البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

فى ذكرى وفاة ابن النوبة

حمزة علاء الدين.. عازف العود الصوفي

حمزة علاء الدين
حمزة علاء الدين

سافر إلى أمريكا وتولى تدريس الموسيقى والتراث فى جامعاتها
رفض تعيينه أستاذًا للموسيقى وقال: «مكتوب عليا أشيل شنطة هدومى على كتف والعود على الكتف التانى»
تحل هذه الأيام الذكرى الحادية عشرة على وفاة الفنان النوبى العالمى حمزة علاء الدين، بعد رحلة قضاها عبر مدن العالم المختلفة، كان نتاجها ما يزيد على ١٤ ألبومًا «أسطوانة» موسيقى، وعددًا من الأفلام والمسرحيات العالمية التى تحمل بين مشاهدها موسيقاه، بالإضافة لتوليه مناصب التدريس الموسيقى بعدد من الجامعات الأمريكية.
حمزة علاء الدين، المولود فى ١٠ يوليو ١٩٢٩ بتوشكى أسوان، بدأ مسيرته الفنية بدراسته للموشحات فى معهد إبراهيم شفيق، بعدما ترك عمله فى السكة الحديد، الذى التحق به فور تخرجه فى قسم هندسة الكهرباء بجامعة فؤاد «القاهرة حاليًا»، ثم استكمل دراسته لآلة العود فى معهد الملك فؤاد للموسيقى «معهد الموسيقى العربية حاليًا»، حتى عُين مدرسًا للموسيقى فى مدرسة «عنيبة الثانوية» فى النوبة.
بعد غرق النوبة وتهجير أهلها سافر إلى الولايات المتحدة، وظل بها ١٥ عامًا دون أن يزور مصر، إلى أن جاء مع إحدى الفرق الأمريكية فى عام ١٩٧٨ كضيف شرف، وخلال وجوده بأمريكا تولى حمزة العديد من مناصب التدريس كمؤلف موسيقى وأستاذ للموسيقى العرقية فى جامعات أوهايو، وواشنطن وتكساس.
رحلة مكتوبة
كان يعلم حمزة علاء الدين، فى أعماق نفسه، أنه جاء إلى الدنيا حتى يقوم برحلته، التى عبرت مُدنًا وبلادًا كثيرة، محتضنًا فيها العود و«الطار النوبى». 
وأثناء زيارته لأصدقائه فى السودان، قابل «حمزة» الشاعر «إسماعيل حسن»، وقال له الأخير: «كفاية لف كده وخليك»، فرد حمزة عليه بأن ذلك مكتوب، حتى عاد إلى القاهرة والتقى الشاعر الراحل «بشير عياد» فى مكتبه بمجلة كاريكاتير، والتقطت عيناه كلمات قصيدة «ماليش عنوان»، التى تقول: «فى كل مكان.. ماليش عنوان.. أنا عصفور بقلب أبيض وألف لسان.. أطير على الكون أغنى للسلام للحب للإنسان فى كل مكان»، فوجد فيها وصفًا دقيقًا لحالته بعدما قُدر له أن يطوف العالم، فاختارها «حمزة» لتكون معبرة عنه وكانت ضمن ألبوم «موشح ١٩٩٥».
وفى إحدى حفلات الصفوة فى مصر، أعطى له أحد أصدقائه رقم هاتف وهمس إليه بأن يجرى اتصالًا به، وعندما قام بذلك فى اليوم التالى، كان الطرف الآخر من المكالمة موسيقار الأجيال «محمد عبدالوهاب»، الذى قال له فى إيجاز: «مستنيك بكرة الساعة ٨».
