البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

«بيكاسو المصري» يتحدث

"بهجوري" في حواره لـ"البوابة نيوز": حزين لتفجير الكنائس.. ولا بد من ثورة على الفكر المتطرف.. والإرهاب في مصر مجرد مرحلة.. ولا يوجد لوحة فنية أو عمل فني يقضي على العنف

الفنان التشكيلي جورج
الفنان التشكيلي جورج بهجورى

أرسم بطريقة مميزة بالإبرة.. وأفضل القلم الحبر
مصر بأهلها وشوارعها وتاريخها الحافل مصدر الإلهام الرئيسي للوحات جورج بهجوري، ذلك الفنان التشكيلي ورسام الكاريكاتير المصري والعالمي أيضًا، الذي شهد ثورة عام 1952، كما شهد ثورة يناير عام 2011، وانعكست هموم الوطن على فنه، عمل فنانًا للكاريكاتير، في أهم الصحف المصرية منها: روزا اليوسف، الأهرام.. وتناول في رسوماته عمالقة السياسة والفن كجمال عبدالناصر وأم كلثوم.
لُقب بـ "بيكاسو مصر" نظرًا لحالات التقارب الفلسفي بينه وبين الفنان العالمي "بابلو بيكاسو"، الذي عاش في باريس مثلما عاش بهجوري أيضًا منذ فترة السبعينيات، صنفته الأمم المتحدة على أنه من أهم 20 فنان كاريكاتير على مستوى العالم.
له رسومات مُنعت في عصر مبارك، لكن تم الإفراج عنها عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، صدر له كتاب مؤخرا بعنوان: "أيقونة مصر"، تم توقيعه خلال معرض ضخم نظمه أحد الفنادق بالقاهرة، تم خلاله عرض مجموعة لوحات مما يتضمنها الكتاب. التقت "البوابة" مع بيكاسو الشرق وهو على مشارف عامه الــ 85 لتغوص أكثر في عالمه المفعم بالإبداع والتفاصيل والوطنية.. فإلى الحوار.. 
يقول "بهجوري" إن كتابه: "أيقونة مصرية"، ضم ٣٠٠ صفحة، كل صفحة تضمنت لوحة فنية، وثمنه ٣٠٠ جنيه، وبهذا لا أعتبر أن الورقة بجنيه، ولكن أعتبر كل ورقة فيه وكل عمل فني فيه ليس بجنيه ولكن بملايين.
ويضيف: فكرت فى عمل هذا الكتاب في ٢٠١٢ أي منذ ٥ سنوات تقريبًا، ويضم بعض الرسومات الفنية الغالية على قلبى، مثل: المكوجي والخباز وبياع العيش، والتي أذهلت كثيرا من الجمهور، وأوضح: فكرت فى الأيام الأخيرة أن أقيم معرضًا أعرض فيه بعض لوحاتى، ولكن فى الأساس أردت من خلاله تقديم كتابى "أيقونة مصرية"، للجمهور العزيز الذى وهبنى حبه، من خلال أعمالى، والذى أدين له بالفضل فى وصولى إلى هذه الدرجة من المكانة المرموقة التى أعتليها.
البداية في السادسة
تبقى فترتا الطفولة والصبا، هى أكثر الفترات تأثيرًا في الذاكرة الذهنية مخزن اللاوعي عند أي فنان؛ لذا يعترف "بهجوري" أنه في سن السادسة بدأ الرسم، ويقول: كنت أضيع وقتا كثيرًا في الرسم وأهتم بالدقة والتفاصيل، حتى رابعة ثانوي وخامسة ثانوي، والتحقت بكلية الفنون الجميلة، ولكن لم أفقه شيئًا بها غير الرسم لأننى أحبه، ولم أكن متفوقا بها، وأعطيت الرسم اهتمامًا أكبر، وأصبح عنصرًا مهمًا بحياتى وحياة الناس والتلاميذ أصدقائي، فأصبحت ظاهرًا في وسطهم بأنني رسام شاطر، بعدها عملت في "روز اليوسف" كفنان كاريكاتير ساخر.
