البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

هزيمة مجلس الأمن.. وعودة الدور الدولي للروس


فى عام ١٩١٧ فى مطلع القرن العشرين، شهد العالم أهم حدث فى ذلك القرن، بقيام ثورة أكتوبر الشيوعية فى الاتحاد السوفيتى، بقيادة لينين لتطيح بالقيصرية الروسية العريقة، ولتتبنى المبادئ الماركسية، وتتابع على حكم البلاد قادة أشداء: ستالين، ثم خروشوف، ثم برجنيف، ثم جورباتشوف الذى كان السبب الرئيسى فى انهيار الاتحاد السوفيتى وتفكيك جمهوريته، ولكن لم يمنع هذا الوضع من أن نقرر بأن الاتحاد السوفيتى استطاع أن يختزل كثيرًا من مراحل التطور التاريخى ويصبح قوة نووية عظمى.
وكان الحديث عن الاتحاد السوفيتى كقوة عظمى فى هذه المرحلة، هو حديث بالمقابل عن مصير النظام الدولى الذى ارتبط بنظرية القطبية الثنائية وتوازن القوى، وأيضًا ارتبط بمدى حرية الحركة والمناورة السياسية الدولية التى تمتعت بها بلدان العالم الثالث فى الحرب الباردة، والمواجهة السياسية والأيديولوجية بين معسكرى الشرق والغرب، ولعل الحاجة إلى تلك المساحة فى المناورة الدولية تطلبها بعض الدول الآن أملًا فى عودة مناخ دولى أقل ضغوطًا من الغرب ومن الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، وأكثر عدلًا وإنصافًا للحق والمساواة بين جميع الدول.
ورثت روسيا الاتحادية إرث الاتحاد السوفيتى، الذى كان يتكون من خمس عشرة جمهورية، باعتبار أن روسيا الاتحادية كانت وقت الاتحاد السوفيتى أكبر الجمهوريات السوفيتية من حيث عدد السكان. فكانت تمثل ٥٥٪ من إجمالى سكان الجمهوريات «١٧٥ مليونًا» وتتركز بها الترسانة النووية والجيش المرعب والتراث والحضارة والصناعات والعلم ومراكز البحوث وأيضًا كان الروس هم أكثر الناس قربًا لحمل الجينات القيصرية العريقة.واستمر قصر الحكم هو الكرملين. وبات الأمر واضحًا كل الوضوح أمام كل عين فاحصة مدققة لما يجرى على مسرح الأحداث فى النظام الدولى، أن النظام السوفيتى قد تحققت هزيمته، وأنه قد استسلم تمامًا للولايات المتحدة، وأن الرأسمالية تنخر فى جسده وتنتشر. وقبل هذا وبعده فإن جوهر الانهيار يكمن فى الوصول إلى الملف السرى للاتحاد السوفيتى، وما يتعلق به من الترسانة النووية من الصواريخ عابرة القارات والرؤوس النووية وعددها وأماكن إخفائها وتواجدها وأيضًا الشفرات الخاصة بوسائل إبطال الصواريخ الأمريكية الموجهة للاتحاد السوفيتى.
وكانت هذه هى المهمة الرئيسية للرئيس بوتين الذى كان قابعًا فى مبنى المخابرات السوفيتية على رأس هذا الجهاز الخطير والأقوى فى العالم، يتابع كل الأحداث التى تجرى على أرض روسيا الاتحادية، وكان بوتين يعلم أن هدف الولايات المتحدة هو نسف النظرية الماركسية والانتصار فى حرب الأيديولوجيات، وتشييع جنازة أكبر قوة عظمى فى العالم.
