البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الإعلانات الجنسية تتصدر المشهد في رمضان.. وخبراء: الرأسمالية السبب

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

اَثارت عدد من إعلانات الشهر الكريم هذا العام كثير من الجدل، ووضعت حولها كثير من علامات الاستفهام، خاصةً وانها تحمل مشاهد وتعبيرات جديدة على الجمهور المصري، مقارنةً بالإعلانات التي كانت تعرض خلال الأعوام الماضية، ولم يمض أسبوع واحد من رمضان، إلا وإنتفضت مواقع التواصل الاجتماعي منددة من بعض هذه الإعلانات التي تخدش الحياء العام والتي بسببها، وقع حالات تحرش في الشارع المصري سواء لفظي أو جسدي بحجة انها إعلانات مباح عرضها على الشاشة الصغيرة التي تتسلل كل البيوت.
وبعد شن الجمهور هجومًا حادًا على هذه الإعلانات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أصدر مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك قرارا بوقف بث الإعلانات التليفزيونية لشركات ( جهينة، الأهرام للمشروبات، قطونيل، دايس)، وذلك لانتهاك مضمونها للكرامة الشخصية، وعدم احترامها للذوق العام والعادات والتقاليد المجتمعية وخروجها على الآداب العامة واستخدام الأطفال بالمخالفة للمواصفة القياسية للإعلانات.
وبحسب بيان الجهاز، تبين أن إعلان شركة "جهينة" تضمن إيحاءات جنسية مفهومة من سياق الكلام باستخدام “لفظ” وهو "دوندو" إضافة إلى استخدام الأطفال بالمخالفة للمواصفة القياسية للإعلان، إضافة لترويج الإعلان لنتائج غير حقيقية بأن حليب الشركة أفضل من حليب الأم، بينما تم وقف إعلان "بيريل" بسبب عرض شابًا يتطلع لكشف عورة شاب آخر أثناء قضاء حاجتهما بدورة مياه بشكل يعتبر خروجًا على الآداب العامة، كما أن إعلان شركة "قطونيل" عرض لقطات واضحة لملابس داخلية تجسد عورات مجموعة من السيدات مستخدما مؤثرات صوتية تحمل إيحاءات جنسية صريحة إضافة إلى الترويج بالمخالفة للقانون وتعريض حياة أطفال للخطر حيث تضمن الإعلان دراجة بخارية يستقلها رجل وامرأة وطفلين بدون غطاء رأس للحماية بالمخالفة لقانون المرور، أما إعلان شركة "دايس" تم وقفه بسبب ظهور جسد سيدة عارية فيه ترتدى ملابس داخلية فقط وبه العديد من الايحاءات الجنسية والتشجيع على الفجور بتبرير الخيانة الزوجية.
وبعد شن هذا الهجوم الكبير من الجمهور، ووقف الإعلانات، خرج أصحاب الشركات المنتجة لهذه الإعلانات مستنكرين ما يحدث بسبب إعلاناتهم، بل وإتجه البعض لاتهام الشعب المصري بالجهل، وان الإعلانات خالية تمامًا من أي إيحاءات جنسية واضحة وان أغلبها في سبيل الإبداع فقط لا غير، وان أي تصرف يحث على التحرش اللفظي أو الجسدي مستشهدًا بما يقال في الإعلانات، يرجع إلى أن الشعب المصري شعب يفكر بنصفه "السفلي" على حد تعبيرهم، وان الشعب لا يفكر إلا في الأمور الجنسية وليس بسبب مضمون الإعلانات وما تحتويه، وأضاف بعضهم أن ما حدث والمتمثل في وقف إعلاناتهم هو بداية العقبة في طريق الإبداع والإبتكار في الأفكار، كما أنه يعتبر تقييد للحريات مثل ما يحدث في السينما والدراما.
وأكد االلواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك أن بعض البيانات الصادرة من هذه الشركات القائمة على الإعلانات الموقوفة غير منطقية، وأنه ليس ضد ابتكار أفكار جديدة في الإعلانات، ولكن الإبتكار لا يعني "الانحطاط" على حد تعبيره، مؤكدًا أن ما حملته هذه الإعلانات يعتبر جريمة في حق الشعب المصري، وعن سبب وقف هذه الإعلانات بعد عرضها فقط وليس قبل العرض، أوضح "يعقوب" أنه ليس من حق جهاز حماية المستهلك المنع قبل العرض، لأنه لا يشاهدها من الأساس إلا بعد العرض، وبخصوص منع الإعلانات خاصةً في هذا التوقيت وانها من المرات القليلة التي يتم المنع فيها، أكد "يعقوب" أنه تلقى عدد كبير من الشكاوى على الخط الساخن من المواطنين بشأن هذه الإعلانات، ولكنه أضاف أيضًا أن مجهودات الجهاز في منع أي إعلانات ذات مضمون خادش للحياء مستمرة طوال العام.