وعندما دخل حمزة الصالون بمنزل موسيقار الأجيال وجد أمامه فى المكتبة الموسيقية لعبدالوهاب أسطوانة (Escalay)، فتذكر أنه قبل تسجيل تلك الأسطوانة فى أمريكا، كان العرب يسمعون أغنية «فكروني» لأم كلثوم، التى سُئل فيها عبدالوهاب عن سبب استخدامه لآلة الجيتار الغربية فى لحن مقطع داخل الأغنية، فكانت إجابة «عبدالوهاب» أن آلة العود لا تستطيع أن تقوم بما فعلته الآلة الغربية، وحينما سمع ذلك حمزة وهو بأمريكا قام بعزف أغنية «فكرونى» كاملة بالعود فى ألبومه، منتصرًا بذلك لعوده. عرض عبدالوهاب على حمزة أن يظل فى مصر، وأنه سيتم تعيينه فى «الكونسير»، أستاذًا للموسيقى، وأنه حان الوقت لأن يقدم «حمزة» موسيقاه فى مصر كما قدمها للعالم، فكان رد حمزة: «مكتوب عليا أشيل شنطة هدومى على كتف والعود على الكتف التانى».
العود حياة
لـ«العود» مواقف كثيرة مع «حمزة علاء الدين»، كان لها أثر فى حياة النوبى الفنان، فحينما لفت العود نظر «حمزة» لأول مرة أثناء دراسته بجامعة فؤاد، وحتى يصبح قريبًا من تلك الآلة ذهب إلى شارع «محمد علي» وعمل بأحد المحال التى تقوم بصناعته، وتعلم فيه كيفية تشبيك الأوتار، وقرر شراء واحد منهم مقابل عمله داخل المحل لفترة.
وعندما حصل على العود احتضنه وهو جالس بجوار سور الأزبكية، ورأى أمامه شيخًا يرتدى جلبابًا ويمسك أيضًا بعود ويقترب تجاهه، فوجه الرجل أسئلته لحمزة: «بتعرف تعزف عليه؟ طيب ظبطته؟» وكان رد حمزة عليه بأن أشار برأسه بالنفى فقط، فأمسك الرجل بالعود منه، وضبطه، ثم أعاده له وقال: «لازم تتعلم.. أنت هتفضل طول عمرك تظبط فيه؟»، بعدها بفترة عَلِم حمزة أن ذلك الرجل هو الشيخ «زكريا أحمد» الموسيقى الكبير.
موقف آخر، عندما دخل والد حمزة عليه غرفته وأمسك بعوده وضرب به الأرض إلى أن تهشم، حيث كان يرى والده أنه من العار أن يصبح ابنه «البكرى» فنانًا، وعندما شعر والده أنه فعل «جريمة» فى حق حمزة، ولكى يصالحه قال له فى نفس الليلة بعد أن هدأ: «بكره الصبح ننزل مع بعض وهشتريلك العود اللى أنت عايزه»، حتى ظل والده بعد ذلك الحادث حريصًا على أن يكون من أوائل الحضور فى حفلات حمزة وآخرهم خروجًا منها.
وفى سانتا مونيكا بلوس أنجلوس بأمريكا، عندما قالت له إحدى صديقاته، إنها رأت عودًا فى أحد المحال التى تبيع «الأنتيكة» والمستعمل فى نفس الولاية، وإنها تريد أن تشاهده وهو يعزف به، وبعد أن رآه حمزة، وبدون تردد، قايض صاحبه على إحياء ليلة الفرح لابنه مقابل امتلاكه للعود، بعدما عجز عن دفع المبلغ المطلوب لشرائه، ليكتشف حمزة أن العود تحفة فنية لا مثيل لها، حيث كان محفورًا عليه بالعربية «عبده النحات لصناعة الأثاث والآلات الموسيقية ١٨٠٠، سوريا».
قال حمزة وقتها إن هذا العود صُنع خصيصًا فى عام ١٨٠٠ حتى يعزف به حمزة، وظل يعتز بهذا العود حتى وفاته لدرجة أن زوجته ما زالت تحتفظ به حتى الآن.
الفيلسوف
عندما توفى «محمد القصبجى»، حكى عازف الناى «سيد أبوشفة» لأم كلثوم عن «حمزة» وأنه ماهر فى العزف على العود وطلبت مقابلته، وعرض «أبوشفة» عليه الأمر، فجاء رده: «لما تحلم بحاجة النهاردة وتجيلك بكره.. متقبلهاش»، لأنه رأى أنه أصبح لديه مشروعا، متمثلا فى نشر الثقافة النوبية، لا بد أن يسعى لتحقيقه.
