البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

«البوابة» تحقق فى انهيارها وترصد معاناة أصحابها

"الأنتيكات والتحف" تجارة بـ10 مليارات دولار تنتظر انتعاش "السياحة"

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

تعد تجارة «الأنتيكات» ومستنسخات الآثار داخل «البازارات» فى مختلف الأسواق المصرية، وعلى رأسها «خان الخليلى»، أحد أهم مصادر قوة مصر الناعمة، لما لها من تأثير مباشر فى نشر الإبداع والفن المصرى، والترويج للحضارة المصرية بمختلف عصورها. ولم تتعرض هذه «المهنة» أو قل إن شئت «الصنعة» فقط للانحسار والانهيار جراء الأوضاع الاقتصادية المتردية، لكنها تتعرض أيضا لحصار أشد قسوة، جراء تراجع السياحة، ما تسبب فى تحول «البازارات» الشهيرة المتخصصة فى بيع القطع الأثرية المستنسخة، إلى معارض لبيع بدل الرقص المطرزة، والمشغولات الزجاجية البدائية، والمنتجات الصينية. وقبل الغوص فى تفاصيل أزمة هذا القطاع الاقتصادى الحيوى والمهم، علينا أن نعرف فى البداية حجم الأموال التى يدرها هذا القطاع وعائداته على الاقتصاد المصرى بصفة عامة، والعاملين به بصفة خاصة. ورغم عدم وجود بيانات رسمية فى السنوات الأربع الأخيرة، التى تعرضت فيها السياحة لكبوة معلومة للكافة، إلا أن التقرير الرسمى الصادر من غرفة «العاديات» باتحاد الغرف والمنشآت السياحية، يكشف أن تجارة النماذج والمستنسخات تجاوزت قيمتها 10 مليارات دولار قبل 2011. ويمثل هذا الرقم مصدرا مهما من العملات الأجنبية، خاصة أن لدينا الكثير من الآثار التى يمكن استنساخها، ويمكن أن تدر على الدولة والمصنعين أموالا طائلة، فالسائح الأجنبى تبهره الآثار والثقافة القديمة، ويتأثر بها أكثر من تأثره بالظروف السياسية وتعقيداتها على المستوى الدولى.. تفتح «البوابة» فى السطور التالية هذا الملف الخطير، لتتعرف على أهم مشكلات العاملين فى القطاع، وما يمكن أداؤه من خطوات لحلها، وإعادة المهنة إلى ما كانت عليه قبل 2011. 

الأفواج قليلة.. والوفود الموجودة «بتفاصل»
أصحاب بازارات «خان الخليلى»: راح زمن السياحة الجميل
«حسام»: «السوق نايم.. وبنشتغل يوم وعشرة لأ».. وأسعار الخامات ارتفعت للضعف
التجار غيروا النشاط لبيع «بدل الرقص».. وغضب من غياب رقابة الوزارة على «الموردين» 
تسبب الركود الذى يضرب السياحة منذ فترة كبيرة، والانخفاض الملحوظ فى أعداد السائحين من مختلف الدول، فى زيادة معاناة المدن التى تنتشر فيها «البازارات» والمحال التجارية مثل «خان الخليلي» وتلك المتواجدة فى الأقصر والغردقة وأسوان، والتى لا يفوت زيارتها أى سائح فى أوقات السنة المختلفة، وتعد من المناطق الأكثر رواجا لتجارة «العاديات» وهى المسمى الذى يطلق على «التحف والأنتيكات وأوراق البردى والتماثيل».
وتأتى «خان الخليلي» فى مقدمة تلك المناطق، وتعد إحدى أشهر أسواق «العاديات»، وتحظى بسمعة عالمية، باعتبارها حيا عتيقا يختلط فيه الفن بالتاريخ والروحانيات، فهو ملاصق لمقام «الحسين» وقريب من الجامع الأزهر، ويمثل جزءا لا يتجزأ من منطقة مصر القديمة، بما تحويه من آثار تعود لعصور حكم الفاطميين والمماليك.
