البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

قراءة في مؤتمر شرم الشيخ


من حق الكثيرين أن يعتقدوا ما اعتقدوه في مؤتمر الشباب الذي عقد مؤخرًا بمدينة السلام شرم الشيخ، فقد تعودنا في الماضي أن تكون مؤتمراتنا عبارة عن تجمع شتات من البشر، لا يوجد بينهم اتساق عقلي أو ارتياح نفسي أو انسجام وجداني، بل الأكثر من ذلك أنها كانت "سد خانة"، وكلمات تقال هنا وهناك على إيقاع الموسيقى والأغاني الوطنية.
لكن على هؤلاء وحتى يكونوا محقين، أن ينصفوا هذا المؤتمر، ويبرزوا أهم ما جاء فيه، ويقولوا قوله حق بأنه مختلف في المضمون، والرسالة، والأهداف، والنتائج.
وفي قراءة بسيطة لأهم ما أسفر عنه هذا المؤتمر من وجهة نظري المتواضعة، أرى أنه بمثابة خارطة طريق للفترة المقبلة على الأقل فيما يخص الشباب، إذا كنا نؤمن أن الشباب لابد وأن يكون في المقدمة، وأن يكون المحرك الأول في تطوير هذا الوطن.
وقد يتساءل البعض، ولماذا تعده خارطة طريق؟، وكي أجيب على هؤلاء يجب أن أطلع الجميع على ما أسفر عنه المؤتمر من قرارات، جاء في مقدمتها:
أولًا: تشكيل لجنة وطنية من الشباب، بإشراف مباشر من رئاسة الجمهورية، لإجراء فحص شامل ومراجعة لموقف الشباب المحبوسين على ذمة قضايا، ألم يكن هذا مطلبًا للكثير من الشباب؟، بل مطلبًا لكافة القوى السياسية.
ثانيًا: قيام رئاسة الجمهورية بالتنسيق مع مجلس الوزراء والرموز الشبابية بعمل تصور سياسي لتدشين مركز وطني لتأهيل الكوادر الشبابية سياسيًا واجتماعيًا وأمنيًا واقتصاديًا، وأعتقد أن هذا المركز قد يكون النواة والبوتقة التي يخرج منها شبابنا للعمل العام والسياسي، وهم مؤهلون لذلك.
ثالثا: قيام رئاسة الجمهورية بالتنسيق مع جميع أجهزة الدولة، بعقد مؤتمر شهري للشباب، يحضره عدد مناسب من ممثليهم من كافة التيارات والاتجاهات، يتم خلالها عرض ومراجعة كل التوصيات والقرارات الصادرة عن المؤتمر الوطني الأول، وما يستجد بعدها وصولًا للمؤتمر الوطني الثاني المقرر عقده نوفمبر 2017، وهنا أنبه على دور المتابعة، فهذا يعني أنه يكون هناك جسور من التواصل المستمر بين الشباب والدولة، من خلال مؤتمر شهري يعقد لتنبي الأفكار وطرحها بل وتنفيذها فورًا. 
رابعًا: قيام الحكومة بالتنسيق مع الجهات المعنية للدولة بدراسة اقتراحات تعديل قانون التظاهر المقدمة من قبل الشباب، ولا ينكر أحد أن هذا كان مطلبًا لكثير من القوى السياسية التي انتقدت - ولا زالت- هذا القانون، وها هي الفرصة أصبحت سانحة بين الجميع لتقديم رؤيتهم والتعديلات المطلوبة على القانون.
خامسًا: تكليف الحكومة بعمل حوار مجتمعي شهري لتطوير التعليم خلال شهر على الأكثر، يحضره جميع المتخصصين والخبراء، لعمل ورقة عمل لإصلاح التعليم خارج المسارات التقليدية، وبما يتوقف مع التحديات والظروف الاقتصادية التي تواجه الدولة، على أن تعرض الورقة خلال المؤتمر الشهري المقرر عقده خلال ديسمبر القادم، وهنا نتحدث عن المشروع الأكبر في مصر إن كانت تريد تطويرًا حقيقيًا، ألا وهو التعليم، وأتمنى هنا تحديدًا تحقيق تلك التوصية، وأعتقد أنه إذا استطعنا أن نطور التعليم فلنضمن جميعًا وطنًا يخطو إلى الأمام بسرعة تدهش الجميع.
