البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

لا تخذلني.. من فضلك!


منذ عدة سنوات كان الرجل المصرى يُضرب به المثل فى «الجدعنة» والشجاعة.. فى الأصالة والعطاء.. فى رقى التعامل مع المرأة وتقديره لها، سواء كانت زوجته أو حتى لا يعرفها.. كان هناك «إتيكيت التعامل مع المرأة» ربما لم يدرسه على الإطلاق، ولكن كل ما يعرفه أنها الأصول التى تربى عليها، ولذا يطبقها.. الرجل الذى كان يقف بجانب زوجته فى مرضها، وفى أوقات كثيرة، يمرضها هو بنفسه، الذى كان يأخذ أولاده إلى المدرسة ويحل جميع مشكلاتهم دون تدخل من زوجته، لأنه كان يرى أنها لا بد أن تكون معززة فى بيتها.. وليس معنى عمل المرأة أن تشعر بالمعاناة وتعانى من زوجها، لأنها امرأة عاملة، فلا بد إذًا أن يترك كل الأعباء المنزلية ومشاكل الأبناء عليها لكى تقوم هى بحلها، ومعالجة كل صغيرة وكبيرة، وكأنها وحدها دون رجل يشاركها الحياة «وهو ما يحدث الآن للأسف».
والسؤال الذى يدق الرؤوس بعنف هو: لماذا تحول الرجل إلى النقيض؟!
صحيح أن المرأة لا تحب «سى السيد»، ولكن هذا لا يعنى أن يصبح الرجل اعتماديًا بلا مبالاة.. كما نراه الآن.. إن التجارب العديدة التى نراها فى الدول العربية، وليس فى مصر فقط.. تؤكد أن هناك تغيرًا فى الشخصية العربية أدى إلى زيادة نسبة الطلاق، الذى كان مرفوضًا هو الآخر بدوره فى الفترات السابقة، بل كان يعد عيبًا كبيرًا داخل الأسر المحافظة.. وغالبًا ما كانت الأمور تحل لصالح الطرفين بجلسة عائلية مغلقة. للأسف الشديد.. مصر تعد الأولى على مستوى العالم فى معدلات الطلاق وفقًا لإحصائيات أجراها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، الذى أكد ارتفاع نسبة الطلاق لتصل إلى ٤٠٪ فى الـ٥٠ عامًا الأخيرة، بدلًا من ٧٪ سابقًا. ووفقًا للتقرير فإن عدد المطلقات وصلن إلى ثلاثة ملايين حالة..حيث يتردد نحو مليون حالة طلاق سنويًا على محكمة الأسرة، وتقع ٢٤٠ حالة طلاق يوميًا بمعدل عشر حالات طلاق كل ساعة، كما بلغ إجمالى عدد حالات الخلع والطلاق عام ٢٠١٥ ربع مليون حالة، بزيادة ٨٩ ألف حالة عن عام ٢٠١٤! وبذلك ووفقًا لهذا المعدل المؤسف، ففى ٢٠١٧، ومع وجود ١٤ مليون قضية طلاق أطرافها ٢٨ مليون شخص، وربما زاد العدد الآن بعد كتابة هذه السطور، أى إن ما يعادل ربع المجتمع أو أكثر مطلقون! وهو ما يعنى أن مؤسسة الأسرة المصرية التى هى أساس التوازن المجتمعى.. فى خطر كبير! الأسباب كثيرة، على رأسها الأخلاق التى اختفت كثيرًا فى الفترة الأخيرة، ولم يعد أى من الطرفين يهتم بالآخر، فالزوجة ترى زوجها مقصرًا، والزوج يراها تقلل من معاناته، لأنه يسهر الليالى لكى يوفر للأسرة المال.. والحقيقة الزوج الذى يترك كل الأعباء الخاصة بالأبناء واحتياجات المنزل لزوجته بحجة أنه يعمل.. أجده مبالغًا، لأنه، سواء كان زوجًا أم لا، فهو مطالب بالعمل لكى يحترم ذاته ويكون مؤثرًا ونافعًا للمجتمع. ورغم تعدد أسباب الطلاق، فإن المؤلم بالفعل أن يكون السبب الحقيقى والوحيد هو «مرض الزوجة»، خاصة مرض السرطان، والحقيقة، وللأسف الشديد، هذا لا يحدث فى مصر فقط، بل فى كل دول العالم.. هناك دول تقدم دعمًا ماديًا للمرأة كمساعدة لها على العلاج وتخطى الأزمة، وهنا لا يطلقها الرجل من أجل الاستفادة بهذه الأموال، ولكن يهجرها فقط! ففى غزة، على سبيل المثال، وليس الحصر ٧٠٪ من النساء المصابات بالسرطان يتم هجرهن.. والهجر أكثر عنفًا من الطلاق، لأن الرجل فى هذه الحالة يتزوج بأخرى ويرفض طلاق الأولى حتى لا يدفع المؤخر ونفقات الطلاق!
