البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

دير سانت كاترين.. روضة تلاقي الأديان

دير سانت كاترين
دير سانت كاترين

دير سانت كاترين المسجل كأحد آثار العصر البيزنطى الخاص بطائفة الروم الأرثوذكس في عام 1993 والمسجل ضمن قائمة التراث العالمى "يونسكو" عام2002 يعتبر من أهم الأديرة على مستوى العالم والذى أخذ شهرته من موقعه الفريد فى البقعة الطاهرة التى تجسدت فيها روح التسامح والتلاقى بين الأديان.
وبنى الإمبراطور جستنيان الدير ليشمل الرهبان المقيمين بسيناء بمنطقة الجبل المقدس منذ القرن الرابع الميلادى عند البقعة المقدسة التى ناجى عندها نبى الله موسى ربه وتلقى فيها ألواح الشريعة.
وأكد الدكتور عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بوجه بحرى وسيناء أن الدير يحوى منشآت مختلفة منها الكنيسة الرئيسية "كنيسة التجلي" التي تحوي داخلها كنيسة العليقة الملتهبة وتسع كنائس جانبية صغيرة، مشيرًا إلى أن الدير يشمل 10 كنائس فرعية، قلالي للرهبان، وحجرة طعام، ومعصرة زيتون، ومنطقة خدمات، ومعرض جماجم والجامع الفاطمى ومكتبة تحوى ستة آلاف مخطوط منها 600 مخطوط باللغة العربية علاوة على المخطوطات اليونانية الأثيوبية، والقبطية، والأرمينية، والسوريانية وهي مخطوطات دينية، تاريخية جغرافية، فلسفية وأقدمها يعود للقرن الرابع الميلادي، كما تحوى المكتبة عدد من الفرمانات من الخلفاء المسلمين لتأمين أهل الكتاب.
"قصة إنشاء الدير "
وعن قصة إنشاء الدير قال "ريحان": "هناك وثيقتان بمكتبة دير سانت كاترين بهما قصة طريفة عن إعدام المكلف بإنشاء الدير نستخلص منهما أن رهبان الجبل المقدس كان لهم برج يلجئون إليه قبل بناء الدير ولقد ناشدوا الإمبراطور جستنيان أن يبنى لهم دير فكلف مبعوث خاص له سلطات كاملة وتعليمات مكتوبة ببناء دير في القلزم "السويس حاليًا" ودير "في راية" ودير "على جبل سيناء" ولقد بنى هذا المبعوث كنيسة القديس أثاناسيوس في القلزم والدير فى راية "دير الوادى بطور سيناء المكتشف بقرية الوادى بالطور".
وتابع: "عندما ذهب مبعوث جستنيان لجبل سيناء وجد أن شجرة العليقة فى مكان ضيق بين جبلين ووجد بجوارها برج وعيون ماء وكان يهدف إلى بناء دير على الجبل كما كلفه جستنيان ليترك الشجرة المقدسة والبرج كما هما، ولكن عدل عن ذلك لعدم وجود مياه أعلى الجبل وصعوبة توصيل مياه إليه، وبنى الدير قرب العليقة المقدسة وشمل داخله البرج وكان بذلك قرب مصادر المياه".
وعندما عاد مندوب جستنيان إليه وحكى له أين وكيف بنى الدير قال له جستنيان" "أنت مخطئ لماذا لم تبنى الدير أعلى الجبل؟ أنت بذلك وضعت الرهبان فى يد الأعداء"، وأجابه المندوب أنه بنى الدير قرب مصادر المياه لأنه لو بناه أعلى الجبل وتم حصار الرهبان سيموتون عطشًا وأنه بنى الدير قرب شجرة العليقة وبنى كنيسة صغيرة أعلى الجبل في المكان الذى تلقى فيه نبى الله موسى عليه السلام ألواح الشريعة.