حمزة كان يرى أن السواد الأعظم فى مصر يفتقد التذوق والحس الفني، ومن الجُمل التى كان يرددها: «الفنان هو الذى يخرج من نحن ليقول أنا، فإن تقبله الناس فهو ناجح»، كما كان يرى أن لغة الكلام هى أضعف أنواع الاتصال وأنه لا بد من اللجوء للتخاطب الذهنى والروحى بحُكم أنه الأفضل، وكان يقول أيضًا إن الموسيقى مخلوقة فى الكون، وإن ما يقوم به البشر هو إزاحة الغبار عنها واكتشافها، وإن الموسيقى المميز هو من يترك الآلة تعزف له.
كما كان مؤمنًا بأن السياسة هى السبب فى محو ثقافات الدول، وأن مصر والسودان جزء لا يمكن تجزئته، ووطن واحد يسمى وادى النيل، وظهر ذلك متجليًا فى الخطابات التى كان يرسلها إلى أهله فى مصر وأصدقائه فى السودان، فكان يكتب عليها: «الجمهورية الشمالية لوادى النيل ـ جمهورية مصر العربية، أو الجمهورية الجنوبية لوادى النيل ـ السودان».
الصوفى
لم ينس «حمزة» أنه كان طالبًا فى معهد شفيق للموشحات الدينية، وأنه كان يردد أعمال الشيخ «الكحلاوي» على عوده فى البدايات، ولم ينس أنه «مسلم» مولود فى عائلة تميل للصوفية، فخلال رحلته حول العالم، كان يتعامل مع الآخرين برقى، وكان دعويًا بسلوكه الحسن، حريصًا على التعامل بخُلق الإسلام، حتى دخل الإسلام على يده عدد من الأشخاص، حسبما أكده ابن شقيقته الملحن «أكرم مراد». 
وظهرت صوفية «حمزة» متجليةً فى إحدى أسطواناته، التى احتوت بداخلها على صورته وهو ساجد فى الصلاة وبجواره القرآن الكريم، وكان يرى أن تصرفات المسلمين ممن يذهبون إلى الغرب، سبب فى الصورة المأخوذة عن وحشية الإسلام لديهم.
التعتيم
كان (Peter Seiler)، المخرج المسرحى العالمى الشهير، فى زيارة إلى مصر ودعى «حمزة» لقضاء أسبوع معه، وعندما وصل النوبى الفنان إلى مصر، قام (Seiler) برحلة فى حوارى مصر التى ظهرت فى مؤلفات أديب نوبل، نجيب محفوظ، وفى اليوم الثالث من الزيارة توقف (Seiler) عن السير بجوار «حمزة» ثم نادى عليه قائلًا: (إحنا لينا ساعتين بنمشى فى الشارع ومحدش وقفك وسلم عليك يا حمزة!!، أنت مبتعرفش تمشى عادى فى طوكيو وولايات أمريكا)، راح «حمزة» فى صمت عميق.
توفى العالمى «حمزة» فى ٢٢ مايو ٢٠٠٦ إثر مضاعفات حدثت له بعد إجراء عملية جراحية فى المرارة بمستشفى ببيركيلى بكاليفورنيا، ودفن فى مجمع الأديان بمدينة سان فرانسيسكو بأمريكا، بناءً على ما كتبه فى وصيته لزوجته وأفراد عائلته. لَعبت العديد من الفرق العالمية مؤلفات «حمزة» فى حفلاتها، تأبينًا له، وفى وفاته كتبت عنه الصحف ووسائل الإعلام العالمية وعلى رأسها نيويورك تايمز، والجارديان، وفى المقابل كان هناك إهمال واضح من مصر والصحف المصرية، ليظل السؤال مطروحًا: «هل كان حمزة يُعاقب على آرائه الشخصية فى أن حضارة وادى النيل جزء واحد لا يتجزأ، وأن تهجير النوبة من بلادهم ومحل ميلادهم إثم عظيم؟».