البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

دلالات عملية البدرشين.. ودور الدولة المنتظر


لا يمكن أن تمر العملية الإرهابية التي تمت على كوبري أبوصير بالبدرشين، والتى قام فيها ثلاثة مسلحين يستقلون دراجة بخارية بإمطار سيارة شرطة أثناء مرورها أمامهم بوابل من الرصاص، واستشهد أمينا شرطة وثلاثة مجندين، مرور الكرام وتحسب في عداد العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد مؤخرًا، ودفعت من أجلها مصر المئات من الشهداء من رجال الشرطة والجيش، ولكنها تعبر بشكل أو بآخر عن دخولنا فى موجة جديدة من الإرهاب، خاصة بعدما شاهد الناس الفيديو الخاص بالعملية الإرهابية التى تمت فى الصباح وأمام أعين الناس دون أن يتحرك أحد من المصريين المتواجدين بالقرب من الواقعة، لإنقاذ الموقف وكأن ما يحدث أمامهم فى الشارع مجرد فيلم سينمائى يشاهدونه فى قاعات السينما أو داخل لوكيشن أو حدث لا يخصهم من قريب أو بعيد، وكأن هؤلاء ليسوا مصريين وأن الشهامة والمروءة المعروفة عنهم فى الأزمات والمحن ذهبت مع الارتفاع الجنوني في الأسعار والمعيشة، بينما استمرت الحياة فى الشارع وحركة سير السيارات والأفراد فيه وكأن شيئًا لم يكن، ربما كان هؤلاء الناس من الإخوان أو الجماعات الإرهابية المساعدة لمنفذى العملية خاصة أن الجيزة تحوى الآلاف من الجماعات الإخوانية المسماة بالخلايا النائمة، وكان وجودهم وقت الحادث للتمويه فقط على العملية ولكن السؤال الأهم فى هذا التوقيت: من الذى سرب هذا الفيديو إلى وسائل الإعلام والسوشيال ميديا بسرعة تامة، ناهيك أن الإرهابيين كانوا على أعلى درجة من الاتزان والتدريب العالى، فضلًا عن الهدوء الذى له دلالات كثيرة منها أنهم لديهم خبرة وقد تلقوا تدريبات على هذا العمل، ناهيك عن شعورهم بأن لهم ظهرًا، وهناك تمويل كبير يدعمهم إذا ما وقع لهم أى مكروه، وربما هناك قوى خارجية وإقليمية تسعى إلى هدم المجتمع المصرى وتدعم الإرهابيين وتمولهم لفعل ذلك مثلما رأينا إرهاب قطر، ومن ورائها تركيا وإيران وإسرائيل وأمريكا ضد مصر وبعض الدول العربية لا سيما أن الحادث لم يكن الأول فى منطقة البدرشين، ولكنه تكرر قبل ذلك، فهى عملية مرعبة فى دلالاتها الأمنية والاجتماعية، ولا بد من التوقف عندها كثيرا خاصة أن الإحصائيات الخاصة بالعمليات الإرهابية فى مصر خلال الأعوام الأربعة الأخيرة والتى نشرتها هيئة الاستعلامات مؤخرا بشأن الواقعة، تشير إلى أن قوات الشرطة كانت هى الهدف الأبرز فى الهجمات الإرهابية بجانب القوات المسلحة، وأن الهجمات الإرهابية على قوات الشرطة ومقراتها وبالرغم من استمرارها، قد شهدت تغيرًا ملموسًا خلال العامين الأخيرين، تمثل فى عجز التنظيمات الإرهابية عن المضى فى سياسة استهداف مديريات الأمن وأقسام ومراكز الشرطة، بعد التفجيرين الكبيرين اللذين أصابا مديريتى أمن الدقهلية والقاهرة عامى ٢٠١٣ و٢٠١٤، وقد انتقلت المجموعات الإرهابية إلى الهجمات بالعبوات الناسفة فى شمال شرق سيناء أو بالأسلحة النارية فى بقية أنحاء الجمهورية، على الدوريات الأمنية الثابتة أو المتحركة.. ودلالات هذا الأمر أن الشرطة المصرية قادرة على حماية مقارها من مديريات أمن وأقسام ومراكز وإدارات، والتى تصل أعدادها إلى عدة مئات والعاملين بها لعشرات الآلاف، مما أوقف قدرة المجموعات الإرهابية على مهاجمتها بالعبوات أو بالعمليات الانتحارية أو بالأسلحة النارية، وبالرغم من وقوع العديد من الهجمات الإرهابية على الدوريات الأمنية الثابتة أو المتحركة، فإن عددها المحدود بالقياس إلى الآلاف من هذه الدوريات التى تتمركز أو تجوب أنحاء البلاد يوميًا يؤكد التراجع والضعف الملحوظين فى القدرة البشرية والتسليحية للمجموعات الإرهابية بفعل الضربات الأمنية المتلاحقة، وينفى ما يشاع ويعتقده البعض من تهديدها الجاد للأوضاع الأمنية فى مصر.
