البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

"نصف ربيع الآخر".. تجسيد لمعاناة البطل التراجيدي "الأرسطي"

البوابة نيوز

حينما عرف أرسطو الصراع الدرامي، الذي يقع فيه البطل التراجيدي، عرفه على أساس إنساني وقيمي مستمر على مر العصور، فالبطل التراجيدي يقع دائما فى صراع بين الواجب والعاطفة، أو بمعني آخر بين الضمير والرغبة الخاصة أو بين الخير والشر بمعناه الجامع المانع. فغالبًا ما يقع البطل التراجيدي بين مطرقة اختيار ما يرضيه وسندان ما يتوجب عليه فعله، سواء كان هذا على مستوي المواقف العاطفية أو الإنسانية أو الأخلاقية، وعليه الاختيار بين كفتي الصراع.
كان أمامه إما أن يختار الضمير والواجب والحق، ويميل لفعل ما هو عكس رغباته الإنسانية والجسدانية، أو يرجح كفة العاطفة والرغبات الخاصة، وبين هذه وتلك يحدث التطهير الإنساني الذي تحدثه الدراما، وهذا ما نجح فى إيضاحه الكاتب الكبير محمد جلال عبدالقوي من خلال الدرام التي قدمها فى مسلسل «نصف ربيع الآخر» الذي قام ببطولته الفنان الكبير يحيي الفخراني مع الفنانتين إلهام شاهين وفادية عبدالغني، وأخرجه المخرج الكبير يحيي العلمي.
مع النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، وتحديدًا فى عام ١٩٩٦، تم عرض النصف الآخر لحياة المحامي «ربيع الحسيني» الذي جسده الفنان يحيي الفخراني من خلال مسلسل «نصف ربيع الآخر»، الذي تعرض لحياة الأسرة المصرية المستقرة، التي تسعي للسعادة والحياة الصالحة وتربية الأبناء على القيم والمثل والأخلاق، فى إطار مغلف بالرومانسية التي تجمع بين رب الأسرة وزوجته، وبالتالي عشقهم لأبنائهم، ومحاولة الوصول بهم إلى بر الأمان. 
فنرى «ربيع الحسيني» المحامي الشهير الذي يتسم بالقيم والأخلاق والمبادئ والرضا بالمقسوم، المتيم بحب زوجته وأبنائه، بالرغم من حبه الأول الذي جمعه بـ «ناهد الوكيل»، صديقة الدراسة التي جسدتها الفنانة إلهام شاهين، لم يكتمل بالزواج لضيق ذات اليد، فتعود الحبيبة الأولى لتستنجد بحبيبها، بعد أن اكتشفت حقيقة زوجها المشينة، والتي أوقعتها فى الكثير من المشاكل حتي وصلت إلى ساحات المحاكم، فتسعي «ناهد الوكيل» لزج حبيبها السابق «ربيع» للدفاع عنها أمام القضاء وإثبات براءتها من التهم التي قام زوجها بتلفيقها لها، وهو ما يتقبله «ربيع» بصدر رحب.
ومع عودة الحب القديم داخل قلب «ربيع»، يبدأ الصراع الدرامي الداخلي للبطل التراجيدي، ويبدأ الصراع الدرامي الخارجي لأحداث المسلسل ككل، فالصراع الدرامي الخارجي لأحداث المسلسل كان من خلال غيرة الزوجة لدفاع ربيع عن زوجته السابقة، إلى جانب محاولات إغراء ربيع ورشوته لتأمين مستقبل أبنائها بأموال محرمة، بعد أن نجحت «ناهد الوكيل» فى استقطابه لعش دبابير الفاسدين والناهبين لمقدرات الدولة وممتلكات الشعب، وهو الجزء الذي ارتبط بالصراع الدرامي الداخلي للبطل التراجيدي المتمثل فى «ربيع» الذي يقع فى مأزقين من أكبر المآزق التي يقع فيها الرجل، أولها الاختيار بين حبيبته السابقة فى تلبية منه لنداء العاطفة الجياشة التي اشتعلت بعودة حبه الأول، وبين زوجته وأبنائه وأسرته المستقرة التي تسعى لإرضائه وإسعاده بكل الطرق.
أما المأزق الثاني فهو الاختيار بين الاستمرار فى القيم والمبادئ وحفاظه على نظافة يده وسمعته حسبما يفرضه الواجب والأخلاق، أو التضحية بهذه القيم واللهث وراء جنى المال لتأمين مستقبل أبنائه وتستمر الأحداث على هذا المنوال حتى نهاية المسلسل الذي يقرر فيها «ربيع» أن يكون البطل التراجيدي صاحب القيم والواجب والأخلاق، فيقرر الاستمرار مع زوجته وأسرته إلى جانب الحفاظ على نزاهته ونظافة يده والبعد عن الأموال الملوثة بالرشوة، كما يقوم بفضح حقيقة «ناهد الوكيل» أمام المحكمة والإعلام، حتي يعلم الجميع حقيقة هؤلاء الفاسدين وحقيقة نزاهة ربيع الحسينى، النموذج المصري للبطل التراجيدى الأرسطى.