والتقت «البوابة» عددًا من أصحاب «البازارات» فى تلك المنطقة، والذين شكوا معاناتهم من انخفاض الحركة السياحية بشكل واضح، الفترة الأخيرة، مشيرين إلى أن السائحين يعزفون عن الشراء، أو يلجئون إلى «الفصال» عند شراء التحف أو الهدايا التذكارية، وهو ما زاد من الضغوط الملقاة على عاتقهم.
وقال حسام موسى، صاحب بازار بمنطقة «خان الخليلي»: «الأسعار اترفعت بسبب الدولار، السوق والسياح مبقوش زى الأول، والسوق نايم، ويوم فيه رزق و١٠ مفيش»، لافتًا إلى أن «خان الخليلى بها جميع البازارات والأسواق، وكله شغال على الله».
وأوضح أن الموسم يبدأ قبل إجازة نصف العام بحوالى أسبوع، ويكون أيضًا فى إجازة الصيف، حين يكثر السياح العرب، مضيفًا: «بالطبع السياحة منذ سنوات كانت أفضل، وكان الزبون يشترى التذكار أو الهدية بنفس السعر، أما الآن فيفاصل، سواء كان عربيا أو أجنبيا».
وتساءل «موسى» عن دور وزارة السياحة، وبالتحديد غرفة «العاديات»، قائلا: «هل للغرفة دور إيجابى على أرض الواقع؟ أين الرقابة على التاجر أو المورد؟»، لافتًا إلى أن أسعار الخامات ارتفعت للضعف، وعلى رأسها النحاس، مضيفًا: «موجة الغلاء أثرت بشكل كبير على الصناعات اليدوية، وقل الإقبال عن الماضي».
وأشار إلى أن السائح العربى يقبل على شراء برديات القرآن وعلب المصاحف والصدف، أما السائح الأجنبى فيقبل على شراء التماثيل الفرعونية بأحجامها المختلفة، والبرديات الفرعونية.
وأضاف: «بدل الرقص الفلكلورية ذات الألوان الزاهية والبراقة أصبحت من أساسيات جهاز العروسة المصرية، نظرا لجمالها وسعرها المقبول نسبيا، وانتقل الأمر من عرب الخليج إلى مصر فى السنوات القليلة الماضية».
ورأى حسونة فتحي، صاحب محل فضيات فى «خان الخليلي»، أن حركة السياحة حاليًا تمثل فقط ٤٠٪ من قوتها، ولن تعود كما كانت فى الماضى قبل ٣ سنوات على أقل تقدير، وقال: «الحمد لله بتمشى شوية، لوجود الأمن وتوفر العوامل الأخرى، لكن فى فترات بتتأثر، وذلك عند وقوع أى أحداث».
وأضاف «فتحي»: «هناك سياح يصرون على النزول إلى مصر وزيارتها، لأنهم يعشقونها»، موضحًا أن أكثر الجنسيات المتواجدة فى «خان الخليلي» حاليًا من بلاد شرق آسيا كالصين وماليزيا وتايوان، ونسب بسيطة من ألمانيا وإيطاليا وأمريكا.
وتابع: «موجة الغلاء لها تأثير فقط على السائح العربي، أما الأجنبى فلا يمكنه أن يفرق كثيرا، نظرا لارتفاع قيمة عملته، ولأنه لا يأتى إلى مصر كثيرا»، مشيرًا إلى أن جميع «الفضيات» بأشكالها المختلفة طالها الغلاء، نظرًا لارتفاع خاماتها المستوردة، خاصة أن إنتاج مصر ضعيف ولا يكفي».
واستكمل: «السياحة تساوى استقرارا، وكلما زاد الاستقرار والإعمار والازدهار زادت السياحة تلقائيا»، داعيًا وزير السياحة، لأن يبذل جهودا أكبر، وأن يكثف الإعلانات السياحية لمصر فى جميع دول العالم.
وأشار إلى بعض «الأفعال السخيفة» التى تنفر السائح، سواء العربى أو الأجنبي، من زيارة مصر مرة أخرى كالتحرش بالقول أو الفعل، وقال: «المتحرش يعتقد أن السائح لا يهتم بذلك ولا يأبه للأمر، لكن العديد من السائحين أكدوا ضرورة تكثيف حمايتهم من هذا التصرف، لما له من أضرار نفسية عليهم»، داعيًا مجلس النواب والسلطات لتغليظ عقوبة تلك الجريمة.
