البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

أردوغان متعصّب جاهل


توقعنا يومًا، وكم كنا مخطئين، أن يقدم رجب طيب أردوغان نموذجًا للحكم فى تركيا يختلف عن معظم النماذج التى حكمت العالم العربى والإسلامى، أن يكون نموذجًا ديموقراطيًا يبعد تركيا عن احتمالات الحكم العسكرى، ويضعها على طريق الحداثة والاقتراب من العصر، بحيث تستطيع الإقامة على طرف القارة الأوروبية، وفى قلبها فى الوقت ذاته. كان يمكن أن تكون تركيا مثالًا عن إمكان التصالح بين الثقافات، ودرسًا للغرب عن قدرة حزب إسلامى على دخول نادى الديمقراطيات الأوروبية، ما يشكل ردًا على العنصريين فى أوروبا، القائلين بعجز الإسلام عن علاقة طبيعية كهذه.
لكن الحملات التى أطلقها أردوغان ضد القادة الأوروبيين، فى إطار سعيه للكسب الجماهيرى، واصفًا إياهم تارة بالنازيين والفاشيين، وأخرى بأنهم وقعوا ضحايا «الإسلاموفوبيا»، كشفت نهاية هذا الحلم، وأكدت عمق الفجوة بين ما يفعله أردوغان بتركيا، وما يجرّها إليه، وبين ما يفعله زعماء أوروبا ببلدانهم، والمستوى الذى يطمحون إلى أن تصل إليه.
ذلك أن أردوغان يشبه، بمستوى الخطاب الذى هبط إليه، أولئك الشعبويين من سياسيى أوروبا، الذين يستغلون الغرائز والمشاعر القومية والعصبيات الدينية، والتعصب ضد الآخرين، والذين يخفون نزعات معادية للديمقراطية، من شاكلة مارين لوبن وفيكتور أوربان وغرت فيلدرز ونايجل فاراج. هؤلاء هم الذين تسعى القوى الليبرالية الأوروبية، التى لا تزال حية ونشيطة، إلى هزيمتهم. وهو بالضبط ما حصل بنتيجة انتخابات هولندا، على الرغم من التحريض الذى مارسه أردوغان، والذى كان يمكن أن يصب فى خدمة فيلدرز زعيم حزب «الحرية» (الحزب الذى يستحق فعلًا صفة الفاشى، وليس رئيس الحكومة الهولندية مارك روتيه، أو مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل). يخوض أردوغان معركة الاستفتاء لنقل تركيا إلى نظام رئاسى يسمح له بتوسيع سلطاته وبالبقاء فى الحكم إلى عام ٢٠٢٩، على جبهتين: جبهة الداخل، من خلال الحملات على مناهضيه (الذين لم يودعهم بعد فى السجون)، والتى وصلت حد اتهامهم بخيانة تركيا. وجبهة أوروبا، حيث يسعى إلى استمالة أكثر من ٣ ملايين تركى يعيشون فى القارة، ويملكون حق التصويت فى الاستفتاء. ويجد أردوغان أن الطريقة الفضلى لينجح فى كسب أصوات هذه الجاليات هى من طريق خلق انقسام فى ولاء أبنائها، بين انتمائهم إلى الدول التى يقيمون فيها ويحملون جنسياتها، وبين ولائهم لتركيا، الذى يفهمه أردوغان ولاء شخصيًا له. والخطر فى حملة أردوغان هذه أنها تفتح الباب أمام النزعات الشوفينية الأوروبية ضد أبناء الجاليات التركية، التى يمكن أن تصل إلى حد المطالبة بانتزاع جنسياتهم وبإعادتهم إلى بلدانهم، بسبب اتهامهم بالولاء المزدوج، وهو ما طالب به فيلدرز خلال حملته الانتخابية فى هولندا، وما تدعو مارين لوبن إلى تطبيقه ضد كل من لا يحترم «القيم الفرنسية»، على حد وصفها. بكلام آخر، إنها وصفة لتعزيز صراع الهويات الذى لا يفيد سوى الانعزاليين والغوغائيين. لم يتوقف أردوغان عند هذا الحد فى اللعب على العصبيات الدينية وإثارة الغرائز. بلغ به الأمر حد اتهام الأوروبيين بإذكاء «حرب بين الهلال والصليب»، رغم علمه الأكيد بالموقع الهامشى الذى يحتله الدين فى الحياة السياسية الأوروبية، مع أن هناك سياسيين على شاكلته فى أوروبا، ما زالوا مستعدين للعب الورقة الدينية لتعزيز شعبيتهم. وأيضًا رغم أن حزبه نفسه (العدالة والتنمية) هو حزب ذو هوية وأصول إسلامية. آخر مرة سمعت فيها حديثًا عن «حرب الهلال والصليب» كانت عام ١٩٩٠ على لسان نجم الدين أربكان، الأب الروحى لأردوغان، والذى كان آنذاك زعيمًا لحزب «الرفاه»، خلال حديث أجريته معه فى أنقرة، قبل أن يصبح رئيسًا للحكومة ويكشف عن الوجه الحقيقى الذى اختار أن يقود تركيا إليه.
ولأن التعصب هو عادة رفيق الجهل، تجاهل الرئيس التركى أن ألمانيا التى يتهمها بالنازية، هى الدولة الأوروبية التى يمنع دستورها أى إشارة إلى النازية، ويحظر بيع أى منشورات أو مؤلفات يمكن أن تحيى تلك المرحلة السوداء من تاريخ ألمانيا. أما مدينة روتردام الهولندية التى اتهمها أردوغان بالتعصب ضد المسلمين، لأنها رفضت السماح لوزيرة تركية بتنظيم حملة انتخابية فيها، فهى المدينة التى يرأس بلديتها أحمد أبوطالب، المغربى الأصل، وهى أيضًا المدينة التى دمّرها النازيون فى الحرب العالمية الثانية.
نقلًا عن الحياة اللندنية