كما أن التوزيع الجغرافى للهجمات الإرهابية على الدوريات الأمنية الثابتة أو المتحركة، يشير إلى أنها لا تشمل غالبية مناطق الجمهورية، بل تنحصر فى شمال شرق سيناء حيث المجموعات الإرهابية التابعة لداعش، وبعض المناطق بالقاهرة الكبرى، وبخاصة فى أطراف محافظتى الجيزة والقليوبية وهى معروفة تاريخيًا بوجود نشاط تنظيمى لجماعة الإخوان وحلفائها من الجماعات الإرهابية الأخرى، كما أنه فى الغالبية الساحقة من الهجمات الإرهابية على الدوريات الأمنية الثابتة أو المتحركة، نجحت الشرطة فى القبض على مرتكبيها وتقديمهم للقضاء الذى أصدر أحكامه بإدانتهم. 
لكن الدولة بمؤسساتها وإعلامها لا بد أن تقوم بدورها على أكمل وجه فى تحقيق الاستقرار المجتمعى والقضاء على الإرهاب أو الحد من مخاطره على المجتمع، ومن أجل هذا لا بد من رفع كفاءة الإعلام الوطنى فى جميع الدول المؤمنة بالسلام، بما يجعله قادرًا على مواجهة إعلام الجماعات المتطرفة، خاصة الإعلام الرقمى والميليشيات الإلكترونية الإخوانية مع وضع استراتيجية إعلامية واضحة ومركزة لنشر ثقافة السلام وتنمية الحس الوطنى والإنسانى وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وضرورة التحول من ردّ الفعل إلى الفعل، والعمل على نشر ثقافة السلام من خلال برامج تعايش إنسانى على أرض الواقع على مستوى كل دولة على حِدَة وعلى المستوى الإنسانى والدولى وضرورة التركيز على المشتركات الإنسانية والقواسم المشتركة بين الأديان فى الخطاب الدينى والثقافى والتربوى والإعلامى، وسن القوانين التى تجرم التمييز على أساس الدين أو اللون أو العرق والعمل من خلال المؤسسات الدولية على تجريم التمييز بسبب الدين أو الإقصاء الدينى دون استثناء والتأكيد على عدم ربط الإرهاب بالأديان التى هى منه براء، وبيان أن ربط الإرهاب بالأديان ظُلم فادح لها، ويدخل العالم فى دوائر صراعات لا تنتهى. 
مع قيام العلماء المتخصصين بتصحيح المفاهيم الخاطئة والفهم الخاطئ للآيات والأحاديث التى يستخدمها الإرهابيون فى تبرير التطرف والإرهاب أو التنظير لهما، بما يكشف المفهوم الصحيح لها واستخدام جميع وسائل التوعية والتثقيف والإعلام المتاحة: من المساجد، والمدارس والجامعات، ومراكز الشباب، وقصور الثقافة، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، لنشر ثقافة السلام ومواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، مع ضرورة التدريب اللازم والمستمر على التعامل مع هذه الوسائل والتوسع فى استخدام الفضاء الإلكترونى، وجميع وسائل التواصل العصرية لنشر ثقافة التسامح والسلام ومواجهة الفكر المتطرف.. وقبل كل هذا إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والانتماء والمواطنة داخل المجتمع.