أما منى السجيني، مالكة محل نحاسيات منذ ٢٢ عامًا فى شارع «المعز» بمنطقة «خان الخليلي» فقالت: «لا يوجد سياحة حقيقية الآن، إلا قلة قليلة من الأفواج الصينية واليابانية، ولا يشترون أى تذكارات، ويكتفون بمشاهدة البلد وآثاره فقط».
وأضافت: «إحنا بنموت بالبطيء»، لافتة إلى أن كيلو النحاس الخردة أصبح بـ١٥٠ جنيها، وهو رقم كبير للغاية، وأشارت إلى أن هناك بعض الباعة معدومى الضمير «يضربون» النحاس ويغشون السائح، ما يؤثر على سمعة المكان». 
وتابعت: «لماذا يكون هناك مورد واحد فقط يحتكر خامات النحاس ونكون تحت رحمته طوال الوقت»؟
وكشفت أن جميع العاملين لديها تركوها لقلة الشغل وضعف الراتب، فى ظل ارتفاع الأسعار، ودخلوا فى مجالات أخرى كقيادة «التوك توك» والتاكسي، وأضافت: «كل الشغل بعمله على أيدى أو بعمالة أطفال بسن ١٣ سنة».
واشتكت من تعسف وزارة السياحة بشأن قيود وقوانين المعارض المقامة، وقالت: «من يود المشاركة فيها يدفع ألوفا مؤلفة مقدما، ولا توجد أى تسهيلات»، وتساءلت: «هل هناك خطة ممنهجة للقضاء على الصناعات اليدوية فى خان الخليلي؟».
وأضاف محمد شهاب، عامل فى إحدى ورش النحاس: «اليومية أو الوردية ٢٠٠ جنيه، والصنايعى بيمشى زعلان، نظرا لارتفاع الأسعار، ومش كل يوم بيشتغلوا.. يوم أه وعشرة لا»، لافتًا إلى أن «الالتزامات المختلفة كالكهرباء والمياه والأقساط تجعل من الاستحالة تحقيق أى ربح».
وأكد محمد مدحت، صاحب محل تحف و«أنتيكات»، أن الأفواج الصينية هى المتواجدة مع بداية العام الصينى الجديد واحتفالاته، مؤكدًا أن معظم زملائه تركوا المهنة مؤخرا، وباعوا محالهم، وذهبوا للخليج، وبالتحديد الإمارات، وفتحوا مشاريع جديدة للأجهزة المحمولة أو صاغة ومجوهرات، مضيفًا: «إحنا قاعدين منتظرين الفرج، لكن كل يوم واحد بيقفل الشغلانة، ومش بنشوفه تاني».
وإلى جانب «خان الخليلي» هناك التى تتعطش لسريان السياحة مرة أخرى، توجد مناطق عديدة ومقاصد سياحية فى انتظار نفس التدفق، ومنها أسوان والأقصر وأهرامات الجيزة، وتوجهنا لأحد «البازارات» بمنطقة «الهرم».
وقال أحمد المندى، أحد أصحاب «البازارات» بالهرم: «هناك سياحة، لا أحد باستطاعته أن ينفى ذلك، لكن مع ارتفاع الأسعار والغلاء، أصبحت الحركة الشرائية للسلع تحتاج جهدا أكبر»، مضيفًا: «الحركة السياحية موجودة، لكن ليست بغزارة». وتابع: «إحنا زمان مكناش عارفين نلاحق عالشغل من كتره، أما الآن الحركة محدودة، إلا فى بعض المواسم كموسم السنة الصينية عند الصينيين».
فيما أكد محب الشحات أن هناك بعض المرشدين السياحيين يستغلون الأزمة استغلالًا سيئًا، ويساومون محال «البازارات» والتحف على مبلغ مالى يتم الاتفاق عليه، سواء بالزيارة أو بالشهر، فى مقابل قدوم أفواج سياحية، واحتكارها لمن يدفع ويتفق على المساومة.

بسبب الكساد وتراجع أعداد السياح 
بازارات الأقصر تبيع «الياميش والمكسرات»
لم يقتصر الكساد الذى ضرب سوق «العاديات»، وأدى إلى تضرر الآلاف من أصحاب «البازارات» والعاملين بها، وقلة البيع أو تغيير النشاط، على منطقتى «خان الخليلى» و«الهرم» فحسب، بل امتد إلى أشهر مدينة سياحية فى العالم، وهى «الأقصر».