وأوضح الدكتور هشام جمال استاذ بالمعهد العالي للسينما وخبير إعلاني ومخرج إعلانات أن ما حدث مؤخرًا على الساحة الإعلانية هو مهزلة حقيقية، وانه لابد من فرض نوع من أنواع الرقابة على المحتوى الإعلاني، حيث أنه منذ عدة سنوات كان هناك رقابة شديدة من قبل القائمين على ماسبيرو والقنوات الحكومية على الإعلان، ولكن حاليًا القنوات الفضائية لا تهتم بالمحتوى نظرًا للمنافسة الشديدة على "كعكة الإعلانات" بين القنوات الكثيرة الموجودة على الساحة، إضافة إلى أن الإعلان أصبح هو الذي ينفق على القناة، ولا يوجد حاليًا مالك أي قناة يقوم بالتدقيق في الإعلان المعروض خوفًا من خسارة هذا الإعلان، ونفور الوكالات الإعلانية منه على حد تأكيده.
وطالب هشام جمال بوجود ميثاق عمل "إعلاني" من قبل الدولة، حيث أن التليفزيون هو من أخطر الوسائل الترفيهية المجانية، خاصةً مع تسلل عادات وتقاليد جديدة وغريبة على المجتمتع المصري من خلاله، وعن ظهور هذا النوع من الإعلانات على الساحة، أكد "جمال"، أنه مع زيادة وتكدس الساحة الإعلانية، أصبحت أغلب الأفكار مستهلكة و"محروقة"، وهو ما يدفع المعلنين للبحث عن وسائل أكثر جاذبية للفت انتباه الجمهور، وهي التي تتضمن إيحاءات جنسية والفاظ ومشاهد غير متعارف عليها دون وضع اعتبار لأخلاقيات المجتمع، كما أنه لا يمتلك رقابة ذاتية، وبخصوص ردود بعض المعلنين قال: "احنا مش مجتمع مريض بس في حاجة اسمها إحترام لحرمة الشهر الكريم".
وأضاف "جمال" أن هذه الأفكار التي تتخطي الخطوط الحمراء تبتلع المنتج، حيث أن الشكل الفني فيها يطغي على الهدف التسويقي الأساسي، وهو ما يعتبر فشل في المادة التسويقية والإعلانية، وهو ما حدث في إعلان "جهينة"، حيث يري جمال أن الفكرة ظلمت المنتج بشكل كبير لأن التركيز كان مع "الإفيه" وليس مع المنتج ذات نفسه، هذا بجانب إدخاله مصطلح جديد وخادش للشعب المصري، ما تسبب في أستخدامه استخام صادم وخاطئ.
ويري الدكتور سامي عبد العزيز عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، أن الرأسالمالية هي التي أصبحت متحكمة في السوق الإعلاني، و"دائمًا الإبداع محل جدل"، مؤكدا أن ما لا يمكن أن يكون محل جدل هو استخدام الألفاظ الخادشة للحياء أو اللقطات المسيئة لقيم المجتمع، خاصةً أن الإعلانات تعرض على وسيلة جماهيرية تدخل البيوت.
وأضاف عبد العزيز أنه نتيجة غياب تطبيق مواثيق الشرف الإعلامية، ونتيجة أن الوكيل الإعلاني أصبح يفرض كلمته على القنوات، وأيضًا بحثاُ عن تعويض حجم الإنتاج والمصروفات الضخمة في وسائل الإعلام، أصبحت هذه الوسائل تقبل أي نوع من الإعلانات على الرغم من علمها بتجاوز هذه الإعلانات، وقال عبد العزيز: "اطالب بضرورة الإسراع بإصدار القوانين المنظمة لصناعة الإعلام والتي من بينها صناعة الإعلان".
وطالب عبد العزيز أن تعرض الإعلانات قبل عرضها على جهاز حماية المستهلك، خاصةً أن الإعلانات تضم شق صحي وشق قانوني وشق إبداعي، كما طالب بوجود رقابة داخل القنوات تشرف أيضًا على هذه الإعلانات، وعن بيانات شركات الإعلانات، أكد عبد العزيز أنه من الطبيعي أن يدافع كل طرف عن وجهة نظره، وفي هذه الحالة، اقترح عبد العزيز وجود ما يسمي بالبحوث الدورية التي تقوم بقياس اتجاه الجمهور نحو الإعلانات، وفي هذه الحالة يتم إجبار والزام القنوات على عرض الإعلان من عدمه وفقًا لقرار الرأي العام، حيث أن الرأي العام يعتبر أقوي من اَراء أخرى، خاصةً أن معه يصبح المعلن أمام خطر عدم الإقبال على سلعته.