البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

40 سنة على انتفاضة 18 و19 يناير


عام بدأ مضيئًا: بانتفاضة الشعب المصرى الهادرة، فى الثامن عشر والتاسع عشر من يناير... وبقدر ما أن «١٩٧٧»، عام رائع فى بدايته، فإنه مروع فى خاتمته، بالزيارة المباغتة الصادمة لحاكم البلاد السادات إلى الكيان الصهيونى فى التاسع عشر من نوفمبر.
لقد بدأ السادات منذ «١٩٧١»، بخطى متثاقلة متخابثة، على الطريق المعاكس بالكامل لطريق الشعب مع ثورته بقيادة جمال عبد الناصر، ثم انطلق منذ «١٩٧٤»، بخطى متسارعة متقافزة على هذا الطريق المناقض... إن ما بدأه «تلميحًا» فى «١٩٧١» نظام الحكم الانقلابى المرتد عن الثورة، وبواجهته السادات، استكمل وواصل لكن «تصريحًا» ابتداء من «١٩٧٤»، وبوتيرة مجنونة صاخبة فاقت أى توقع، فى القضايا كافة، وعلى كل الأصعدة فى آن واحد معًا!... فإن «١٩٧٤»، فى قضية تحرير التراب الوطنى هو عام «فك الاشتباك» مع العدو «الذى أبكى القائد الكبير الجمسى كما كتب فى مذكراته»، وعام التوجه باطراد فى إطار نهج التهادن الاستسلامى، الذى سوف يصل إلى ذروته فى «١٩٧٧»، بزيارة الكنيست، وفى «١٩٧٨»، باتفاقيتى منتجع كامب ديفيد أو «اسطبل داود»، وفى «١٩٧٩»، بتوقيع معاهدة الصلح المنفرد بين السلطة المصرية «والتى لا تلزم أحدًا سواها»، وكيان العدو الصهيونى الغاصب... كما أن «١٩٧٤»، فى القضايا الاجتماعية والاقتصادية هو عام إعلان أولى قوانين العودة إلى اقتصاد الرأسمالية الصارخة الشرسة على نحو ما كان قبل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ بل بنمط «طفيلى»، كأبشع ما يكون، وبتسمية «تدليل»، ساذج مفضوح هو «الانفتاح»، كما أنه فى مختلف قضايا المناخ العام والثقافة والفنون والإعلام والصحافة.. إلخ: حدث ولا حرج.
وهكذا، فلم تكن قرارات رفع أسعار مجموعة من السلع الأساسية فى منتصف يناير «١٩٧٧»، والتى ذكرتها صحف النظام فى مانشيتات كبيرة «كأنها تزف وببلاهة أخبارًا مبشرة»، لم تكن قط سوى مجرد «شرارة»، أو هى بالضبط النقطة التى فاض عندها «الكيل»، فكانت انتفاضة ١٨ و١٩ يناير الشعبية العظمى، على امتداد البلاد من الإسكندرية إلى أسوان، نواة ثورة شعبية حاسمة منتصرة، لولا أن قوى طليعة الشعب المخلصة الصادقة لم تكن منظمة، ولم تكن مستعدة بأداة تعيد سلطة الدولة إلى الثورة، بينما مراكز السلطة كانت فى تيه وارتباك كاملين فى القاهرة، وكان السادات مرتعدًا، ومستعدًا للهروب خارج البلاد كلها من أسوان!!... وقد ظلت هذه اللحظة بالنسبة له، إلى آخر آونة فى حياته التى انتهت برصاصات منصة الاستعراض العسكرى الضخم فى ٦/١٠/١٩٨١، هى لحظة الرعب التى تمثل بالنسبة له هاجسًا وكابوسًا لا يبرحان أبدًا مخيلته ونفسيته المضطربة ويطاردانه على الدوام. ما بين بدايات عام «١٩٧٧»، انتفاضة الشعب الثورية فى ١٨ و١٩ يناير.. وخواتيمه: وصول تبعية السلطة إلى ذروتها، بزيارة رأسها التى فاقت كل خيال وتوقع إلى كيان عدونا فى ١٩ نوفمبر... ما بين الرائع والمروع: حدث الكثير والخطير، أُعتقل شرفاء مناضلون.. وأُغلقت منابر صحفية بها كلمة وطنية صادقة جادة، وبالنسبة للحركة الطلابية، التى شهدت فى السبعينيات ذروة ازدهارها وأعلى مراحلها فى تاريخنا، فقد أغلقت السلطات جريدة «الطلاب»، التى كانت تحمل فى برواز ثابت على صدر صفحتها الأولى هذا الاعتزاز «أمر بإصدارها الزعيم جمال عبد الناصر»، وكان يرأس تحريرها على التوالى الكاتب الصحفى محمد سليمة، ثم حمدين صباحى القيادى الطلابى الناصرى الذى كانت مواجهته الممتدة المشهورة مع السادات فى لقائه مع القيادات الطلابية، هى ضمن أبرز مواقف ومشاهد ما أعقب انتفاضة ١٨ و١٩ يناير... لقد شهدت الشهور ما بين انتفاضة المجد والشرف الوطنى فى يناير، وزيارة الخذلان والصلح المنفرد المهين وإخراج مصر كليًا من معادلة الصراع العربى - الصهيونى فى نوفمبر، جنونًا وقمعًا كثيرًا لسلطة السادات، وعلى سبيل المثال، بالنسبة للحركة الطلابية أيضًا، فقد منعت السلطات فى سبتمبر ١٩٧٧ «لقاء ناصر الفكري»، الذى ظل ينعقد بانتظام فى جامعة عين شمس على مر سنوات السبعينيات، ولقد اعتبرناه دومًا كجمعية عمومية للحركة الطلابية، بالقيادة الناصرية التى كانت صاعدة وقائدة لهذه الحركة، وقد كان الموعد السنوى بالتوافق مع ذكرى رحيل القائد الخالد فى شهر سبتمبر.