وفى الجزائر تطوع أكثر من ٧٠٠ محام للدفاع مجانًا أمام المحاكم فى قضايا الطلاق الخاصة بالنساء المصابات بسرطان الثدى على وجه الخصوص، فى محاولة لحمايتهن وبقائهن فى عصمة الزوج الذى لا يستطيع حينئذ الزواج بأخرى، نظرًا لعدم قدرته المالية. وفى مصر لا توجد إحصائية دقيقة للمطلقات بسبب المرض اللعين، ولكنهن كثيرات.. الرجل ينظر لمريضة سرطان الثدى على أنها لم تعد أنثى. كثيرون يتركونها لهذا السبب وآخرون هروبًا من تكاليف العلاج والذهاب إلى المستشفيات ومشقة المشاوير لجلسات الكيماوى والإشعاع وغيرهم.. وهناك أزواج لا يكتفون بذلك، بل يتركون الأبناء لها تتحمل مطالبهم بكل تفاصيلها دون رحمة للمريضة التى لا حول لها ولا قوة.. منذ سنة تقريبًا..قادتنى الصدفة للتعرف على سيدة عبر شبكة التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» اسمها «سحر شعبان».. سيدة كلها ثقة فى الله وحب فى الحياة..كانت تتألم من مرض السرطان.. ولكنها كانت تشرك الناس فى آلامها دون أن تدرى من خلال صفحتها على «الفيس بوك» كانت تحكى لهم كل تفاصيل حياتها.. علاجها.. آلامها.. حزنها.. فرحها.. ولا أخفى أننى أحيانًا كنت أفتح «الفيس بوك» فقط لكى أطمئن عليها.. أخشى إن غابت أن تكون «لا قدر الله» لم تستطع الصمود.. لكنها كانت بالفعل قوية جدًا.. «سحر» انتصرت على المرض اللعين، قتلته.. وأصبحت إنسانة سليمة بالفعل..والآن قررت أن تساعد غيرها لكى يتغلبن مثلها على هذا المرض اللعين..وليس هذا فحسب، بل أطلقت حملة بعنوان «ثورة أنثى» ترفع شعار «لا للعنف ضد مريضة السرطان» ولا مساومة على حقوقها.. «سحر شعبان» هى الآن مديرة مؤسسة كيان مصر للتنمية والتدريب.. تدرب المرأة كى تتغلب على مرض السرطان، وفى نفس الوقت تحاول أن تحصل لها على حقوقها إذا ما تعرضت لغدر من الزوج.. الحملة إنسانية جدًا، وتحتاج لدعم من المجتمع بأكمله مع نداء من القلب لكل زوج.. أن يقف بجانب زوجته فى محنتها، فبداخل كل زوجة نداء، ربما لا تجهر به، ولكنه موجود بداخلها، خاصة فى وقت الضعف «لا تخذلنى.. من فضلك».