البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الغنوشي يدافع عن داعش


لطالما كانت آراء السيد راشد الغنوشى مثيرة للجدل. من يريده أكثر ليبرالية ينتقد إصراره على استعمال اللغة الدينية فى عرض مواقفه السياسية، ومن يتمنى بقاءه ضمن الحركة الإسلامية ينتقد توجهاته الحداثوية، التى تبدو أقرب إلى العلمانية منها إلى المألوف الدينى.
الأحد الماضى كان مناسبة للتذكير بواحد من هذه المواقف الجدلية، حين قال على هامش اجتماع لقيادة حزب النهضة إنه «لا يمكن أن نكّفر الدواعش.. لا يمكن أن نكّفر أحًدا يقول لا إله إلا الله». وأضاف أن «داعش» هو صورة للإسلام الغاضب والخارج عن العقل.
فى ظروف أخرى ستبدو المسألة عادية. لكن هذه التصريحات لا تؤخذ كتوصيف نظرى مجرد، سيما بالنظر إلى الانعكاسات الشديدة للأزمة الليبية على الأمن فى تونس. فى مارس الماضى احتل مقاتلو التنظيم مدينة بن قردان الجنوبية، فيما قيل إنه مقدمة لإعلان إمارة إسلامية فى تونس. لحسن الحظ فإن سكان المدينة رفضوا وجود مقاتلى داعش» بينهم، مما سهل على الجيش تطهيرها فى بضعة أيام.
لا أحد اعتبر القضاء على مجموعة بن قردان نهاية لـ«داعش» التونسى. ثمة تقارير متطابقة تتحدث عن «آلاف» من الشباب التونسى فى صفوف التنظيم، فى العراق وسوريا وليبيا، الأمر الذى يؤكد وجود بيئة اجتماعية مناسبة للتنظيم فى هذا البلد. ومن هنا فإن وصفهم مسلمين خاطئين أو غاضبين فحسب، سوف تصنفه الأطراف المنافسة باعتبارها محاولة احتواء لأعضاء الجماعة المتطرفة، أو دعوة إلى اعتبارهم طيًفا» داخل التيار الديني، وليسوا خوارج على الجماعة أو أعداء للمجتمع المسلم.
هناك بالطبع تساؤل جدى حول ملاءمة هذا النوع من التوصيف لزعيم حركة، سبق أن أعلنت فى مايو ٢٠١٦ أنها تحولت إلى حزب سياسى حداثوي، وتخلت عن مهماتها الدعوية والدينية البحتة، رغم أن كثيرين يجدون صعوبة فى فصل الغنوشى وحزبه عن تاريخهما الدعوى والدينى. أًيا كان الأمر فإن تصريحات من هذا النوع الذي ينتسب عادة إلى المجال الدينى البحت، سوف تعيد الالتباس بين السياسى والديني، وبين التراثى والحداثي، الذى كان يراد حسمه فى إعلان مايو المذكور. لكن من ناحية أخرى يمكن اعتبار ذلك التصريح مفيًدا فى سياق إعادة توصيف المجال السياسى الإسلامى. نعلم بأن الجرائم البشعة لتنظيم داعش حملت جميع الجماعات الإسلامية على التبرؤ منه، كراهية لأفعاله أو تحاشًيا لتحمل تبعات نسبتها إلى التيار الدينى ككل. هذا كله مفهوم، لكنه لا ينفع كثيًرا فى تحديد موقع التنظيم داخل المجال الدينى أو خارجه.
أقول: إن تصريح الغنوشى قد يكون مفيًدا، لأنه يعين ربما على تقبل فكرة أن المجال الدينى ليس طيًفا واحًدا، وأنه ليس دار الحق والخير المطلق. بل هو مثل كل مجال عقيدى أو سياسى آخر متنوع ومتعدد المشارب والاتجاهات، فيه الأكثر اعتدالًا والأشد تطرًفا، وفيه التقليدى المتشدد إلى جوار المتحرر المعادى للتقاليد. المجال الدينى هو مجتمع المسلمين، بكل ما ينطوى عليه من محسنين وآثمين. وهو لهذا السبب ليس معيًارا للحق ولا هو المثال الدينى الكامل، بل بشر مثل سائر البشر، الذين يسعون للإحسان ما استطاعوا، فيصيبه بعضهم ويضل آخرون.
«داعش» وأمثاله من الجماعات المسلحة ليس تعبيًرا عن حقيقة الدين ولا عن حقيقة المجتمع الديني، بقدر ما هو تعبير عن هموم فريق فى هذا المجتمع. قد نعتبرها نموذًجا مجسًدا للطيش والضلال. لكن لا أحد يدعى أن غيرهم ملائكة فى ثياب البشر
نقلاً عن الشرق الأوسط