ولكن جستنيان لم يعجبه رأى مبعوثه الذى بنى الدير فى وادى ضيق يشرف على الجبل من الناحية الشمالية فأمر بقطع رأسه وحاول إصلاح ضعف الدير من الناحية الدفاعية فأرسل مائتى شخص بعائلاتهم لسيناء من منطقة البحر الأسود ومن مصر للقيام بحماية الدير ورهبانه كحراس دائمين للدير وبنى لهم أماكن خاصة خارج الدير تقع شرق الدير.
وعندما جاء الإسلام دخل هؤلاء الحراس في الإسلام ومايزال أحفادهم بسيناء حتى اليوم من قبيلة الجبالية قائمين على خدمة الدير وهم أحفاد الجنود الرومان والمصريين الذين كانوا يقومون بحراسة الدير في القرن السادس الميلادى وعرفوا بالجبالية نسبة إلى جبل موسى.
"جبل موسى"
وأوضح "ريحان" أن الجبل المقدس بسيناء الذى تلقى عنده نبى الله موسى ألواح الشريعة أطلقت عليه أسماء عديدة منها: جبل موسى وجبل الطور وجبل الشريعة وتعددت الآراء في تحديد موقعه لدرجة أن البعض اعتقد أنه خارج سيناء وهذا بعيد تمامًا عن الواقع والنصوص الدينية وخط سير رحلة خروج بنى إسرائيل عبر سيناء. أما الآراء التي ذُكرت أنه بسيناء فانحصرت معظمها في جبلين جبل موسى الحالى وجبل سربال بوادى فيران الذى يبلغ ارتفاعه 2070م فوق مستوى سطح البحر، وسبب ذلك أن هذا الجبل كان مقدسًا قبل رحلة خروج بنى إسرائيل وكانوا يحجون إليه واسم سربال مأخوذ من سرب بعل وتعنى نخيل المعبود بعل إشارة إلى نخيل وادى فيران في سفحه أي ارتبط اسمه بالوثنية ومن خلال بحثى في قصة الخروج معتمدًا على التفسير التاريخى للنصوص المقدسة ومقارنتها بالأحداث التاريخية والشواهد الأثرية الباقية من خلال عملى الميداني قمت بتحقيق محطات هذه الرحلة وحددت موقع جبل موسى.
"الجبل والشجرة المقدسة"
وأشار "ريحان" إلى أن منطقة الجبل المقدس "منطقة سانت كاترين حاليًا" هي المحطة الرابعة فى رحلة خروج بنى إسرائيل من مصر عبر سيناء والتى تشمل جبل الشريعة وشجرة العليقة المقدسة التى ناجى عندها نبى الله موسى ربه وهى المنطقة الوحيدة بسيناء التى تحوى عدة جبال مرتفعة مثل جبل موسى 2242م وجبل كاترين 2642م فوق مستوى سطح البحر وغيرها ونظرًا لارتفاع هذه المنطقة فحين طلب بنو إسرائيل من نبى الله موسى طعام آخر بعد أن رزقهم الله بأفضل الطعام وهو المن وطعمه كالعسل والسلوى وهو شبيه بطائر السمان كان النص القرآنى "اهبطوا مصرًا فإن لكم ما سألتم" البقرة 61 والهبوط يعنى النزول من مكان مرتفع ونظرًا لارتفاع هذه المنطقة أيضًا فقد كانت شديدة البرودة لذلك ذهب نبى الله موسى طلبًا للنار ليستدفئ به أهله فى رحلته الأولى لسيناء "إني آنست نارًا لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون"، (القصص 29).
كما أن بهذه المنطقة شجرة من نبات العليق لم يوجد فى أى مكان آخر بسيناء وهو لا يزدهر ولا يعطى ثمار وفشلت محاولات إنباته فى أى مكان بالعالم مما يؤكد أنها الشجرة التى ناجى عندها نبى الله موسى ربه وهى شجرة العليقة المقدسة والجبل هو المعروف بجبل موسى حاليًا ويصعد إليه زوار المنطقة حاليًا.
