البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

30 يونيو... هل جعلت مصر دولة متقدمة؟


قبل أيام من الاحتفال بذكرى ثورة ٣٠ يونيو... دعونا نتفق فى البداية على أنه لو قامت ألف ثورة "ربيع"، فلن تتقدم مصر، أو توضع فى مصاف شعوب الدول المتقدمة؛ لأن ما حدث هو مجرد خطوة أولى لإنهاء الاستبداد السياسى الذى عاشته وكابدته على مدى عقود!!
أما التطور والتقدم يأتى فقط عن طريق بناء مؤسسات ومراكز إدارية علمية حديثة، وقرارات تضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، من دون ذلك، عبثًا سنحاول والنتيجة لن تكون مرضية.
ولدينا فى تجربة ألمانيا التى يحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على زيارتها، وآخرها منذ أيام، المثل والقدوة؛ حيث استطاع الألمان توحيد دولتهم التى قسمت عقب الحرب العالمية الثانية إلى شطرين غربية وشرقية، يخضعان لنظامين اقتصاديين مختلفين أحدهما رأسمالى، والثانى شيوعى، وبناء دولة تعد رابع أكبر قوة سياسية واقتصادية فى العالم والأولى فى أوروبا.
وقد عبر الرئيس السيسى أكثر من مرة عن إعجابه وانبهاره بالشعب الألمانى المعروف بـ"بالماكينات"، والذى خرجت بلاده من حرب طاحنة مهزومة ممزقة مقسمة، لكنها خاضت رحلة نهضوية كبيرة جدًا اتسمت بتكامل أطرافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، مما يتيح فرصة متكاملة للنظر والتقويم والمقارنة ونقلها إلى مصر.
ولما لا وكل قائد يتمنى أن يسلك شعبه مسار نظيره الألمانى الذى "انتفض" بعد هزيمة مريرة لقائده المنتحر "هتلر" عام ١٩٤٥، وقتل نحو ٤ ملايين ألمانى واعتقال ٥ ملايين آخرين فى سيبريا، وصار الشعب أغلبه "نساء وأطفال وشيوخ" يعيشون وسط أطلال منازل فى مدن كاملة سويت بالأرض، وقوات الحلفاء حملوا معهم المصانع والآلات ودمروا البنية التحتية بشكل كامل، وانتشرت فكرة الانتحار!! 
لكن لم يستسلموا لقدرهم وقاموا بجمع الأنقاض وإعادة بناء البيوت وجمع الأوراق والكتب من تحت الأنقاض لفتح المدارس، وكتبوا على بقايا الجدران المحطمة "لا تنتظر حقك"!!
ولعل العجيب حقا أن تركيب القوى العاملة كان فى ذلك الوقت (٧٥٪ نساء و٢٥٪ رجال)؛ لأن الرجال إما قتلوا فى الحرب أو يعاقبون فى السجون بعد قتل ٧٥ مليون شخص فى الحرب "الهتلرية"، أى أن النهضة قامت على أكتاف "الألمانيات" التى تدين بالولاء والانتماء.
والولاء –كما يقول الخبير الأردنى د. محمد أبو عمشة- ليس كلمات شعر تقال، أو أغنية يتغنى بها الشعب الألمانى، بل إن "الولاء هو إتقان العمل"، فكان العامل الذى يقوم بتنظيف الشارع كأنه فى محراب عباده، ويقول لنفسه صحة أهلى وعشيرتى تبدأ من هنا من نظافة الشارع.
أما لدينا فعمال النظافة يتفرغون للوقوف وسط الشوارع، لا أن ينظفوها، وإنما "للشحاتة" من أصحاب السيارات، خاصة فى نهار شهر رمضان!!
إن نهضة أية أُمة لا يمكن أن تكون بأدوات غير أدواتها، ولا فى سياق ثقافى غير سياقها، ولا بأناس غير أناسها، ولا بأساس اعتقادى غير أساسها، وهذا حاصل ما استنتجناه من التجربة الألمانية التى لا ولم تعرف قطيعة مع تراثها مثلما نعمل مع تراثنا وأئمتنا والتشكيك فى الثوابت والعقائد، بل عملت على توظيفه بكل مكوناته الدينية والدنيوية.
أولى الأسس التى قامت عليها التجربة الألمانية هى قناعة الشعب لرؤية تقول: "نحن الألمان من أفضل شعوب الأرض"، وتعليم التلاميذ فى المدارس بقدسية العمل والتحصيل، واختيار مناهج ترتبط بحياتهم وعملهم، لا لمجرد التحصيل، ويكون "الغش" السبيل لاجتياز الامتحانات حتى لو استخدمنا "البوكليت"!!
لقد نجحت ألمانيا فى تقديم نفسها نموذجًا للدولة الرائدة اقتصاديا وإداريًا، مما أهلها للتحرر من الوصاية السياسية والاقتصادية التى فرضت عليها بعد الحرب العالمية الثانية، ونجحت فى بناء النهضة الاقتصادية العملية على أسس نظرية علمية، لتشتهر عالميا بتصديرها لنظريات اقتصادية وإدارية فريدة مثل "نظرية السوق الاجتماعى" و"الاقتصاد الأخضر"، و"التخطيط الإقليمى".
أما نحن فلا بد من شطب نظرياتنا "أبجنى تجدنى"، و"إحنا اللى دهنا الهوا دوكو"، أو كتابة عبارات على التوك توك والميكروباص "تعمل حسابى أقدرك تهزر معايا أعورك"، و"الحلوة لما تتدلع تخلى الأسفلت يولع"، و"ما تبحلقش كده يا لوح دى جت بطلوع الروووح"، و"ما تبصش كده يا عبيط الحلوه دى بالتقسيط"!!