وتسبب ذلك فى أضرار مباشرة لأصحاب «البازارات» والعاملين بها، والذين تبلغ أعدادهم وفق التقديرات غير الرسمية، ما يقرب من ٣ آلاف شخص، وذلك بسبب تراكم الديون، جراء العجز عن الوفاء بسداد الإيجارات المتراكمة عليهم منذ ٥ سنوات كاملة، فضلًا عن ارتفاع قيمة فواتير المياه والكهرباء. ونتج عن ذلك كله إغلاق غالبية «البازارات»، وتحويل نشاط بعضها إلى محال لبيع العطارة والتوابل وكل أنواع «الياميش» والمكسرات، بعد أن كان «البازار» سمة أساسية للأقصر، ومقصدًا أساسيًا للسائحين بعد زيارة المعالم الأثرية، ومساهمته فى تلبية مختلف الأذواق لكل الجنسيات. واقع الحال فى المدينة، لا يخفى حجم المأساة التى تتعرض لها تجارة «العاديات»، وتداعيات هذا الأمر على أصحاب «البازارات»، الذين وصلوا إلى حالة غير مسبوقة من تدنى الأوضاع، على خلفية انحسار السياحة، فالمدينة التى كانت قبلة يقصدها ٣٠ ألف سائح يوميًا، لم تعد كما كانت. ومن هجرة السياح إلى أساليب القرصنة، فقدت الأقصر بريقها، خاصة فى ظل أن الشركات السياحية تمارس أساليب تسمى بين العاملين فى تجارة «العاديات» بـ«شراء السائح»، بمعنى أنها تجلب السائح من موطنه بأسعار مخفضة للغاية، وتتحصل على أرباحها بتوجيه السائح لشراء الهدايا من «بازارات» معينة، مقابل عمولة لا يقدر على دفعها أغلب أصحاب «البازارات»، بالإضافة لقيام الشركات السياحية بشراء مراكب نيلية وعربات حنطور، تجعل السائح لا يمكنه التعامل المباشر مع «البازارات» فى الشارع.
وتكمن أهمية «بازارات» الأقصر، ليس فقط كتجارة رائجة، إنما فى عمليات التصنيع والنحت باعتبارها مهنة، فكثيرون من أبناء المدينة ورثوها عن آبائهم وأجدادهم الذين تخصصوا فى أعمال النحت وتقليد تماثيل أشهر ملوك مصر «توت عنخ آمون» و«نفرتارى»، وهى المستنسخات التى يتم عرضها للسياح، بالإضافة إلى عرض الهدايا التذكارية «العاديات» كلوحات الحجر الجيرى التى يمكن نقش اسم السائح عليها، وكذا المسلة والجعران، والقطع الأخرى التى يشتهر بها فنانو «البر الغربى» بالفطرة، بالإضافة إلى خامات الحجر الجيرى والرمل والكوارتز والجرانيت.

طمى التصنيع «مستورد»
عملية التصنيع لا تتم بصورة عشوائية، على طريقة ما يجرى فى الورش المنتشرة فى محيط المناطق الأثرية، مثل الهرم والأقصر وأسوان وغيرها، لكنها تجرى وفق أساليب علمية، بداية من انتقاء الخامات واختيار أجودها، وانتهاءً باختيار الأحجام المناسبة لكل تمثال.
ومن تلك الشروط أن تكون الخامات مماثلة لخامات التمثال أو الأثر المراد استنساخه وتقليده، فتمثال توت عنخ آمون، وهو من أكثر المستنسخات رواجًا فى الأسواق والبازارات، تتم صناعته من النحاس، ويتم طلاؤه بالذهب ويطعّم بخامات أخرى، مثل الفيروز واللابس والعقيق، واللابس هو نوع من الأحجار لا يوجد إلا فى جبال أفغانستان، حيث كان الفراعنة يجلبونه من تلك البلاد فى الأزمنة السحيقة. وتستخدم هذه الخامات لتقديم منتج بجودة مقاربة لجودة التمثال الأصلي.