حاصرت قوات الأمن جامعة عين شمس، وانتهى «لقاء ناصر الفكرى» «السابع»، ولأول مرة فى نفس يوم انعقاده ما بين جلسة صباحية وأخرى مسائية فقط، لقد كانت فى صعود ونهوض واضح، حركتنا الطلابية المصرية، وفى القلب والمقدمة الحركة الناصرية الناشئة، والمنطلقة من رحم هذه الحركة الطلابية، وأنديتها الفكرية السياسية فى جامعات مصر المعروفة بـ «أندية الفكر الناصري»، ومن علامات أو معالم هذا الصعود، أن تقرر عقد لقاء فكرى سنوى آخر بجامعة الزقازيق فى يوليو من كل عام «متوافقًا مع عيد ثورة ٢٣ يوليو»، وقد كان ولا يزال إنجازه ووثيقته فى لقاء يوليو ١٩٧٦، من أبرز وقائع ووثائق الحركة الناصرية فى مصر، ثم من العلامات أو المعالم أيضًا إضافة لقاء ثالث سنوى بجامعة المنصورة فى يناير من كل عام «متوافقا مع عيد ميلاد القائد الخالد»، واللافت الذى لا ينسى أبدًا، أن يوم افتتاح اللقاء فى جامعة المنصورة كان هو ذاته يوم الثامن عشر من يناير، الذى خلاله اندلعت المظاهرات الشعبية الهادرة فى القاهرة، ووقف فى أولى جلسات لقاء المنصورة، وسط الحشد الطلابى، كل من القياديين الطلابيين محمد حماد، وعمر حجاج، القادمين من جامعة القاهرة، وكلاهما من كلية الحقوق، ولاحقًا فإن الأول من كبار الكتاب الصحفيين، والثانى من أقدر المحامين، وقفا ليطلعا الحشود فى المنصورة على تفاصيل ما يجرى، من انتفاض غير مسبوق بدأ فى القاهرة نهار اليوم.
وفى بدايات هذه الجلسة للقاء يناير الأول والأخير، قرأت أول رسالة بل أول نص فى مصر على الإطلاق، لمحمد حسنين هيكل، بعد إبعاد السادات له من «الأهرام» «فى ٢ فبراير من نفس العام الكارثى ١٩٧٤»، وكانت رسالة أستاذ الأساتذة إلى مؤتمرنا فى المنصورة مسهبة تتعمق وتتأمل الأحداث والقضايا والرجال، وفيها عقد مقارنة لا تنسى بين «ما حدث يومًا فى إنجلترا لقائد وبطل الثورة البريطانية أوليفر كرومويل، وما يحدث اليوم فى مصر لقائد وبطل الثورة المصرية العربية جمال عبد الناصر»، لافتًا إلى الحملة الضارية المحمومة ضد الزعيم البريطانى بعد رحيله، بفعل القوى المضادة لحركته، حتى أنهم هاجوا وهاجموا ضريحه ذاته، بينما مصر تشهد فى هذه السبعينيات حملة ضارية محمومة مماثلة ضد الزعيم المصرى العربي، والحق أن من عايش حقبة السبعينيات كان يجد باستمرار شعارات، تقول: نحن على العهد أوفياء.. وعلى طريق عبد الناصر أمناء.. وعلى خطه سائرون!. لكن الحقيقة أن الشعب المصرى اللماح كان مبكرًا جدًا يرد فى كل مكان ويردد: «لكن بأستيكة».
وفى ذلك اليوم، والمكان: ١٨ يناير، بجامعة المنصورة، وكافيتريا كلية الزراعة الرحبة بها، التى تحولت لاحقًا إلى مقر لنادى أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، سهرنا حتى الصباح... حيث مناقشات حول ما يجرى، وإعدادنا لانطلاقاتنا فى مظاهرات ١٩ يناير منذ أول النهار.. كتبنا معًا بيانًا، يعبر عن موقفنا، وفى الصباح الباكر وعلى مدار اليوم بالكامل.. كنا نقود جماهير المنصورة، فى أعظم مظاهرات حاشدة شهدتها «قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.. واللافت طبعًا: أنه يناير أيضًا».. إنه يوم «١٩ يناير المجيد فى المنصورة»، الذى ليس له مثيل... والذى يستحق أن يُروى وأن يُكتب تاريخه بالوثائق والوقائع والتفاصيل.