ألواح الشريعة 
وتستمر الجولة العلمية الأثرية مع الدكتور ريحان الذى يوضح أن نبى الله موسى ترك شعبه لمدة أربعين يوماُ لتلقى ألواح الشريعة عابرًا أودية سيناء من منطقة الطور الحالية إلى منطقة الجبل المقدس وهو الطريق الطبيعى الذى تعرف عليه نبى الله موسى أثناء رحلته الأولى وحيدًا لحكمة إلهية حتى يسير فيه مع شعبه في رحلته الثانية ليتلقى ألواح الشريعة عند الجبل المقدس "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ"، (الأعراف 143)، وألواح الشريعة هى عشرة ألواح كتبها نبى الله موسى حينما أوحى إليه سبحانه وتعالى بالتوراة وتشتمل على قسمين قسم علمى وهو المقصود فى قوله تعالى "وكتبنا له فى الألواح من كل شيء موعظة"، وقسم عملى وهو المقصود فى قوله تعالى: "وتفصيلًا لكل شئ" (الأعراف 145) ووضعت الألواح فى صندوق من خشب السنط يطلق عليه تابوت العهد كان بنى إسرائيل يحملونه معهم أينما ذهبوا.
"الصعود لجبل الشريعة "
وتابع ريحان: "جبل الشريعة أو جبل موسى كما يطلق عليه حاليًا كان له مكانة عظيمة فى المسيحية حيث أنشأوا أشهر دير على مستوى العالم والذى أخذ شهرته من موقعه فى حضن هذا الجبل وهو دير طور سيناء الذى أنشأه الإمبراطور جستنيان في القرن السادس الميلادي وتحول اسمه إلى دير سانت كاترين فى القرن العاشر الميلادى للقصة الشهيرة للقديسة كاترين.
وفى العصر الإسلامي أنشأ الأمير أبو المنصور أنوشتكين مسجدًا داخل الدير ومسجدًا على قمة جبل الشريعة عام 500هـ 1106م فى عهد الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله حرص المسلمون على زيارته وزيارة جبل الشريعة أثناء رحلتهم للحج إلى مكة المكرمة وتركوا كتابات تذكارية عديدة بمحراب المسجد ويوجد طريقين حاليًا للصعود لجبل الشريعة طريق سيدنا موسى وهي مختصرة لها سلم من الحجر مكون من 3000 درجة تم ترميمها عام 1911م وطريق عباس باشا الذى مهد هذا الطريق ويبدأ من شرق الدير إلى رأس جبل المناجاة ويرى الصاعدون لهذا الجبل أجمل منظر لشروق الشمس لن يتكرر بهذا الجمال والجلال فى أى بقعة في العالم حيث تجد لسانك متحركًا تلقائيًا "سبحان الله".
"كنيسة التجلى "
وعن بناء الدير يؤكد الدكتور ريحان أن الإمبراطور جستنيان أعاد بناء كنيسة العليقة الملتهبة التى بنتها الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى وكانت قد تهدمت وأدخلها ضمن كنيسته الكبرى التى أنشأها فى القرن السادس الميلادى وأطلق عليها اسم كنيسة القيامة، وبعد العثور على رفات القديسة كاترين فى القرن التاسع الميلادى، أطلق على هذه الكنيسة اسم كنيسة التجلى وعلى الدير دير القديسة كاترين، وبنيت كنيسة التجلى بحجارة ضخمة من الجرانيت المنحوت، طول الكنيسة 40م وتشمل كنيسة العليقة المقدسة، وعرضها 19.20م وتشمل الكنائس الفرعية وهى كنيسة طراز بازيليكى تنقسم لصحن وجناحان ويغطى الجزء العلوى من نصف قبة شرقية الكنيسة فسيفساء تمتد إلى الجزء العلوى من الجدار الشرقى تصور تجلى السيد المسيح المخصصة له كنيسة التجلى، وتعتبر من أقدم وأجمل فسيفساء فى الشرق، مصنوعة من قطع صغيرة من الزجاج متعددة الألوان. 