أما المستنسخات الأخرى، فتتم صناعاتها من الطمي، الذى يتم استيراده من إيطاليا، لأن الطمى الموجود فى أسوان أصبح لا يصلح لإنتاج أعمال مقاربة لجودة الأعمال الأصلية، فالطمى الذى صنع منه القدماء أوعيتهم وصناعاتهم، كان أفضل عندما كان طمى النيل يتجدد مع كل فيضان.

بعد انتشار التماثيل المقلدة
«ورش الحكومة» تتحدى «الفهلوية»
رغم دخول «الفهلوية» عالم تصنيع التماثيل والقطع التاريخية المقلدة، فإن قليلين هم الذين يعلمون أن صناعة التماثيل التى يتم عرضها على السياح أو هواة المقتنيات، تخضع لمعايير علمية، سواء فى اختيار خامات التصنيع، أو إسناد هذه المهام إلى خبراء وعمال وفنيين مهرة.
لذلك لم يكن غريبًا أن تتخذ وزارة الآثار كل التدابير لحماية هذا النوع من الصناعات الفنية المهمة بصورة عملية، بعد أن انتشرت ورش التقليد العشوائية، ولاقت منتجاتها رواجًا لدى الباعة، ولهذا الغرض أنشئت وحدة متخصصة لإنتاج النماذج والمستنسخات تتبع الوزارة، نظرًا لأهميتها فى توفير العملات الأجنبية من ناحية، وحماية التراث من ناحية أخرى.‏
الوحدة تضم ٧ أقسام رئيسية، هى الرسم والتلوين والخزف والتغليف والتشطيب والصب والمشغولات الخشبية والمشغولات المعدنية والتطعيم، والتى تعمل فى إطار علمي، وتخضع لإشراف علماء الآثار. وتمر المنتجات على أكثر من قسم، حسب نوعها وتصميمها وخامتها أيضًا، كما أن العمل بهذه الأقسام يحتاج لمهارة فنية عالية من حيث اختيار العمالة الفنية الجيدة.
المثير للدهشة أن الأوضاع الاقتصادية وانحسار السياحة يهددان بقاء هذه الوحدة، إلى جانب عوامل أخرى، فالوحدة بدأت منذ إنشائها أثناء تولى الدكتور زاهى حواس وزارة الآثار بـ٧٠ عاملًا، أصبح عددهم الآن ٤٠ فقط، بسبب الخروج على المعاش والوفاة، بينما فضل بعض العمال العمل الحر خارج الوحدة، لأنه يدر دخلًا أكثر، فضلًا عن أن الوحدة لا تستطيع ضم عمالة جديدة بسبب وقف التعيينات فى الوزارة.

وزير السياحة عاجز عن إدارة الأزمة
«غرفة العاديات»: 50% من المحال «أغلقت» أو «غيَّرت النشاط»
19 ألف «محل أنتيكات» فى مصر.. 2000 منها فقط يعمل بـ«ترخيص رسمي»  حل اتحاد الغرف السياحية أثر سلباً على القطاع.. «حسين»: نواجه حربًا.. ودول أجنبية حذرت رعاياها من زيارة مصر

كشف مسئولون بغرفة السلع والعاديات السياحية، أن ما يقرب من ٥٠٪ من البازارات ومحال الأنتيكات أغلقت أبوابها، أو غير أصحابها النشاط إلى مجالات أخرى، بسبب حالة الركود التى تضرب القطاع السياحى مؤخرًا. 
وقال على غنيم، رئيس مجلس إدارة غرفة «السلع والعاديات السياحية» السابق، إن الأزمة التى تجتاح السياحة فى مصر خلال الفترة الأخيرة دفعت أصحاب «البازارات» إلى عدم الاشتراك فى الغرفة، ما ساهم فى إضعافها ماليًا، وضعف دورها، مضيفًا «فى حالة دفع جميع الأعضاء اشتراكاتهم فى الغرفة ستعود قوية، لأن قوتها اقتصادية بالأساس».
وأوضح أن حكم حل اتحاد الغرف السياحية، بما فيها غرفة «العاديات» أثر بشكل كبير على القطاع، لافتًا إلى أن الغرفة قبل الحكم كانت تقدم تسهيلات جيدة للأعضاء، ما ساهم فى استعادة نشاطها مرة أخرى، ومن بينها تقديم تأمين صحى وتخفيضات للطيران، إلى جانب الدفاع القانونى عن «البازارات».
