه، كأنه في حضرة أخرى ليست من الدنيا، وفي بكيرة يوم، توجه «شيخ العرب» إلى عمله، وجد «المجذوب» واقفًا أمام باب سيارته متسمرًا، صافحه مبتسمًا، انتابت شيخ العرب «قشعريرة» رآها حراسه على وجهه، قال «المجذوب» بصوت جهوري، لن تذهب، لن تذهب، لن تذهب، لا عمل لك اليوم، استجمع «موسى» جأشه وقال بصوت ودي: العمل عمل وأنا لا يمكنني التأخير، رد «المجذوب»: بل تتأخر حتى تمر «الساعة»، رددها كثيرًا وارتفع صوته وتشنج «بل تتأخر حتى تمر الساعة»، رغم محاولات الانصراف تأخر الوزير، صاحب الرجل إلى «نزله»، جلس إلى جواره ليهدئه، وقام منصرفًا، مسك «المجذوب» يده بكلتا يديه وقال لن تذهب حتى تمر الساعة، جلس الوزير مرغمًا، واستمر المجذوب في إمساك يديه، وحين أفلتها، شعر بقشعريرة، جاءته، وسقط «المجذوب» مغشيًا عليه.
جاءه الخبر قبل أن يحاول إسعاف المجذوب، اغتالوا الدكتور رفعت المحجوب، على نفس خط سيرك وفي سيارة تشبه سيارتك، كنت أنت «الهدف».
بجلسة خاصة، حكى شيخ العرب تفاصيل الواقعة لخلصائه، وبعضهم حي يرزق، حين توجهت إلى سيارتي وجدته واقفًا، وحين وضعت يدي في يديه سرت كهرباء في جسدي ورأت مخيلتي منظر دماء متناثرة إلى جوار «جسر» يعبر النيل، كان لدي إصرار أن أتوجه إلى عملي، لكن «المجذوب» منعني.
كان المستهدف «محمد عبد الحليم موسى»، وقتل بالخطأ الدكتور رفعت المحجوب، قالت الجماعة الإسلامية: أردنا «موسى» فقتلنا «فرعون».
قبل رحيله، تبنى شيخ العرب المصالحة، استعان بشيوخ كبار أدخلهم على سجناء الجماعة الإسلامية في السجون، حاوروهم، أرشدوهم للحق، جاءه «المجذوب»، مبتسمًا صافيًا، لا شاردًا ذاهلًا، قال: ستنجح فيما تفعل، لكن ليس الآن وليس الوريث بل «الحفيد الحبيب»، وكانت المراجعات الكبرى و«المصالحة» التي بدأت في عهد حبيب العادلي، الذي خلف «حسن الألفي» الوزير الثاني بعد «شيخ العرب».. الغريب أنه بعدها بأيام ترك اللواء محمد عبدالحليم موسى وزير الداخلية المنصب وفي ذات اليوم اختفى «المجذوب» كأنه لم يكن وعجز ولم يعثر عليه «شيخ العرب».