البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

ذاقت مرارة الاعتقال منذ نعومة أظافرها

المناضلة الفلسطينية خولة الأزرق في حوارها لـ"بوابة العرب": 57 أسيرة يتعرَّضن لانتهاكات جسيمة في سجون الاحتلال.. وحوَّلنا المعتقلات إلى أماكن لتخريج المناضلين الجدد

المناضلة الفلسطينية
المناضلة الفلسطينية خولة الأزرق في حوارها لـ"بوابة العرب"

الأسيرات علمننى القدرة على مواصلة النضال.. وبعضهن تركن بصمات مهمة فى حياتي
«خولة الأزرق».. مناضلة فلسطينية ذاقت مرارة السجن والاعتقال فى سجون العدو الصهيونى منذ نعومة أظافرها، وهى طفلة بعد فى الثالثة عشرة من عمرها، ثم وهى فى عمر المراهقة، وبعدها تكررت التجربة مرارًا، بل ورافقتها خلال مراحل عمرها حتى بعدما تزوجت وأصبحت أمًّا.
تلك التجارب المؤلمة، إضافة إلى حياتها التى قضت معظمها فى «مخيم عايدة» بـ«بيت لحم» تركت تأثيرًا فى تكوين شخصيتها، بل وفى اتجاهها لدعم النساء اللاتى تعرضن لتجارب عنف سياسى واجتماعى من خلال مركز الإرشاد النفسى والاجتماعى للمرأة الذى تترأسه.
«البوابة»، واحتفاءً باليوم العالمى للمرأة التقت «خولة الأزرق» وأجرت معها هذا الحوار الذى تطرَّق للعديد من القضايا السياسية والإنسانية.. وإلى نص الحوار.

■ بداية .. حدثينا عن تجربة اعتقالك المتكررة من قبل العدو الصهيوني.
- اعتقلت للمرة الأولى عام ١٩٧٨، وقتها كنت فى الثالثة عشرة من عمري، أدرس فى المرحلة الإعدادية، حيث اتهمت بقذف الحجارة على جنود الاحتلال، بعدها اعتقلت فى عمر السابعة عشرة، بتهمة إلقاء قنابل حارقة على أتوبيس للمستوطنين مع مجموعة من المناضلين الآخرين، وسجنت لمدة ٣ سنوات، ثم تكررت التجربة بعد ذلك مرارًا.
■ هل أثرت تجربة الاعتقال عليك؟
- بالتأكيد.. الاعتقال والسجن شيء ضد الطبيعة الإنسانية، لكن فى فلسطين نعتبره جزءًا من النضال الدائم ضد الاحتلال الصهيوني، لكى لا نعطى الاحتلال فرصة لهزيمتنا المعنوية والإنسانية، واستطعنا استثمار وجودنا فى السجون الإسرائيلية لصالح القضية الفلسطينية، وتعلمنا داخل السجن كيف نسعى لتحويل السجون من أماكن قمع وقتل إلى أماكن تخريج للمناضلين الجدد، بحيث يملكون الوعى والمعرفة والقوة لمواصلة النضال ضد الاحتلال، وأعتقد أن فترة الاعتقال الأولى وأنا طفلة كانت الأصعب، وفى الاعتقال الثانى خلال دراستى الجامعية بعمر الـ١٨ عامًا، الوضع اختلف، حيث تعلمت من تجارب الآخرين، وشاركت تجربتى مع المناضلات الأخريات، فكانت الآثار الاجتماعية والنفسية أقل أثرًا، وخلال فترة الاعتقال، والتى استمررت ٣ أعوام، كنت أقرأ لمدة لا تقل عن ١٠ ساعات يوميًا، مما أتاح لى ثقافة واسعة وتعمّقت فكريًا ومعرفيًا وثقافيًا بكل نواحى النضال الفلسطيني، وكانت السنوات الـ٣ بمثابة فترة تحول فى حياتى وفكري، وتعلمت كيف أوجه طاقتى بشكل منظم ضد الاحتلال.