سادسًا: دعوة شباب الأحزاب والقوى الشبابية لإعداد برامج للتنمية، على أن تكون أهم أولوياتها القضاء على الأمية بالمحافظات المصرية، وفي تلك التوصية يجب أن نتوقف بعض الوقت عند كلمة "الأمية"، وعلينا أن نتساءل جميعًا: هل توافق أن يكون في بلدك أميًا حتى الآن؟ وعلى كل أحد أن يجيب عن نفسه، وليفعل ما تمليه على نفسه، ويقره عليه ضميره، أما الأحزاب فأعتقد أن تنفيذ تلك التوصية فرصة حقيقية لإثبات الوجود، والالتحام بالمواطن المصري الذي ينتظر من يأخذ بيده وينير عقله.
سابعًا: تكليف الحكومة بالتنسيق مع مجلس النواب، للإسراع بالانتهاء من إصدار التشريعات المنظمة للإعلام، والانتهاء من تشكيل الهيئات والمجالس المنظمة للعمل الصحفي والإعلام، وهنا أظن أنني ممن يطالبون بإصدار التشريعات الإعلامية، التي تنظم المنظومة الإعلامية المصرية، ولكن يجب أن أعود إلى ما قاله الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد أثناء المؤتمر، أن بيت القصيد ليس في التشريعات، بل في الضمير المهني لمن يعمل بالإعلام، فلا يجب أن يكون الصحفي أو الإعلامي زعيمًا سياسيًا أو محرضًا على اتجاه بعينه، فكلمة السر في المصداقية والصدق، والحرية ليست مرادفًا للفوضى، بل تعني المسؤولية، ومن هنا أقول: انشر ما تريد لكن يجب أن يكون الصدق والمصداقية عنوانه، فصناعة الرأي العام أمانة سيحاسب عنها الجميع.
ثامنًا: قيام الحكومة بالتعاون مع الأزهر والكنسية المصرية، بتنظيم حوار مجتمعي موسع، يضم المتخصصين، وبتمثيل مكثف من الفئات الشبابية، لوضع ورقة عمل وطنية تمثل استراتيجية شاملة لترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق، ووضع أسس سليمة لتطوير الخطاب الديني في إطار الحفاظ على الهوية المصرية بكافة أنواعها الحضارية والتاريخية، وفي هذا نجد أيضًا الشباب، نعم يجب أن يكون لهم دور في كل ما يدور بمصر، وتجديد وتطوير الخطاب الديني من أهم متطلبات المرحلة الراهنة.
إذا تأملنا في كل ما تضمنته السطور السابقة، وإذا حاولنا تحقيقه بعزيمة قوية، وإرادة صلبة، وإذا تواجدت الإرادة السياسية لهذا، فنحن إذًا أمام إعلان شرم الشيخ السياسي، الذي يرسم ملامحًا مهمة تحكم المرحلة المقبلة، أما إذا جلسنا لننقد فقط، كما سيفعل الكثيرون، ونبحث عن السلبيات ، بهدف تشويه الصورة فقط، فلن نجد شيئًا على الإطلاق.
أدعو كل من يبحث عن وجه للنقد أن يترك هذا فورًا، ويضع يده في يد الدولة من أجل تحقيق تلك التوصيات، وتحويلها إلى واقع ملموس يشعر به الجميع، ووقتها سيعترف الجميع بأن مؤتمر شباب شرم الشيخ كان مختلفًا، ولم يكن نزهة أو مضيعة للوقت، بل كان من أجل مصر وشبابها.