مشاهد الطفولة
ويتابع: مشاهدي في الطفولة تعكس شقاوة وروحًا ساخرة وحزنًا دفينًا؛ توفيت أمي وأنا رضيع، وتركت في نفسي فراغًا هائلًا وحساسية وخجلًا ظلت متلازمة في شخصيتي لفترة طويلة؛ فأنا من مواليد بهجورة بنجع حمادي، لدي عشرة من الإخوة والأخوات، لم تكن حالتنا المادية ميسورة، وكان والدي يتطلع لأن أصبح طبيبًا، حينما بدأت الرسم كنت أشخبط على الحائط وأرسم على الزجاج وأسخر من جدي وجدتي وعماتي لأن أشكالهم مضحكة بالنسبة لي، ثم أرسم المدرسين والزملاء في المدرسة بالطباشير، ويعود الفضل لابن خالتي سمعان، الذي تعهدني برعايته، وشجعني أخي الأكبر جميل، وانتقدني فيما بعد لأنني أرسم وجوهًا حزينة في بداية مشواري.
الطاقة الفنية
ويتابع: الطاقة الفنية تتفجر من الوعي واللاوعي والرواسب النفسية، وحين تأكد للجميع حبى للرسم، صحبني أخي إلى منزل الفنان كمال أمين، الذى ألحقني بكلية الفنون الجميلة، التي تخرجت فيها، ولم تكن البداية سلسة ماديًا؛ حيث اضطررت للعمل في مكتبة لبيع الجرائد بفندق "المتروبوليتان"، بعدها أصبحت قادرًا على الاعتماد على موهبتي في تدبير نفقاتي.
قضايا سياسية واجتماعية
"بهجوري" تطرق لموضوعات عدة في لوحاته، عالج خلالها قضايا سياسية واجتماعية من خلال إبداء رأيه في شخصيات بارزة بالرسم، منها: عبدالناصر وأم كلثوم وعبدالفتاح السيسي، لكن هناك رابطًا أساسيًا جوهريًا بين تنوع هذه المعالجات، فما الذي يريد "بهجورى" طرحه خلال لوحاته.
يقول الفنان الكبير: أنا أطرح أولًا الحب، بمعناه الراقي، وليس الرخيص، بمعنى حب الرجل والمرأة، وإلى أي حد يتقابلان، وإلى أي مدى التشابه بينهما، لأنه يوجد تقارب بينهما، وهذا يحتاج وقتًا طويلًا لتحقيق مفهوم أعمق حول هذه العلاقة.
اللعب بالألوان
اتجه "بهجوري" إلى الألوان الفاتحة بعد عودته من "فرنسا"، برغم حبه للألوان الغامقة قبل رحلة السفر التي قرر أن ينفذها في السبعينيات ليكتشف العالم، ويفسر ذلك حيث إن الألوان الغامقة كانت كلاسيكية وتقليدية أكثر وقريبة من القديم، ولكن الفاتحة جديدة ومبهجة للمشاهد والجمهور، وهذا أعجب كثيرًا من جمهوره، "بهجوري" ذهب إلى باريس ليبحث ويكتشف ويدرس، فهو يعتبر أن الرسم موهبة، ولكن لا أستطيع تطويرها دون دراسة، فالدراسة عامل مهم جدًا لتطوير الموهبة لدى الفنان، وعن رحلة بحثه في الفن يقول: وصلت إلى مراحل متعددة، وعظيمة، يوجد بها حب الناس وتقييم الأشياء، وصلت إلى احترام الناس وأنا أرسم لهم صورهم بطريقة مميزة بالإبرة وقلم الحبر لجمهوري المحب.
كواليس «بهجوري»
الكثير يحبون أن يتعرفوا على كواليس صناعة "بهجوري" لأعماله الفنية، ما إذا كانت تسبقها مرحلة تخطيط مثلما يفعل البعض أم لا؟ وفي هذا الصدد يقول "بهجوري": هي حالة انفعالية بالنسبة لي، لأن التخطيط أمر سهل، تخطيط اللوحة للفنان كمقدمة أمر سهل والفنان يبرع فيها، ويشير إلى أن أهم ما يميز العمل الفني أصالته وحداثته، لأنه يجب أن يكون فنًا جديدًا وحديثًا، ويكون أيضًا متأثرًا بالماضي.