وانزوى بوتين يراقب تطورات الأحداث فى بلده حتى تم انتخابه رئيسًا لروسيا الاتحادية، وأخذ يعيد ترتيب البيت الروسى فى هدوء ويعيد ترميم وإعادة بناء ما هدمته الأحداث الدامية داخل روسيا. إلى أن عادت روسيا الاتحادية إلى مكانتها التى تستحق أن تكون عليها. كان كل ما يشغله باعتباره رجل مخابرات من طراز فريد، أن يعيد الدور الدولى لروسيا، لأنه يعلم أن التاريخ القديم والحديث، يظهر أن انكماش الدول الكبرى ينجم عن قصور طاقاتها وإمكاناتها عن مجاراة مطالب دورها الدولى، وعجز اقتصادها وإنتاجها عن تلبية حاجات آلاتها العسكرية وهيمنتها السياسية.
بعد أن وصل بوتين إلى رئاسة الدولة الروسية الاتحادية، استطاع أن يعيد قوة روسيا الاتحادية الاقتصادية والسياسية، وأعاد دورها الدولى وأصبح لها قرار مستقل قوى مؤثر، ونجحت روسيا فى الوصول إلى المياه الدافئة فى البحر المتوسط، وهى تساند سوريا اليوم فى حربها ضد الإرهاب، خصوصًا أن الجيش السورى وبمساعدة القوات الروسية قد حقق مؤخرًا انتصارات متتالية على الجماعات الإرهابية والمعارضة الخائنة العميلة المرتبطة بأجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية بالذات. وشعرت الولايات المتحدة بأن البساط يسحب من تحت قدميها. وأن الدور الروسى أصبح مؤثرًا ومرحبًا به من معظم الدول العربية والإسلامية، عندئذ قامت الولايات المتحدة بضرب سوريا بالصواريخ، وطبيعى أن تكون هذه الضربة الأمريكية موجهة ضد التواجد الروسى فى سوريا. لتختبر قوة رد الفعل الروسى. وكان الرد الروسى قويًا وحاسمًا، وتحركت الفرقاطة العملاقة وأربع قطع بحرية متطورة للغاية إلى شرق البحر المتوسط لتنضم إلى القطع البحرية الروسية الموجودة أصلًا فى هذه المنطقة.
وفى تطور خطير وسريع لما يجرى من أحداث فى المنطقة، وقيام بعض عناصر جماعة الإخوان الإرهابية التى تتلقى كل الدعم والمساندة المادية والعسكرية والمعنوية من الخارج، لتفجير كنيستين فى مصر ليسود جو من الحزن والأسى بين المصريين نتيجة هذا العمل الإرهابى، وقد تمكنت الشرطة المصرية العظيمة من التعرف على مرتكبى الأحداث فى خلال ٢٤ ساعة وبقية أعوانهم، والقبض على عدد من الإرهابيين.
إن ما حدث مؤخرًا فى اجتماع مجلس الأمن الأخير وقيام مندوب روسيا الدائم فى المجلس باتهام بريطانيا بأنها وراء أحداث الإرهاب فى مصر، إنما يدل على أن الروس تتوفر لديهم من المعلومات الدقيقة والموثقة بأن بريطانيا هى التى دبرت هذا العمل الإرهابى المجرم بالتخطيط والدعم والتوجيه والأهم باختيار التوقيت بما يعظم من آثار هذا العمل الإرهابى وتداعياته، وباعتبارى من المتخصصين فى قضايا الأمن القوى والتحليل السياسى، لا أستبعد أن يكون قد توفر لدى أجهزة الاستخبارات الروسية معلومات تفيد تورط بريطانيا فى عملية تفجير الطائرة الروسية على الأراضى المصرية. وستظهر الأيام كثيرًا من الأسرار والفضائح والمعلومات التى تدين بريطانيا وغيرها من الدول التى تقوم بمثل هذه الأعمال المجرمة.
فقد استمرت بريطانيا باعتبارها الدولة الاستعمارية الأولى فى العالم تعمل على زرع بؤر الفتن والصراع والفوضى مستخدمة شعار «فرّق تسد» بين الأقباط والمسلمين فى مصر، فبريطانيا هى التى أنشأت جماعة الإخوان الإرهابية فى مصر عام ١٩٢٨ واختارت حسن البنا أول مرشد لها، واستمرت هذه الجماعة الإرهابية منذ إنشائها وحتى اليوم تعمل على إسقاط الدولة المصرية، بل إسقاط دول المنطقة العربية. بنفس الأسلوب الإخوانى المتطرف.
