البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مفتي الجمهورية: الأزهر صمام أمان استقرار المجتمع.. والشائعات كادت تدمر البشرية منذ بدايتها.. ومواقع التواصل الاجتماعي منصة لنشرها.. والصحابة أول من قصروا الفتوى على المتخصصين

 الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية

أكد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية فضيلة المفتي، أن التجربة المصرية الكبيرة في التعليم الأزهري، من حيث العلمُ الشرعيُّ على مدار أكثر من ألف عام، كانت صمام أمان لاستقرار المجتمع وجميع المجتمعات، ليس في مصر فقط ولكن في العالم كله.
وحذَّر مفتي الجمهورية، خلال لقائه بحلقة "من ماسبيرو"، التي أذيعت أمس الخميس، على القناة الأولى المصرية من خطورة الإفتاء بغير علم ولا تأهيل، أو نشر فتاوى غير المتخصصين؛ لأن من يتصدر للفتوى لا بد أن يتدرج في مراحلها العلمية التي تحتاج إلى جملة من العلوم لضبط الفتوى.
وأضاف علام أننا بحاجة إلى ضرورة تنظيم الفتوى وقصرها على المختصين، حتى لا تستمر هذه العشوائية التي تسعى إلى تغيير المستقر وإنكار المجمع عليه.
وأشار إلى أن تلك المنهجية كانت متأصلة في تلقي الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعندما جاءت جدة توفي حفيدها إلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله عن الميراث، قال لها: "ما لك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا، فارجعي حتى أسأل الناس"، فسأل الناسَ، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة؛ فأنفذه لها أبو بكر الصديق.
ووجَّه مفتي الجمهورية نصيحةً إلى الشباب والمتعاملين مع مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني بعدم تناقل، أو نشر المعلومات والأخبار، دون التأكد منها والتحري عنها ومعرفة مدى أثرها على الناس والمجتمع.
وطالب الشباب أن يشعروا بمسئولية ما يكتبونه؛ لأن الله تعالى يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} فيكون كلامهم مشروعًا ليس مثيرًا أو خارجًا، ولكن فيه الفكر والعمق والتربية والرقي، ولا يصل للإسفاف كما نرى عند الكثيرين الآن.
وأوضح أن إطلاق الشائعات والأخبار والمعلومات الكاذبة دون تَحَرٍّ، يضع الإنسان تحت طائلة العقوبة في الدنيا والأخرة، ففي الدنيا هناك العقوبات والتشريعات التي يضعها الحكام للجرائم الإلكترونية والتشهير ونشر الشائعات وغيرها، وكذلك في الآخرة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفًا في النار".
فيما أكد علام أن مسئولية الكلمة مشتركة، والأساس فيها يرجع إلى البيت، فبعض الناس يغرسون في أولادهم بطريقة غير مباشرة أخلاق التحايل والفهلوة وتغليف الكذب بالتجميل؛ لذا ينبغي على الوالدين أن يتحريا الصدق سلوكًا وقولًا أمام أولادهم.
وأضاف: "التربية بالأفعال والقدوة الحسنة هي الأساس، والقرآن الكريم يعتب على الذين يقولون ما لا يفعلون؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ".}.
وأشار إلى أن المدرسة عليها دور كبير في الجانب التربوي، من ناحية غرس خلق الصدق في نفوس الطلاب، والتحذير من الكذب ونقل الشائعات، فإذا رأى المعلم أن طالبًا يقوم بنقل الكلام والشائعات؛ فعليه أن يخبره بخطر ذلك في الدنيا والآخرة.
وأشار مفتي الجمهورية، إلى أن الشائعات كادت في الماضي أن تدمر البشرية، فعندما أمر الله سبحانه وتعالى أبا البشر سيدنا آدم عليه السلام ألا يأكل من الشجرة، أشاع الشيطان أن هذه هي شجرة الخلد.
وأضاف: "يقول تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20]، فأدت هذه الشائعة إلى الأكل من الشجرة وحدث ما حدث، وكذلك ما حدث في حادثة الإفك مع السيدة عائشة رضي الله عنها وهي منه براء.
وتابع: "يجب ألا نكون أبواقًا لكل ما نسمعه، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما سـمع" (رواه مسلم)، فعندما نسمع أو نقرأ شيئًا لا بد أن نتحرى عنه ونستوثق منه، وندرك مآلاته.
وأضاف أن الإنسان عليه أن يراقب نفسه وينظر هل كلماته وأفعاله تؤدي إلى الرقي والبناء والتعمير وتحسين السلوك؟ أم تهدم وتدمر وتفرق بين الأسر وأبناء الوطن الواحد؟ وأن يبحث كذلك في مآلات ما يقوله أو يكتبه.
وأكد أن مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني بشكل عام أصبح لها قيمة كبيرة في حياتنا، ومما ينبغي العناية به غرس مسئولية الكلمة في نفوس أبنائنا تجاه التعامل معها.
وأشار إلى أنه بتتبع مواقع التواصل الاجتماعي نرى أن كثيرًا من الناس قد جعلوها منصةً لنشر شائعات أو أخبار أو صور أو فيديوهات مثيرة وكاذبة، يتم مشاركتها بشكل كبير دون التأكد من صحة ما تحتويه، أو البحث في مآلات نشر مثل هذا الكلام وآثاره على السلم العام والأمن والاقتصاد وزعزعة فكر الناس ووعيهم.
وأشار إلى أنه في هذا الزمان تشتد مسئولية الكلمة؛ لأن التحديات تواجهنا من كل مكان ومن أطراف عدة، سواء عبر الكلام أو الكتابة أو على مواقع التواصل الاجتماعي، لافتًا إلى أن كل شخص مسئول عن كل ما يصدر منه.
وأضاف: "الإنسان المسلم مأمور شرعًا بأن يتحرى ما يتلفظ به وما ينطقه من كلام؛ لأنه مسجل عليه، كما قال الله تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ".
وأشار إلى أن هذا القول الشريف من الله سبحانه وتعالى يلقي على الإنسان مسئولية كبيرة بضرورة التحري التام والكامل لكل ما يتلفظ أو ينطق به، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه فقال: "كُفَّ عليك هذا!" فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يَكبُّ الناسَ في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم؟".