وأضاف: «لم يكن هذا هو الوقت المناسب ولا القانونى على الإطلاق لحل غرفة العاديات»، مشيرًا إلى أن الوزير من حقه حل الغرف بقرار من المحكمة أو بوجود مخالفة مالية، وجميع الغرف عدا غرفة الشركات لم يصدر ضدها حكم أو تواجه مخالفات مالية، وبالتالى فإن قرار الحل غير قانوني، وكان من الواجب على الوزير أن يحل غرفة الشركات السياحية فقط، وإعادة الانتخابات.
وكشف أن عدد «البازارات» مجتمعة حوالى ١٩ ألف محل، تحول بعضها إلى «دكاكين» أو مجالات أخرى بعيدة عن السياحة بنسبة ٥٠٪، والعمالة التى شردت من تلك «البازارات» كانت مدربة وتعرف كيف تستقبل السائح، وتتعامل معه وترضيه، مضيفًا: «الوزارة ما زالت عاجزة عن إدارة الأزمة إدارة حقيقية.. إحنا فى أزمة طاحنة، ولا بد من تكاتف القطاع الخاص مرة أخرى، ووضع خطة تنفيذية عاجلة».
وبحسب بيانات الغرفة، فإن هناك ما يقارب ٢٠٠٠ من الحاصلين على تراخيص سياحية قانونية، وهناك الآلاف من غير الحاصلين على تلك التراخيص بشكل رسمي، بما يفوق نحو ٢٠ ألفا.
وأكدت الغرفة أن هناك العديد من المحال و«البازارات» تغلق أو تغير نشاطها أو تلغى تراخيصها السياحية القانونية بمحض إرادتها، نظرا لانخفاض الحركة السياحية فى الفترة الأخيرة، مشيرة إلى وجود حوالى ١٠٠ محل وبازار بالفعل أغلقت مؤخرا بمعدل من ٣ إلى ٤ محلات كل شهر، فضلا عن محل أنهى نشاطه وأغلق أبوابه بالمتحف المصرى نفسه، لقلة السياحة والحركة السياحية، لافتة إلى أنه إذا ما تم ترخيص كافة المحال و«البازارات» غير المرخصة، لأدخلت الملايين سنويا لخزانة الدولة.
وأكدت الغرفة أن هناك تعاونا مشترك بينها وبين وزارة الآثار للعمل على زيادة الحركة السياحية واستعادتها كما كانت عن طريق إقرار تخفيضات لطلاب الآثار المصرية الأجانب التابعين لمعهد الآثار الأجنبية بمصر لمدة ٣ شهور بتخفيض قدرة ٥٠ بالمائة على سعر التصاريح السنوية، بالإضافة إلى مد فترة التخفيض على التصاريح السنوية، وبالتحديد تصريح Luxor pass ، وتحديد أسعار تصوير القطع الأثرية.
وكشف محمد حسين، رئيس لجنة تسيير أعمال مجلس إدارة غرفة محال العاديات والسلع السياحية، أن الـ٢٠٠٠ بازار ومحل الحاصلة على تراخيص طبقا لقاعدة البيانات، غير منتظمة فى سداد الاشتراكات ورسوم العضوية، مع انخفاض معدل حركة السياحة منذ عام ٢٠١١، ما دفع الغرفة إلى إرسال إخطارات على يد محضر للأعضاء، تطالبهم بالسداد الفورى مثلما يقومون بتسديد الكهرباء والمياه والتأمينات، وهو ما يساوى ٥٠٠ جنيه فقط فى العام الواحد، بالإضافة إلى اشتراك سنوى للعضوية يساوى ١٦٠ جنيها فقط.
وأضاف «حسين»: «ما تمر به السياحة المصرية هو حرب وضغوط دولية شعواء علينا، وهناك دول أجنبية تقوم بتحذير رعاياها من الذهاب إلى مصر بشكل رسمي، ودول أجنبية أخرى ترفع إيديها عن حماية رعاياها فى حالة ذهابهم إلى مصر»، مؤكدا أن كل هذا بالتأكيد يستهدف إسقاط مصر من على الخريطة السياحية، من حيث إقبال السائح سواء أجنبى أو عربى عليها، وتابع: «كل القيادات بداية من الوزير نفسه يقومون بكل جهد ممكن لاستعادة الحركة مرة أخرى».
