البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الدولة وفتنة الكاتدرائية


المؤكد أن إثارة النوازع الطائفية لم تكن الهدف الرئيسى عند من خططوا ونفذوا التفجير الإرهابى داخل الكنيسة البطرسية، بمحيط الكاتدرائية المرقسية؛ فهم يدركون جيداً أن المجتمع المصرى عصى على كل ألاعيب الفتنة، وإلا كان قد غرق فى ظلماتها فى أحداث ماسبيرو، التى شهدت أكثر المؤامرات خبثاً وتلاعباً بالمشاعر الدينية والوطنية.
قتل مصلين آمنين أغلبهم من النساء والأطفال داخل نطاق سور أكبر الكنائس المصرية -مقر الباباوية الرئيسي- يهدف مباشرة إلى زلزلة الثقة بين المواطنين المسيحيين والنظام السياسى، وفى القلب منه الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ وهو ما عبرت عنه قناة «الجزيرة» القطرية فى عنوان تقرير نشرته قبل يوم واحد من الحادث تساءلت فيه عن ما إذا كان الود بين المسيحيين والرئيس قد انتهى بسبب إخفاق الأخير فى حمايتهم وتحقيق مصالحهم الطائفية؛ وهم الذين اعتبروه منقذاً ومخلصاً بعثه الله إليهم. 
تقرير الجزيرة جاء بدون مناسبة تستطيع فهمها عند قراءته وقت نشره، لكن العاشرة من صباح اليوم التالى بتوقيت مصر تأتى لتكشف المناسبة الحقيقية لنشر ذلك التقرير الذى اعتمد على مقال بمجلة الـ«فورين بوليسى» تحدث عن تحركات لمواطنين مسيحيين معارضين خلال مشاركة الرئيس فى اجتماعات الأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى، وكانوا قد تقدموا له بمذكرة أعربوا فيها عن مخاوفهم إزاء أوضاع المسيحيين على خلفية أحداث طائفية وقعت فى بعض قرى محافظتى المنيا وبنى سويف، التى كانت العناصر السلفية والمتطرفة بطلها الرئيسى. 
لا أظن أن صحفيى الجزيرة قادرون على استقراء المستقبل وتوقعه مهما بلغت قدراتهم المهنية، لكنها محاولة لاستعادة مسار الأحداث قبل ستة أعوام مضت.
وهى المحاولة التى نجد أصداءها فى تعليقات بعض النشطاء المحسوبين مباشرة على تنظيم الاشتراكيين الثوريين المحظور رسمياً، وكذلك فى الشعارات والهتافات التى ارتفعت فجأة لتغطى على هتاف «مسلم ومسيحى إيد واحدة» فى التظاهرة العفوية التى نظمها المئات من المسلمين والمسيحيين الذين جاءوا للتبرع بدمائهم لإنقاذ ضحايا الحادث الإرهابى. النشطاء اتهموا النظام السياسى بتدبير وتنفيذ الحادث بسبب أزماته الداخلية، على غرار ما حدث فى كنيسة القديسين التى فجرها نظام مبارك بحسب مزاعمهم؛ كما قاموا بترديد هتافاتهم المُعادية للدولة وأجهزتها فى المظاهرة العفوية، بهدف التشويش على الهتافات المنددة بالإرهاب، علاوة على قيامهم بالاعتداء على بعض الإعلاميين «أحمد موسى، لميس الحديدى، وريهام سعيد».
رسمياً قال تنظيم الاشتراكيين الثوريين على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» إنه يرفض بوضوح كل عمل إرهابى يستهدف الآمنين، لكنه استدرك مؤكداً أن إرهاب الدولة هو الأخطر والأقوى؛ وهو موقف يدعم ما تروجه جماعة الإخوان الإرهابية ونشطاؤها على الأرض ومواقع التواصل الاجتماعى بشأن قيام الدولة بارتكاب الحادث، وهنا يلتقى الجميع عند «الجزيرة» القطرية وما تروجه بشأن انتهاء شهر العسل بين المسيحيين والسيسى. وكأنهم يريدون القول بأن تفجير الكنيسة البطرسية سيكون الحدث الذى يسبق ثورة يناير ٢٠١٧ كما كانت كنيسة القديسين الحدث الذى سبق يناير ٢٠١١.
ومع ذلك هناك من يستخدم هؤلاء الحمقى والخونة لتنفيذ مخططاته وترويج أفكاره وشائعاته لتحقيق أهداف أخرى تتعلق بالصراع الإقليمى فى منطقة الشرق الأوسط، ذلك أن هز عرش الثقة بين النظام السياسى ومواطنيه المسيحيين، واستهداف قلب أكبر كنائس الشرق الأوسط وأهمها على الإطلاق، وسيلة ضغط لأطراف إقليمية دخلت على خط تمويل الإرهاب فى مصر حديثاً من أجل تحقيق مصالح لها فى المناطق المشتعلة حالياً وما تسمى بدول الربيع العربى لا سيما أن هذه الأطراف تمول وتدعم منظمات مسلحة ينتمى بعضها إلى التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية، فيما تولد بعضها الآخر عن تنظيم القاعدة.
جريمة البطرسية ليست مجرد عمل إرهابى لمجموعة من المتخلفين يعتقدون أن المسيحيين كفار وجب قتلهم، وإنما عمل عدائى يستهدف ضرب الاستقرار وتعطيل برنامج الإصلاح الاقتصادى والقضاء على أى فرصة لعودة السياحة لتظل مصر فى حالة عوز دائم لمساعداتهم وقروضهم، ومن ثم تسلم إرادتها السياسية خاضعة بين يدى عروشهم.
لذلك ينبغى التعامل لفترات طويلة وفق استراتيجية حرب على جميع المستويات وفى مقدمتها المستوى الإعلامى والأمنى والاقتصادى.