البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

هل نحن فعلًا بحاجة إلى تغيير وزاري؟


منذ أسابيع قليلة، لا يتوقف الحديث فى الصحافة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وفى جلسات المقاهى، والبرلمان، عن التغيير الوزارى المرتقب، وكأنه هو الحل السحرى لمشاكلنا جميعا.. فهل نحن بالفعل بحاجة إلى هذا التغيير؟!.. ما أهميته؟.. وماذا يمكن أن يضيف إلى واقع منظومة الحياة فى مصر التى أظن أنها بحاجة إلى نسفٍ كامل، لا مجرد تغيير لوجوهٍ لا تجيد شيئا أكثر من الظهور فى لحظات التصوير؟.
الحقيقة أننى واحد من الناس الذين يظنون أن النهوض بالحياة فى مصر، لن يتسنى لأى رئيس، أو وزير، أو غفير، دون تغيير حقيقى فى ثقافة المجتمع، وآليات علاقته بالسلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية.
لن يتم دون وعى جماعى بمعنى الدولة، وأهمية الحفاظ عليها، والمشاركة الفاعلة فى النهوض بها.. ودون شفافية كاملة فى آليات صنع القرار، وعدالة فى إنفاذ القانون.
لن يتم دون وعى كامل بفكرة الشراكة فى الوطن، والأرض، والممتلكات.. وهذه النقطة على وجه التحديد، ربما كانت هى الأهم، والأولى بالمراعاة، والتركيز، فى أى خطة حكومية مقبلة. وإلا، فقل لى، لماذا يكره المصريون الحكومة، أى حكومة، ويناصبونها العداء؟!.
ماذا يدفع صبيا، فى مقتبل العمر، إلى تمزيق المقاعد فى وسائل النقل العام، سوى إحساس متوارث، ودفين، بأنه ليس ملكا له أو بأن ممتلكات الدولة لا تخصه، وليس شريكا فيها؟.. هو من يدفع تكلفتها، وهو من صُنعت من أجله.
ماذا يدور فى عقل شاب يلاحق السائحات فى شوارع القاهرة، وغيرها من المدن السياحية، بنظرات الشهوة، وعبارات التحرش الفاضحة، أو الكراهية، أو الاتهام بالعمل لصالح أجهزة استخباراتية معادية، والتجسس على مصر، والمصريين؟، من غرس فى رأسه (الشاب) هذه الأفكار، والتصورات التى أكل عليها الزمن، وبال؟. 
تقول أحدث إحصاءات السكان فى مصر، إن عددنا، تبارك الله، قد تجاوز الـ٩٠ مليونا منذ سنوات، منهم ٣٥ مليونا على الأقل من الشباب، أى فى سن العمل. فقل لى، أثابك الله، ماذا يفعلون فى يومهم؟، وماذا هم منتظرون؟، ومن أين تسرب إليهم ذلك الشعور بالإحباط، واليأس من إمكانية إصلاح الأحوال؟.
يقول الواقع إن حياتنا كلها أصبحت قائمة على الاستيراد، منذ أن تحولنا إلى مجتمع مستهلك، لا ينتج أى شيء يمكن تصديره إلى دول العالم من حولنا، بفضلٍ ونعمةٍ من رئيسين منوفيين، باعا كل ما تم إنشاؤه على مر التاريخ من مصانع، وشركات حكومية، إلى مستثمرين أجانب، وبعض من رجال القطاع الخاص، فيما تحولت المصانع الباقية إلى مجرد دفاتر للحضور والانصراف، وتوزيع الأرباح، مع نهاية السنة المالية، على الموقعين فى تلك الدفاتر، رغم تأكيد الكشوف والقوائم المالية على الخسارة.
وتقول الإحصاءات، إننا نملك، سوقا استهلاكية لا يمكن مقارنتها، إلا بعددٍ محدود للغاية من دول العالم.. ٩٠ مليون فمٍ، لابد أنها «تأكل الزلط»، فماذا فعلنا بالزراعة؟، لماذا يفكر رجل فى تبوير قطعة أرض شديدة الخصوبة ليبنى عليها، فيما تترامى من حوله الصحراء، لا تجد من يسكنها؟، حتى تحولت الرقعة الزراعية إلى مجرد شريط ضيق، وخانق، بل إن أسعارها باتت تستعصى على الملاحقة، والتحجيم، كنتيجة للإقبال منقطع النظير على شرائها، بهدف التبوير والبناء والإهدار.
ما عدد مصانع المنتجات الغذائية التى أنشأناها؟ أو التى تعمل على الإنتاج، أى إنتاج؟.
من أين تأتى الجرأة للعاملين فى الصناعة للحديث عن الخسارة، أو المطالبة بإجراءات لحماية المنتج المحلي؟، دون أن يسألوا أنفسهم: لماذا يخسر منتج فى مثل هذه السوق إن لم يكن لصا، أو «غشاش»؟.
كنا، وما زلنا، نباهى العالم بما لدينا من آثار، يمكن لعائداتها وحدها، أن تجعلنا من أغنى دول العالم، فماذا فعلنا لكى تنشط السياحة؟.. أقول لك.. حاصرناها فى كل مكان بالمتحرشين، والمتسولين، ومشاهد القمامة، وحاصرنا منشآتها بالمرتشين من الموظفين، والمتكاسلين من العمال والموظفين، وغالينا فى تراخيصها حتى باتت تستعصى على المجتهدين من الراغبين فى دخول السوق، وقصرناها على ذوى الحظوة، والمقربين.
كلنا نعرف بما تم إنشاؤه من مدن ساحلية، تسر الناظرين، وكان من المتوقع أن تصبح قبلة السائحين حول العالم، فإذا بدبى، المدينة قائظة الحرارة، تستولى على تلك الحركة، فيما مدننا تسكنها الغربان والبوم.
بقليل من التفكير، سوف أن نكتشف أن هذا الحال لا يقتصر على الزراعة أو الصناعة والسياحة فقط، لكنه يمتد إلى أنشطة الحياة كافة، فى كل شيء، بلا استثناء.. فهل نحن فعلا بحاجة إلى تغيير وزارى، كامل أو محدود؟، أم أن احتياجنا الرئيسى، والأكثر إلحاحا إلى شيء آخر؟.
يقينى أن الإجابة أبسط من مجرد التفكير فيها.. نحن بحاجة إلى تعليم جيد، ومجتمع يعمل وفق عقلية، وتصورات جديدة، ترفع من الوعى بقيمة الدولة، وأهميتها، وترسخ لمعنى الشراكة فى الوطن.
نحن بحاجة إلى شباب يبدأ يومه بالتفكير فى الإنتاج، أى إنتاج، وإلا أصبحنا كما كنا طوال نصف القرن الأخير، «عالة على العالم»، اللهم إلا إذا كان يمكن اعتبار السخرية من كل شيء وأى شيء، حتى من أنفسنا، سلعة يمكن الاعتماد عليها.
استقيموا يرحمكم الله.