البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

دهاليز التأمين.. وآهات "العيانين"!


ماذا أقول لكم؟.. عندما كتبت، الأسبوع الماضى، ملاحظات سريعة عن التأمين الصحى، لم أتخيل كل تلك الرسائل التى تجاوبت مع القضية، سواء بالدفاع أو بالنقد أو إبداء ملاحظة هنا أو هناك، أو الجأر بشكوى لعلها تصل إلى أسماع المسئولين وأصحاب القرار.. إلا أن الطرف الوحيد الذى صام عن الكلام تمامًا تمثل فى رئاسة هيئة التأمين الصحى ذاتها، ويبدو أن الميزانية عندها لا تسمح بشراء نسخة من الصحف لمتابعة كل حرف يكتب عن هموم الناس فى هذا المجال، وإن كان صديق عزيز أفتى لى بأن السبب قد يكمن فى شماعة الصيام التى يتعلل بها كل موظف ويعلق عليها تكاسله عن أداء مهامه العادية مهما كانت بسيطة، ولأن الدنيا صيام كان لا بد أن أٌحسن الظن واستبعد أن يكون السبب هو "حالة طناش"، مثل تلك الحالات "اللى تفقع المرارة".
وبدون ترتيب معين، أستأذنكم فى عرض بعض ما وصلنى من مرضى التأمين الذين يتمسكون دائمًا بالأمل فى الحصول على خدمة لائقة، تخفف آلامهم وتصل بهم إلى بر الأمان.
أحدهم "لم يذكر اسمه"، قال إن عيادة البدرشين لا يوجد بها طبيب رمد و"نضطر للحضور" إلى عيادة الهرم الشاملة، مما يكبدنا مصاريف انتقال فضلًا عن ضياع اليوم فى "الشحططة".. ومن مدينة العريش الصامدة، يقول إبراهيم عبدون: "عملت عملية في مستشفى التأمين الصحى بمدينة نصر.. لو بره التأمين يمكن كنت حاليًا في الرفيق الأعلى، لأني لا أملك تكلفة العملية التى تصل إلى أكثر من ٣٠ ألف جنيه.. وما زلت أصرف العلاج من التأمين، وتقدر قيمته بـ٣٠٠ جنيه شهريًا، ولن يتمكن أى شخص من معرفة قيمة التأمين إلا بعد أن يتقدم في العمر".
وأوافق تمامًا على كلام عبدون متعه الله بالصحة والعافية، وأضيف إليه: لا يعرف قيمة التأمين أيضًا، إلا المريض بمرض مزمن أو الذى شاءت حالته الصحية أن يتم حجزه في العناية المركزة، حسبما يقول محمود عبد السلام، في رسالته: "تعرضت إبنتى الصغيرة لأزمة صحية، ولولا التأمين لضاعت منى.. تم حجزها بالعناية ثم في غرفة لمدة ثلاثة أسابيع وعندما سألت عن التكلفة لو تم ذلك خارج التأمين، صدمنى رقم ٩٠ ألف جنيه الذى سمعته ولم أجد سوى أن أرفع يدى لله شاكرًا حامدًا فضله، وما زالت إبنتى تتلقى علاجها من التأمين وقيمته ٦٠٠ جنيه شهريًا". 
وفى المقابل، هناك أمور غير مفهومة تكشف عن وجه آخر يجعل الناس تصرخ وتشكو وتبحث عمن يخفف عنها ويمنحها حقها الطبيعى في العلاج بكل مراحله، ومن هؤلاء الراجل الكبارة المحترم وأحد الذين أفنوا عمرهم في الخدمة الحكومية، يونس الفرارجي، وأكاد أسمع صرخته عبر كلمات سطوره القليلة، ويقول فيها: «مقرر لي ٨٥ وحدة أنسولين كل يوم مبيرضوش يدوني أكتر من ٥٠ وحدة، رغم أن الروشته مكتوب فيها ٨٥ وحدة في اليوم.. اكتبوا الكلام ده علشان أجيب حقي.. يا ريت الجهات الرقابية تروح تفتش».. فهل يمكن أن يتكرم الدكتور على حجازى رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحى، ببحث الأمر؟.. وياريت بالمرة يعود إلى ما نشرناه الأسبوع الماضى عن أدوية تم وقف صرفها تمامًا وتمثل علاجًا أساسيًا لتأثيرات مرض السكر على أعصاب المريض.
ووسط كم الرسائل والتعليقات، اهتم الدكتور علاء غنام أحد أهم أعضاء اللجنة التى أنجزت مشروع قانون التأمين الصحى، بالاتصال، معلقًا وموضحًا لنقاط مهمة، أبرزها أن مشروع القانون الحالى يختلف تمامًا عن قانون لجنة السياسات، الذى لفظه المجتمع ورفضه القضاء.
وظل الأمر معلقًا إلى أن تنبه الناس بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ إلى ضرورة إنجاز قانون يضمن حق المجتمع في علاج متكامل، وتشكلت لجنة من ٢٠ خبيرًا، ونجحت اللجنة في استئصال النتوءات والمتاهات التى امتلأ بها قانون لجنة جمال مبارك، حتى وصلنا إلى المشروع الذى يخضع للمراجعة حاليًا بمجلس الدولة.
وتوضيحًا لبند المساهمات التى يتحملها المريض، فإنها أصبحت مقصورة على الرعاية الأولية فقط، للحد من سوء استخدام النظام، كما أن هناك فئات عديدة معفاة منها، أهمها أصحاب الأمراض المزمنة والمحالون للمعاش، والفئات غير القادرة.. ولكن تبقى حكاية الفئات غير القادرة محل تساؤل كبير، فمن الذى يحدد المقصود بها جمعًا وحصرًا، وهل يتم تحديدها بناء على الحد الأدنى للدخل، أم على دخل معاشات التضامن الاجتماعى، ومن ذلك "القادر" اللى حط النص ده ليظل كالسكين في "ضهر" غير القادرين؟.
وتبقى أزمة الميزانية المطلوبة هى الحاكمة، في ظل موقف نائب وزير المالية المشهور بانعدام الحس الاجتماعى عنده تمامًا.. ولعل كثيرين ما زالوا يتذكرون حديث أحد أعضاء لجنة الصحة في البرلمان عندما علا صوته في اجتماع اللجنة، واتهم نائب الوزير إياه بتعطيل الدراسة الاكتوارية الخاصة بميزانية القانون، وصرخ متسائلًا: " هى وزارة المالية مفيهاش حد غير نائب الوزير ده؟".
ويتشعب الموضوع ويدخل بنا في دهاليز لا أول لها ولا آخر، مما يستدعى أن نواصل حديثنا الأسبوع المقبل، عن القانون ذاته وعن "شياطين وملائكة" في عيادات التأمين.. وسلامًا على الصابرين.