البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

لا مناص عن الوسطية فهي الحل


إذا كانت الأديان كلها، تأمر الإنسان أن يكون عاقلًا، ومؤمنًا فى الوقت نفسه، وأن لا يعتدى على أخيه الإنسان، وأفردت الشرائح فصولا من كلياتها، عن الحقوق والواجبات، التى تحث على الأمر الشرعى الملزم، بعدم إيذاء الآخر، أيًا كان، بل تعدى ذلك إلى عدم الإيذاء بالنبات والحيوان، فإن الإسلام شرح بالتفاصيل تلك الحقوق والواجبات، فى القرآن والسنة، وأمر بالوسطية، وأن خير الأمور أوسطها، بمعنى أن لا يتطرف الإنسان فى تقييمه وفعله وسلوكه، فى التعامل مع الآخر وفى مأكله وملبسه، ولا يغالى فى عطائه وأخذه، وأن كل ذلك الإرث الطيب الأثر للسلف الصالح من آل بيت رسول الله وصحبه الميامين، ينادون بالعقلانية والاحتكام إلى شريعة الله المتمثلة فى القرآن الكريم، الكتاب الفصل بين الناس، والإيمان بأن للأمم والطوائف شرائعها التى تحترم، وما تلك العلاقة الأنموذج بين الإسلام والمسيحية التى تجسدت أيام حكم النجاشى للحبشة، وهو المسيحى الذى آوى صحابة رسول الله، بل كان وكيل رسول الله فى زواجه من أم حبيبة بنت أبى سفيان، كلها خبرات وتاريخ من العلاقة العميقة بين الأديان القائمة على الحوار والتفاهم وتعميق المشتركات، تجعلنا حيرى ونحن نشاهد حرائق بيوت أمتنا اليوم واستعداء العالم علينا، من قبل أنفار مغالين محرضين قتلة، يوغلون الصدور بالكراهية، ويحرضون على قتل الناس وينشرون الرعب والمخاوف والوساوس بين أفراد الشعب الواحد، وينفقون الأموال والأنفس على مقاتلة غيرهم، بذات العصبيات والغلو، مستعيرين من التاريخ شواهد حدثت بظرفها وزمنها المعلوم ويحاولون فرض مسوغات للاحتراب المؤذى والمعوق والمكبل لتقدمنا. متدثرين بفهم مغالٍ لثقافة المذاهب والطوائف والإثنيات والنعرات والتفسيرات التى أوغل فيها الأعاجم، فى شق وحدة الأمة، وتسجيل تاريخ انشطار وعيها. 
وأنا أقرأ عن نظرة السلف الصالح من مفكرى الأمة وأئمتها العظام، وجلهم من صلب قريش ونبعها، تيقنت، أنهم وضعوا قواعد صارمة لوحدة الأمة وإشاعة ثقافة السلام والاحتكام لله فى كتابه حتى فى التفسير والاجتهاد الشريعى، وأن العمل الصالح معيار التقرب إلى الله، وهنا أسوق مثلين بارزين من تاريخ الأئمة العظام، يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق، سليل بيت النبوة: (لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسّنة، أو تجدون معه شاهدًا من أحاديثنا المتقدمة.. فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنا إذا حَدثنا قلنا: قال الله عز وجل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما نحن إلا عبيد للذى خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضر ولا نفع، وإن رحمنا فبرحمته، وإن عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة، وإنا لميتون ومقبورون ومنشورون ومبعوثون وموقوفون ومسئولون) "نص".
ويختم أبو المذهب الجعفرى وحفيد رسول الله: "أشهدكم أنى امرؤ ولدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما معى براءة من الله، إن أطعته رحمنى، وإن عصيته عذبنى عذابًا شديدًا أو أشد عذابه".
من جهته فإن الإمام محمد بن إدريس الشافعى القرشى، الذى يجتمع مع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فى جدهما عبد مناف، والذى تتلمذ على يد الإمام مالك فى المدينة المنورة، ولازمه إلى أن توفى سنة ١٧٩ هجرية، وتأثر بفكر الإمام أبى حنيفة النعمان؛ فهو يعد أنموذجا يحتذى به، فى السماحة والتصبر، والعلم والورع والتقوى، والمناداة بإجلال أصحاب المذاهب وأهل الحديث، يقول عنه الإمام أحمد بن حنبل: "كان الشافعى كالعافية للبدن وكالشمس للدنيا، وهل لهذين من خلف أو عوض عنهما من عوض"، وكان الشافعى يؤمن بالحوار طريقًا للفهم، لكنه يرسخ القيمة الأخلاقية للحوار (ما ناظرت أحدًا فأحببت أن يخطئ. وما فى قلبى من علم ألا وددت أنه عند كل أحد ولا ينُسب إلىّ). كان الشافعى يجد فى مصر ضالة وهى توقه وملاذ روحه، أحبها، وقال عنها:
(لقد أصبحت نفسى تتوق إلى مصر... ومن دونها قطع المهامة والقفر 
فوالله ما أدرى إلى الفوز والغنى 
أساق إليها أم أساق إلى قبرى)
لقد نهل الشافعى من علم الإمام مالك والإمام أبى حنيفة النعمان، وكان سابق عصره فى الدعوة والسماحة والورع والتقوى ومخالطة العلماء وأهل الفكر والأدب والإفتاء للناس، لكن الإرهاب لم يدعه وشأنه فإن خصومه لم يمهلوه فشج رأسه متطرف مغالٍ، حتى تسبب فى موته.
إن ثقافة الغلاة والتوحش، زرعت فى تأريخنا العربى عنوة وهى ليست فى أمتنا، وفى علمنا وعلمائنا، وإن التطرف الذى تشهده اليوم وافد إلينا، ليس من جنس حضارتنا ومدنيتنا، وثقافة شعبنا، ولنا فى أئمة المسلمين من السلف الصالح عيون ومنابع تروى ظمأنا، ونحن نعانى مشاهد الدم التى تسيل، من ضحاياها الأبرياء.