البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

"هامبورجر الخطاب الديني".. الأوقاف أعدت قوائم بـ"خطب الجمعة" لـ5 سنوات مقبلة.. سالم: نوع من التجمل.. عبدالخالق: تخبط .. أبو الحمد: تجديد الفكر مرهون بشروط لم تقترب منها الوزارة حتى الآن

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

الجدل مستمر حول الخطاب الديني في مصر، الرئيس في كل مناسبة وأخرى يشدد على تجديده وتطويره وتحسينه، والمؤسسات الدينية في مصر تصر على فقره، الأوقاف قبل أيام فاجأت الساحة بخبر "ساخر" قالت إنها أعدت قوائم بـ«خطب الجمعة» لـ 5 سنوات مقبلة، الخبر تلقته الساحة بدهشة واستنكار في ظل مطالبات دائمة عن التجديد والتحسين لمواجهة مخاطر فكر المرحلة الذي صار أشبه بقنابل ملغومة تهدد استقرار البلاد.
على أي حال الخطاب الديني الحالي في مصر يشبه كثيرًا ساندويتش الهامبورجر المحشو الذي لا يضيف قيمة غذائية لكنه في أغلب الأوقات ضار وهالك للصحة، فيما يظل السؤال: كيف كان الخطاب الديني في مصر وكيف صار، من هم المجددون على الساحة الآن، وكيف نعد وجبة خطاب ديني طازجة بعيدًا عن الأفكار المعلبة والقديمة والتقليدية. 


الدكتور إسلام حامد الباحث الإسلامي وأحد أئمة الأوقاف، أكد أن وجود خطة دعوية شيء جيد فالتخطيط هو البداية الصحيحة لأى عمل، وأن الوزارة تعتمد على خطة قصيرة الأجل بإعداد قائمة بالخطب لمدة عام وأخرى متوسطة باختيار موضوعات لمدة خمس سنوات، مضيفا أن التخطيط فى حد ذاته يساهم فى القضاء على عشوائية الخطاب الديني ولكن ينظر البعض إلى مثل هذه الخطط على أنها سلب لإرادة الخطيب وفرض لموضوعات محددة سلفا على المصلين مما يفقدهم الشعور برونق خطبة الجمعة والذى كان يعتمد على عدم علمهم بالموضوع الذى سيطرحه الخطيب، موضحا أن النجاح الحقيقي للخطة يكون فى قدرتها على جذب أسماع وافهام المسلمين باحتوائها على مضمون قوى دينيا يلبى تطلعاتهم فى المعرفة الدينية ويساهم فى رفع وعيهم بالقضايا الدينية والحياتية المختلفة يشعرون فيه بصدقه فى التعبير عن واقعهم ويغير وجهة نظرهم تجاه الخطبة الموحدة والخطة المسبقة.
أضاف حامد، أن المسلمين فى مصر مازالوا يحتفظون لخطبة الجمعة بقدرها الكبير فى نفوسهم وهم أول المعنين بالخطاب الديني ولا يمكن إغفال رأيهم واحتياجاتهم ولذلك أقوم حاليا بالإعداد لتقييم ورقى لاستطلاع آراء المصلين أسبوعيا بعد الخطبة فيما يتعلق بموضوع الخطبة وأدائي كخطيب، وكذلك إبداء اقتراحاتهم فيما يجتاحون إليه من موضوعات دينية محددة، ومن خلال عملي فى مجال الدعوة خلال عام مضى فقد طالبني البعض بالحديث عن موضوعات وقضايا ضرورية بالنسبة لهم لم تتناولها خطة العام الماضي مثل قضية الميراث وامتناع بعض الورثة من تسليم الإرث لمستحقيه بل طالبني البعض بالحديث عن الصلاة وكيفية الأداء الصحيح لها، وهذه الخطة الدعوية تركت مجالا لما قد يطرأ على المجتمع ككل من مستجدات وأحداث وأرى كذلك أنه من الضروري ترك الحرية للخطيب لطرح موضوع أو معالجة قضية فى محيط بيئته الدعوية على أن يكون ذلك فى خطبة واحدة شهرية.