"كنيسة العليقة الملتهبة "
ويكشف الدكتور ريحان عن كنيسة العليقة الملتهبة موضحًا أنه يوجد فى الجدار الجنوبى للحجرة الشمالية -من الحجرات على جانبى الشرقية– من كنيسة التجلى باب يؤدى لكنيسة العليقة الملتهبة التى تنخفض أرضيتها 70سم عن أرضية كنيسة التجلى، مساحتها 5م طولًا 3م عرضًا وتحوى مذبح دائرى صغير مقام على أعمدة رخامية فوق بلاطة رخامية تحدد الموقع الحقيقى لشجرة العليقة، ويقال أن جذورها لا تزال باقية فى هذا الموقع والآن توجد شجرة عليقة بالدير أصلها داخل الكنيسة وأغصانها خارجه ولا يدخل هذه الكنيسة أحد إلا ويخلع نعليه خارج بابها تأسيًا بنبى الله موسى عليه السلام عند اقترابه من العليقة.
"برج الناقوس "
بناه راهب من سيناء يسمى غريغوريوس عام 1817م ويشمل تسع أجراس معدنية مهداه من الكنيسة الروسية عام 1817م، وجرس خشبى قديم يستخدم يوميًا، أما الأجراس المعدنية فتستخدم فى الأعياد.
"آبار الدير"
يوجد عدة آبار داخل أسوار الدير منها بئر موسى شمال كنيسة التجلى وهى بئر قديمة مطوية بالحجر، قيل هى أقدم من الدير وأنها البئر التى سقى منها نبى الله موسى غنم بنات الرجل الصالح شعيب وبئر العليقة بجانب العليقة الملتهبة، وهى بئر عميقة مطوية بالحجر، قيل أيضا أنها أقدم من الدير، وبئر اسطفانوس جنوب غرب كنيسة التجلى وجنوب كنيسة اسطفانوس، وماؤها عذب فهى التى يشرب منها الرهبان، وفى تقاليدهم هى البئر التى حفرها اسطفانوس مهندس الدير وبجانبها شجرة سرو كما يوجد ثلاثة آبار وثلاثة عيون بالحديقة خارج أسوار الدير.
"مكتبة الدير"
وتستمر جولتنا العلمية مع الدكتور ريحان وهو انفراد خاص لـ"البوابة نيوز"، بكافة التفاصيل المعمارية بالدير ويشير إلى مكتبة الدير الشهيرة وهى وحدة معمارية داخل الدير، لها أهمية كبيرة لدى الرهبان من الناحية الروحية والعلمية حيث يقضون معظم أوقاتهم فى قراءة الكتب الدينية والكهنوتية، وتقع فى الدور الثالث من بناء قديم جنوب كنيسة التجلى وتحوى حوالى ستة آلاف مخطوط بالإضافة لألف كتاب حديث منها 2319 مخطوطا يونانيا و284 مخطوطا لاتينيا، 600 مخطوط عربى، 86 مخطوطا جورجيانيا، وهى مخطوطات دينية – تاريخية – جغرافية – فلسفية، وأقدم هذه المخطوطات يعود للقرن الرابع الميلادى.
"حديقة الدير "
يوجد بالدير حديقة متسعة لها سور، بها أشجار فاكهة مثل التين – العنب – الخوخ – المشمش – الكمثرى – البرتقال، وأشجار الزيتون واللوز وأشجار السرو والصفصاف بالإضافة إلى الخضروات والبقول والأزهار مثل الورد – القرنفل والريحان وبالحديقة ثلاث آبار وثلاثة ينابيع.
"معرض الجماجم "
يطلق على مقبرة الرهبان بالدير اسم الطافوس ويقع مدفن الرهبان ومعرض الجماجم فى وسط حديقة الدير ويدفن الرهبان موتاهم فى هذا المدفن ويتركون الجثث حتى تتحلل فينبشونها ويأخذون عظامها ويجعلونها فى معرض خاص قرب المدفن يطلق عليه كنيسة الموتى الذى يسمى الآن معرض الجماجم.