■ وماذا عن الأسيرات الأخريات فى السجون الإسرائيلية؟
- تعلمت منهن الكثير خلال فترة وجودى بالسجن، وما زلت ارتبط بصداقات مع الكثير منهن، ومنهن تعلمت القدرة على مواصلة النضال، كما ترك بعضهن بصمات مهمة فى تفكيرى وسلوكى فى الحياة، مثل «تريزا سلي» التى حُكم عليها بالسجن مدى الحياة، وقضت منها ١٢ عامًا، وأخريات، منهن «حنان مسيح، نادية الخياط» والراحلة العظيمة ربيحة دياب، التى تركت بصمة مهمة فى تفكيرى وشخصيتي.
■ كيف مرت تجارب سجنك المتكررة على المقربين لديك؟
- الإحساس بالطبع صعب، خاصة أن الزيارات شهرية لمدة ٤٥ دقيقة فقط، كما أن القائمين على أمر السجون الإسرائيلية كانوا يحاولون دائمًا كسر إرادتنا، وبالطبع أهلى تألموا جدًا من وضعى بالأسر، وأحسست بذلك عندما أصبحت أمًا واعتقلت، وحينما تم اعتقال ابنى «خالد» فى وقت لاحق، وأعتقد أن العقاب الأكبر للأسرى هو الألم الذى يلحق بالأهل خارج السجون، فهم يدفعون أيضًا ثمن النضال، حيث تم هدم المنزل الذى كنا نسكن به، وبالتكاتف الاجتماعى للأهالى تم بناؤه مجددًا.
■ هل أحسست بالندم يومًا لسلوك طريق النضال؟
- نضال الأبناء ليس قرارًا، ولا استئذان للأبناء من آبائهم وأمهاتهم فى قضية النضال، لكن حينما اعتقل ابنى خالد لفترة بسيطة، شعرت بمدى معاناة أهلى، وكنت على حافة الجنون، فالأبناء نقطة الضعف لدى الأمهات.
■ ما التجربة التى مررت بها فى المعتقل، وتركت تأثيرًا عليك؟
كانت هناك أسيرة حامل، تدعى «سميحة» وأنجبت طفلتها خلال فترة الاعتقال، ثم أخذت منها الطفلة بعد مرور عامين، وقتها مرت سميحة بحالة نفسية سيئة، ولا أنسى حالات الإغماء والهسترية التى أصابتها فى ذلك الوقت.

■ كيف واصلتِ حياتك بعد الاعتقال؟
- اعتقلت فى السنة الأولى بالجامعة، وبعد خروجى من المعتقل استكملت دراساتى الجامعية فى جامعة بيت لحم، وحصلت على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية، ثم حصلت على درجة الماجستير فى الإعاقة، وتزوجت وأنجبت أيضًا.
■ كم يبلغ عدد الأسيرات والأطفال فى السجون الإسرائيلية؟
- ٥٧ أسيرة فى مختلف السجون الإسرائيلية، و٤٠٠ طفل تحت ١٨ سنة، والوضع مزرٍ، فإسرائيل لا تلتزم بأى معايير دولية مع الأسرى، واعتبار الفلسطينيين أسرى حرب يضعهم ضمن اتفاقية جنيف، ولكن هم يعانون الإهمال الطبى والتعذيب وإشكالات أخرى عديدة، وهناك نوع من الاعتقال الإدارى يتم فيه التجديد للفلسطينيين دون محاكمات.
■ كيف تقدم مؤسستك المساعدة للأسرى؟
- نهتم بتطوير المرأة على المستوى الاجتماعى، والتخفيف عنها، ودعمها نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، من خلال مركز الإرشاد النفسى والاجتماعى للمرأة، ويتم تقديم خدمات متخصصة للنساء اللاتى تعرضن لتجارب عنف، سواء المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلى أو بشكل اجتماعى.
■ كيف ترين وضع المرأة الفلسطينية حاليًا؟
- لدينا مبدعات فى مجالات مختلفة على مستوى العالم، والمرأة الفلسطينية الأكثر تعليمًا على مستوى العالم العربى، وتصل إلى ٦٠٪، وتكاد تكون نسبة الأمية بيننا معدومة، لكن، كحال المرأة العربية، لا تزال الفلسطينيات يعانين من التمييز فى المشاركة الاقتصادية والسياسية، وعلى الرغم من ذلك لهن دور مهم ومميز فى القضية الفلسطينية، وتشهد على ذلك أحداث الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧، حيث أبدعن فى استخدام الأساليب ضد الصهيونية.

■ كيف ترى الانقسام المستمر بين حماس وفتح.. رغم مساعى المصالحة المختلفة؟
- حماس تسعى لترسيخ فكرة إنشاء إمارة لها فى غزة، وهذا الانقسام خطير أضعف من قوة القضية الفلسطينية كقضية وطنية، خاصة أن حماس لا تريد أن تتجاوب مع المصالحة، ولا تريد التنازل عن أيديولوجيتها المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، فهم استولوا على غزة، ولا يريدون التضحية بها، وبالطبع لا يمكن الحديث عن دولة فلسطينية أو انتخابات تشريعية أو رئاسية أو تنمية بدون غزة، ولا بد من وضع حد لهذا الانقسام.
■ ما تقييمك لدور مصر فى القضية الفلسطينية؟
- مصر لها دور تاريخى وريادى معروف، ولا بد أن تبقى مصر آمنة ومستقرة وقوية، وتمارس الدور الريادى فى حماية الوطن العربى والمحاربة لأجل القضايا القومية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فمصر قلب الوطن العربى، وبدونها لا حل للقضية الفلسطينية.
■ كيف ترين تكريم جامعة الدول العربية لك فى اليوم العالمى للمرأة؟
- تجربتى تمثل إسهامًا بسيطًا أمام من دفع حياته ثمنًا للنضال، والتكريم شهادة أعتز بها، خاصة أننى أمثل المرأة الفلسطينية، وشعرت بالفخر بتكريمى، وسيظل نضالى واجبًا قوميًا وأخلاقيًا ووطنيًا.