وأوضح حامد، أن الخطاب الديني فى مصر منذ قرابة ثلاثة عقود مضت كان خطابا رائعا وكان متمثلا فى تصدر بعض مشايخنا للدعوة فى الإذاعة والإعلام قبل ظهور الفضائيات أمثال الدكتور أحمد عمر هاشم والدكتور محمد المسير والدكتور عبد الله شحاته والشيخ عطية صقر والشيخ محمد متولى الشعراوي والشيخ إبراهيم جلهوم وغيرهم وذلك على قلة المساحة الإعلامية للبرامج الدينية فى ذلك الوقت، ومع تعدد القنوات الفضائية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي تعددت الشخصيات الدينية المؤثرة وأصبح لكل فئة مشايخها أو دعاتها من الشباب مع تراجع ملحوظ فى الخطاب الديني للمؤسسات الرسمية المعنية بالدعوة خلال هذه الفترة والتحدي الآن هو استعادة مكانة الخطاب الديني للمؤسسات الدينية ومحاولة استقطاع مساحة لها فى نفوس الشباب بصفة خاصة والتواصل معهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والفيديوهات القصيرة التى توضح الكثير من المفاهيم الدينية وتجيبهم عن تساؤلاتهم وتحترم عقليتهم.
لكن من المسئول عن تجديد الخطاب الديني ؟ ويرد حامد، وزارة الأوقاف ووزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم والإعلام هم المسئولون مسئولية متكاملة فى بناء الشخصية الإنسانية لدى المصريين ودورهم أساسي فى تشكيل الوعى الثقافي لديهم وبقدر تكامل هذه الوزارات يظهر الأثر الإيجابي سريعا فى المجتمع والعكس صحيح، ورأى ضرورة استعادة المسجد لمكانته التنويرية والثقافية.

وعلق الدكتور سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف الاسبق، أنه لو كانت حصيلة تلك الخطب موجودة بيد الأمام يتخير منها ما يشاء فهذا مقبول لتكون فى يديه كبستان ينتقى منها ما يناسب ظروف المجتمع وعقلية الناس، مضيفا أننا كلنا كان فى منازلنا خطب المشايخ الكبار كالشيخ محمد الغزالي وغيره وكنا فى وزارة الأوقاف نطبع خطب للشيخ محمد سيد طنطاوي ونخطب منها فلا يوجد مانع تواجد مثل هذه الخطب المجمعة لدى الإمام ليستعين بها وينتقى منها ما يشاء ولكن لا يمكن أن نحدد ميعاد كل خطبة بحيث نقول الخطبة رقم 30 مثلا سيتم إلقاؤها بعد سنة وهكذا، موضحا أن وزارة الأوقاف لو أحسنت تقول أن هذا الكتاب سيتم طبعه وسيتم توزيعه بالمجان على الأئمة لتصبح فى مكتباتهم ليستعينوا بها لتكون حصيلة رؤى لهم وحبذا لو كانت هذه الخطب تفرغ من أشرطة وكتب لعلماء كبار كأمثال الشيخ طارق العدوى رحمة الله عليه والاستفادة من خطب الشيخ محمد الغزالي وغيرهم لتكون فى كتاب يستفيد منه الأئمة.
و أكد عبدالجليل أن تجديد الخطاب الديني ليس عملية جراحية لنحدد أنها نجحت أم فشلت ولكن الخطاب الديني لابد من تجديد دائم ومستمر له وهذا يحتاج جهد مستمر وهو ليس بالتصريحات ولا ورش العمل والمؤتمرات ولكن يجب أن يصل نتاج هذا الجهد للإمام لأنه هو المقياس والمعيار للخطاب الديني لأنه شئنا أم أبينا وتابع: "للأسف كلنا نتجمل على التليفزيون ولكن المؤثر الأكبر هى خطبة الجمعة التي يجب أن يتم فيها تركيز بشكل قوى على الأمام وهذا يحتاج على المستوى البعيد أن نخرجه بشكل صحيح وهذا يتم من خلال التعليم".

ورأى الدكتور محمود عبدالخالق، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، أن تجديد الخطاب الديني يقع على عاتق وزارة الأوقاف والأزهر الشريف ولجان الفتوى بدار الإفتاء، وكل هذه المؤسسات الثلاثة تسعى من خلال رؤية ورسالة خاصة بها لتجديد الخطاب الديني فوزير الاوقاف يريد بكل ما يملك للتقرب بنظرة سريعا ويقول أنه وضع خطة لتجديد الخطاب الديني على مدة خمس سنوات وإن كانت هذه الخطة تمت على عجالة سريعة، متسائلا من وضعها ؟ وما هى مقاييس وضعها ؟ وما الهدف التى ستحققه خلال الخمس سنوات فى المجتمع أخلاقيا واجتماعيا ؟، مؤكدا أن وزير الأوقاف تسرع فى هذا الأمر ولم يكشف عنها حتى الآن.
أضاف عبدالخالق، أن تجديد الخطاب الديني يكون بالنهوض بالمجتمع من خلال ثورة أخلاقية لأن مجتمعنا ما ينقصه سوى الأخلاق، متسائلا كيف تضع وزارة الأوقاف هذا الكم من الخطب بدون الجلوس مع كلا من مؤسسات الأزهر ووزارة الشباب والرياضة والتضامن الاجتماعي والإفتاء وغيرها للتكاتف لوضع خطة جيدة لتجديد الخطاب الديني بقواعد ثابتة على الإسلام الصحيح بدون تبديل أو تحريف ولا تعطيل، ولا نعلم هل هذا حدث فى وزارة الأوقاف أم لا وخاصة أن خطبة الجمعة متجددة حسب أمراض المجتمع لتناقشه وتحله.
تابع عبدالخالق، أن وضع خطة لتجديد الخطاب الدينى يأتي بالتعاون بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والعلماء المتخصصين فى النهوض بالأمم مثل علماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء الدين من عقيدة وتفسير وفقه ليضعوا الثوابت الدينية ويتم اختيار نخبة مميزة منهم على ثقة وتقوى ويكون لديهم غرض الإصلاح الحقيقي ويتجردوا من سياستهم وأهوائهم الشخصية ويكون العمل لله خالصا، مضيفا أن وضع خطة من طرف بدون هذه الأطراف سيكون خطابا لن يضيف جديدا.