وتعلم "بهجوري" على يد أساتذة كبار، فيقول: أخذت من أساتذتى المزيد من الاستفادة، وتعلمت منهم الكثير، وهما: بيكار، حسين فوزى، الرسام العظيم عبدالهادى الجزار، وجمال السجيني من أعظم النحاتين الذين عاشوا في مصر، والذين أتقنوا وأبلغوا الرسالة؛ وقد حان الوقت لخلق مدرسة وقيم تشكيلية عربية أصيلة، نحن نستطيع عمل مدرسة عربية أصيلة مصرية، عن طريق الأسلوب الغربى الجميل، أو المصري الأجمل، بحيث يوجد به أشياء تسبب السعادة.
نصيحة الحسين فوزي
وتذكره بالفن المصري القديم؛ وبشأن أصدقائه وأساتذته يراجع ذاكرته فيقول: لا أنسى نصيحة الأستاذ الحسين فوزي، الذي ما أن شاهد رسوماتي فلم ينهرني وهو يرى الخطوط تحاور وتناور وتتمرد على كل الأساليب التقليدية، ودعاني إلى مزيد من التحرر الفني؛ وفى إحدى المرات قمت برسم أستاذي العزيز بيكار، وكان في سمته وصمته يشبه القديسين، يفيض دعة وسماحة، بل إنني رسمته وفي طرف أنفه كرة حمراء كما لو كان مهرجًا، فأخبره الزملاء وابتهج بالرسم وقبلني.
كانت الكلية عامرة بأسماء الأساتذة العظام، وعلى رأسهم: صلاح طاهر، وبيكار، وجمال السجيني، وعبدالهادي الجزار، وحسين عاصم، وعشرات الأسماء، لكنني تمردت على أسلوب الرسم المنهجي للموديل والطبيعة الصامتة، بالرغم من أنني أذكر بالخير عطيات وسعدية موديلي الكلية، لأن الطالب الذي يفشل في رسم الحصان والمرأة لا يعد فنانًا، لكنني من جهة أخرى كنت أتوق للهرب دائمًا إلى ضجيج الحياة في المقاهي والموالد، يقينا مني أن الفنان يرسم ما يعرفه ولا يرسم ما يراه؛ فالبصيرة قبل البصر، والعقل قبل العين، كما قال هربرت ريد، الناقد الشهير، وأصبحت شهيرًا وسط الزملاء الذين لا يتعدون العشرين من أشهرهم: يوسف فرنسيس، وآدم حنين، وشادي عبدالسلام، وبهجت عثمان، وهبة عنايت، ووحيد النقاش، ووقعت في غرام التكعيبية التي أظهر مفاتنها لنا أستاذنا بيكار، ولم أتخلص من هذا العشق إلا بعد مرور سنوات عدة، لكنني أصبحت راسخ اليد في تعرية الوجوه وتلخيصها والتعبير عن الحياة العامة بخطوط تحمل المبالغة، ويتابع: الفنان يحب الفن بطريقة قد يعطيها كل اهتمامه، وقد تؤثر في علاقاته ومعاملاته مع الناس، وتفوقه يكون نابعًا من عصره، وأيضًا نابعًا من المدرسة التي ينتمي إليها، لأن الفنان يتجه نحو اتجاه واحد، وهذا الاتجاه يحقق له ما يريد.
الفن قوة ناعمة
لجورج بهجوري وجهة نظر مختلفة بعض الشىء حول الفن كقوة ناعمة ودوره في القضاء على العنف ومواجهة الإرهاب والتطرف الذي يشكل خطرًا كبيرًا على المجتمعات العربية، وتشهد مصر منه أحداثًا جسيمة، وكان آخرها تفجير كنيستين واحدة بطنطا والأخرى بالإسكندرية، فيقول "بهجوري" إنه لا يوجد لوحة فنية أو عمل فني يقضي على العنف، وأن الذي تشهده مصر مجرد مرحلة لا يجب أن تطلق عليها لفظ فترة، معرباً عن استيائه مما حدث من تفجير لكنيسة مار جرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية، والذي أسفر عن عدد من الضحايا خلال احتفالهم بأحد الشعانين، مشيرا إلى أن ما حدث يتطلب ثورة عارمة على الفكر المتطرف في مصر، ولا يوجد حل سوى ذلك في مواجهة هؤلاء المتطرفين.