وأشار إلى أنه خصص جائزة فى المجلس المنحل، عندما كان أمين صندوق فيه، وهى تأشيرة الحج لأفضل محل أو بازار يقوم بالتعامل الجيد مع السائح على أكمل وجه، بالإضافة إلى عمل تأمين صحى لأعضاء الغرفة، لكن لا يوجد سيولة مالية للدفع، وقال إن جميع أعضاء الغرفة يطالبون بخدمات جيدة، لكن الإمكانيات المالية للغرفة تحول دون ذلك.
وعن حل الغرفة مؤخرا أوضح أنه كان هناك خطأ إدارى وليس خطأ مالى فى مسألة انتخابات إحدى الغرف، وهى غرفة الشركات، وكان ينبغى أن تحل هذه الغرفة، ويقوم الوزير بتعيين لجنة مشكلة لانتهاء فترة الانتخابات، لكن ما حدث يبدو فيه أن للوزير وجهة نظر أبعد أو أشمل.
وأكد «حسين» أنه على جميع العاملين بالسياحة مراعاة السائح سواء أجنبى أو عربى، باعتباره ضيفا عزيزا على أرض الوطن لا ينبغى مضايقته أو التحرش به، مشيرا إلى أن الغرفة أصدرت بالفعل منشورا رسميا لمناهضة ظاهرة التحرش الجنسى سواء بالقول أو الفعل، مضيفا: «يتم إدراج أى محل أو بازار يصدر عنه تلك الفعل بالقوائم السوداء بالغرفة، ولا يتم التعامل معه مرة أخرى، بل وإنذاره بفصل عضويته فى حالة التكرار».

قل تجارة «تحف»
لا «أنتيكات»
الأولى فقط موجودة فى مصر.. والثانية تدخل فى نطاق الآثار وانتهت عمليًا منذ إنشاء المتاحف 
تعد التحف والأنتيكات «العاديات»، من أقدم النشاطات التجارية فى مصر، ورغم العوامل العديدة التى أثرت فى حركة هذه السوق، صعودًا وهبوطًا، التى امتزجت فيها السياسة بالأبعاد الاقتصادية، إلا أنه يظل لتلك التجارة بريقها وجاذبيتها، خاصة لدى طبقات وفئات معينة من الناس. وما زال يتوارث هذه التجارة عائلات وبيوت، جيلًا بعد جيل، بما لها من أسرار وقواعد لا يعرفها إلا أربابها، العارفون بدهاليزها ومواسم رواجها، ممن ينتمون لفئة يطلق عليها فى هذا المجال مصطلح «الخبرات النادرة»، ووظيفتهم الأساسية الفرز لمعرفة القطع الأصلية والمقلدة، وقدرتهم على تحديد مصادر إنتاجها المتنوعة، سواء كانت معامل وورش محلية أو عالمية، أو من ابتكار فنانين مهرة.
الاقتراب من هذا العالم لمعرفة أسرار التجارة يفرض ضرورة التمييز بين المصطلحات، فكلمة «أنتيك» مثلًا، تعنى القطع الأثرية القديمة، التى يتجاوز عمرها المائة سنة، وهى تشمل المقتنيات التى يعود عمرها إلى القرن التاسع عشر الميلادى، وما قبله من العصور الإسلامية والقبطية والفرعونية.
وهى الأنواع التى جرى تداولها عبر الأزمنة بيعًا وشراءً، أو عن طريق تبادل الهدايا بين الملوك والأمراء والأعيان وطبقات النبلاء والأثرياء على مر العصور، حيث لم تكن فى تلك الفترات الزمنية المختلفة أية قوانين تحظر بيعها أو تجرم تداولها، وهذه التجارة انتهت عمليًا منذ إنشاء المتاحف التى استوعبت هذه الآثار، وسن القوانين التى حظرت الاتجار بها.