وأوضح الدكتور أحمد مصطفى معوض، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن تجديد الخطاب الديني يكون بطريقة تناسب العصر الحالي بضرب أمثلة من الواقع الذى نعيشه وقد يختلف فى نفس العصر الأمثال فى البيئة الساحلية عن الريفية عن غيرها فالخطبة لا يمكن أن تكون بنفس الألفاظ والامثلة فلا يمكن الحديث عن الزهد فى قرية فقيرة بل يمكن الحديث عنه فى منطقة غنية فلابد أن يكون الحديث لمقتضى حال المخاطب فالتجديد يكون بالوسيلة وكيفية إيصال المعلومة فضلا عن التجديد الفقهي وهو مطالب به الفقهاء دائما بما يستجد من احداث والتي تسمى القضايا الفقهية المعاصرة ولكن تجديد الخطاب الديني هو مجرد الخطاب الوعظى وهو ليس فيه جديد.
أضاف معوض، أن تحديد عدد الخطب لو أريد به الترتيب فى الخطب الجاهزة فهذا غير موافق للعقل بمعنى أن تكون الخطب محددة وموضوعاتها ثابتة ولا علاقة لها بالأحداث التى يم بها المجتمع فهذا أمر بعيد تماما عن المجتمع ولكن ان تكون الخطب كمادة يرجع اليها ويكون فى نفس الوقت ملما بمشاكل المجتمع بحيث يتحدث فيها ويعالجها فى خطبته.
ماذا يعني كلام معوض ؟ هل فشلت المؤسسات الدينية في مصر في تجديد الخطاب ؟ ويجيب معوض، كنت فى سلطنة عمان منذ عام ونصف فقال لى عالم ديني هناك أنكم فى مصر تنادون بتجديد الخطاب الديني فى الاعلام منذ سنوات الا يوجد لديكم موضوع آخر للحديث عن أمراض المجتمع، مضيفا أن وزارة الأوقاف نجحت اخر عام أو عامين تقريبا عندما حددت موضوعات الخطبة على مستوى الجمهورية بجميع المساجد رغم اعتراض البعض على ذلك ولكن تحديد الموضوع قضى على تكرار الخطباء لنفس الموضوعات وقضى على العشوائية التي كانت تجتاح مساجد كثيرة ولكن تحديد موضوع الخطبة قد أثبت على أرض الواقع عن مشاكل المجتمع فمثلا الجمعة الماضية كان موضوع الخطبة عن الرشوة وهو أمر يمر به مجتمعنا المصري وهذا ما نقصده، مؤكدا أن عدد من الخطباء قديما قبل تحديد الموضوع الأسبوعي للخطبة كان لا يحضرون ولا يقرأون قبل الخطبة ويتحدث فى أي موضوع بعشوائية.
وطالب معوض، بأنه لإتمام عملية تجديد الخطب الديني لابد من الاهتمام برواتب الخطيب لذي دائما يبحث عن عمل بديل لتحسين وضعه الاقتصادي بالتالي يؤثر الأمر على طبيعة عمله ولا يتاح له فرصة القراءة والاطلاع لتطوير نفسه.
وقال الدكتور محمد أبو الحمد، أستاذ مساعد التخطيط الاجتماعي بكلية التربية جامعة الأزهر، إن تجديد الخطاب الدينى ليس فى الثوابت والنصوص ولكن التجديد فيما يتعلق بالاجتهاد فى فقه الواقع والفقه المعاصر والمهارات الخاصة بالخطابة والدعوة الإسلامية، وتابع:" لابد من تجديد مهارات الخطيب بحيث يكون قوى فى اللغة العربية وملما بالعلم وكيف يوصل رسالة الدين للمأمومين ولابد أن يختلف الخطاب الدينى الموجه لأهل القرية عن أهل المدينة لأن كل بيئة مختلفة عن الأخرى"، مضيفا لا يمكن التجديد فى الثوابت لأنها فى الأساس جديدة متجددة ولكن بالاجتهاد حسب ظروف المجتمع ومشاكله، موضحا أن هناك نقص مهارات الاتصال وتحليل الجمهور وتحليل السياق الاجتماعي للمسجد لدى الدعاة.