وكانت الفكرة المحورية لبريطانيا هى تقسيم الدول العربية وإيقاظ النزعات العرقية والدينية والطائفية، وليست الولايات المتحدة. وأيضًا زرع الكيان الإسرائيلى فى فلسطين ١٩٤٧ ليكون شوكة فى ظهر الجسد العربى ويستمر ينشغل طوال حياته بقضية الصراع العربى الإسرائيلى، وفى نفس الوقت تحقيق أهداف بريطانيا والغرب فى تقسيم دول المنطقة العربية والهيمنة على سيادتها ومواردها وأموالها والأهم الخصائص الجيوبوليتيكية لهذه المنطقة من العالم.
وهكذا استمرت بريطانيا وبعض الدول العظمى فى دعم دولة إسرائيل عسكريًا واقتصاديًا وتكنولوجيًا ولوجستيًا وسياسيًا، وتغض البصر عما ترتكبه إسرائيل من جرائم ضد الشعب الفلسطينى، والتى تتعارض مع القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة. وأصبحنا نسمع أن الدول العظمى تسعى لتحقيق استراتيجية التوازن العسكرى فى المنطقة العربية المشتعلة لما يحقق السلم والأمن الدوليين. وهذا التوازن العسكرى فى المنطقة من وجهة النظر الغربية يتحدد على أساس تفوق القوى العسكرية الإسرائيلية على جميع القوى العسكرية العربية، بما يشير إلى تخطيطها لدور عسكرى أكبر بكثير من حجمها وأيضًا من خلال استراتيجية عسكرية تعتمد على الردع النووى، وهذه الاستراتيجية تستهدف استكمال التوسع الإقليمى فى المنطقة وفرض الشرعية عليه، والقضاء على الكيان الفلسطينى المنظم، ونشر الإرهاب والفوضى فى المنطقة العربية.
ويبدو أن جماعات الإرهاب فى المنطقة العربية، والتى ولدت بتشجيع ودعم من الرئيس الأمريكى أوباما وبريطانيا، قد أصبحت إحدي الأدوات المفيدة للولايات المتحدة للضغط على دول الشرق الأوسط. وتعتبر بريطانيا هى مقر إيواء الإرهاب الدولى يعيش على أرضها مئات الآلاف من قيادات وأعضاء الجماعات الإرهابية والمتعاطفين معهم، وهذا ما دفع مندوب روسيا إلى توجيه اتهام خطير على مسمع من العالم كله ومن داخل مجلس الأمن إلى مندوب بريطانيا بأن مملكته هى وراء الأحداث الأخيرة التى حدثت فى مصر قبل أعياد القيامة. 
وانتظر العالم من مجلس الأمن، أن يتخذ من الإجراءات والتحقيقات بالنسبة لهذه الواقعة الخطيرة والجرسة الدولية التى لم تحدث من قبل، ما يظهر الرأى العام العالمى حقيقة هذا الاتهام الخطير وأبعاده وكيف حدث والقرارات الدولية التى ستتخذ فى شأنه، لأنه ليس من المعقول أن تتهم دولة عظمى عضو دائم فى مجلس الأمن وأقصد روسيا دولة عظمى أخرى عضوًا دائمًا فى مجلس الأمن أيضًا وهى بريطانيا بأنها دولة إرهابية كانت وراء الأحداث المؤسفة التى حدثت فى مصر فى أعياد الإخوة المصريين الأقباط من خلال تفجير الكنيستين المصريتين، وراح ضحيتها عشرات من القتلى والجرحى، ويبقى السؤال: كيف سيحترم العالم هذا المجلس المسئول عن تحقيق العدل والأمن والسلام والقانون الدولى بين الدول، ويوجد بين أعضائه الخمسة دائمى العضوية دولة إرهابية وهى بريطانيا؟ الجواب أن هذا المجلس التابع للولايات المتحدة لن يتخذ أى قرار لأنه قد مات ولا عزاء للأحرار والمظلومين من الدول المتخلفة.