أما «التحفة»، كما يعرفها أصحاب هذه المهنة، فهى القطعة النادرة التى لا تتكرر، فإن تكررت تدنّت قيمتها، ومنها التماثيل واللوحات الممهورة بأسماء أشهر الرسامين والنحاتين العالميين، وقطع الأثاث والخزف الموقعة بأسماء معامل الماضى المميزة، التى ما عادت موجودة اليوم. وعلى هذا فالتجارة المعروفة الآن فى مصر بتجارة «الأنتيكات»، ليست إلا تجارة تحف فقط.

الإيطاليون واليونانيون أول التجار فى «المحروسة»
التجارة دخلت مصر قبل بدايات القرن العشرين على أيدى الرعايا الإيطاليين واليونانيين الذين أبدعوا فى فنون العمارة بمناطق وسط القاهرة القريبة من الأزبكية ومنطقة خان الخليلي، وهم أول من وضعوا قواعد هذه التجارة. تعد منطقة «خان الخليلي» بحى الحسين أول المناطق التى تتحول إلى سوق للتحف، تلتها منطقة وسط القاهرة، وتحديدًا شارع هدى شعراوى المتفرع من شارع طلعت حرب، ولأنها تجارة من نوع خاص جدًا، بمعنى أنها تخضع لمعايير الرقى والثراء، سرعان ما احتلت مكانها فى المناطق الراقية مثل حى الزمالك، الذى يقطنه الأثرياء من هواة اقتناء القطع الفنية والنادرة، حيث يوجد ما يزيد على ثلاثين معرضًا كبيرًا لبيع النجف والشمعدانات والفضيات والخزف وغيرها. 
وازدهرت هذه التجارة فى مصر حتى أصبحت ثانى سوق فى العالم بعد فرنسا، ويكمن سر رواج تلك التجارة، التى تمثلت فى بيع القطع الأثرية، سواء الإسلامية أو القبطية أو حتى الفرعونية، فى عدم وجود قوانين تحظر تداول الآثار، سواء بالبيع أو الإهداء، لذا لم يكن غريبًا أن تتحول أغلب منازل رجال الدولة، عبر الأزمنة المختلفة، إلى متاحف فنية صغيرة عامرة بقطع الأثاث العربى المصنوع فى العصور الإسلامية.
أما التحف الموجودة بحوزة تجار «الأنتيكات»، أو تزين بيوت من توارثوها عن أجدادهم أو غيرها، التى يتباهى بها هواة اقتناء التحف، فقد جاءت إلى مصر من أوروبا فى عصر الخديوى إسماعيل مع افتتاح قناة السويس عام ١٨٦٩.
وكانت المزادات النواة الأولى لسوق التحف فى مصر، والتى دخلت، بحسب المراجع التاريخية، على أيدى التجار المتخصصين فى هذه المهنة، ومن أشهرهم كازاتى وأرقش. 

أحفاد محمد علي أشهر جامعي التحف
أشهر الذين اقتنوا التحف، الملك فاروق والأمير محمد على توفيق، الذى تحول قصره إلى متحف يحتوى على آلاف القطع النادرة من السجاد الصالونات والنجف والشمعدانات واللوحات الفنية النادرة والمخطوطات. 

الأسعار تبدأ بـ5 جنيهات وتصل إلى 250 ألفًا
تحقق النماذج التى تنتجها وحدة المستنسخات أرباحًا هائلة، والتى يقبل المواطنون على شرائها، لأن أسعارها مناسبة، وفيما يباع تمثال توت عنخ آمون المصغر بنحو ٥٠٠ جنيه، يبلغ سعر الوحدات الكبيرة مثل كرسى العرش الخاص بتوت عنخ آمون ١٨٠ ألف جنيه.
كما أن بعض المستنسخات الضخمة يصل سعرها إلي ٢٥٠ ألف جنيه، وهناك أيضًا نماذج لنياشين الأسرة العلوية، وتماثيل صغيرة للخديوى إسماعيل والملك فؤاد وفاروق، وسعرها لا يتعدى ٦٠ جنيهًا، فضلًا عن مستنسخات بسعر يبدأ من ٥ جنيهات، وتباع بالمنافذ التابعة للمجلس الأعلى للآثار فى المتاحف وغيرها، كما يمكن لأصحاب المحال التجارية والبازارات أن يتعاقدوا مع الوزارة على المنتجات التى يرغبون بها.