البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

"مستشارة الخراب".. بين الجهل والبحث العلمي


ملامح الصورة العامة للأحداث التى شهدتها مصر عبر الخمس سنوات الماضية اتضح الكثير من معالمها الحقيقية داخل أهم المؤسسات المؤثرة فى القرار الأمريكى.. مجلسى الشيوخ والنواب «الكونجرس» ثم وزارة الدفاع «البنتاجون».. خلافا «للعزف النشاز» الذى ما زالت تردده إدارة البيت الأبيض بقيادة رئيسها أوباما المنتهية ولايته العام القادم ولم يعد يجد آذانًا صاغية سوى مراكز الأبحاث والدراسات المنتشرة فى أمريكا والتى تصدر يوميا تقاريرها النظرية وتقيم ندواتها عن كل شئون العالم -تحديدا مصر- دون أن تجرؤ على الاقتراب مما يحدث داخل حدود القارة الأمريكية. معهد «كارنيجي» الدولى للسلام يزعم لنفسه مكانة علمية تفرض على الباحثين العاملين به الارتقاء عن الممارسات الاستعراضية.. لكن يبدو أن الدبلوماسية السابقة وكبيرة الباحثين فى المعهد حاليا ميشيل دان ما زالت تعانى من آلام غطرستها وإصرارها على كسر القوانين -فى مصر طبعا وليس أمريكا! وأصرت على عدم الحصول على التأشيرة المصرح بها لدخول المنافذ المصرية ليتم ترحيلها من مطار القاهرة.. دان كتبت مؤخرا «تحليلا» نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» لا يخرج عن إطار الرأى الشخصى مقارنة بقواعد أى بحث علمى عن مقارنة ساذجة للوضع فى مصر حاليا مع ما قبل ثورة ٢٥ يناير خلال الأشهر الأخيرة لحكم حسنى مبارك! التحليل كُتِب وفق نفس الرؤية القاصرة للباحثة والدبلوماسية التى سبق لها العمل مع طاقم مستشارى الرئيس بوش الابن بعد أحداث ٩-١١-٢٠٠١ ثم ظهرت للعالم تداعيات «نجاح» هذا الطاقم فى إدارة الحرب على إرهاب تنظيم القاعدة وفق شهادة الكاتب الأمريكى بوب ودورد المقرب من كواليس صنع القرار الأمريكى فى كتابة «خطة الهجوم».. بعدما انتهى الطيران الأمريكى من قصف معسكرات القاعدة فى أفغانستان التفت وزير الدفاع آنذاك «رمسفيلد» إلى بوش متسائلا «لقد انتهينا من قصف كل المواقع المعروفة لدينا فى أفغانستان.. ماذا بعد؟» رد عليه بوش ببساطة «لماذا لا نتجه إلى العراق إذًا كهدف آخر!».. ميشيل دان تكتب تحليلاتها عن الشأن المصرى وفق الرؤية ذاتها السطحية لمستشارى بوش التى قدمت للعالم أشرس التنظيمات الإرهابية من القاعدة إلى داعش. أول الأكاذيب عن مقارنة الانتخابات البرلمانية الأخيرة بتلك التى جرت عام ٢٠١١ هى عدم تمثيل البرلمان لكل المصريين.. إن دان لا تعترف باختفاء التزوير الذى غلب على انتخابات ٢٠١١.. وهو ما أقرته حتى أكثر المؤسسات «تحفزا» ضد مصر.. كما أفاضت فى وصف دور المال السياسى فى صياغة هذا البرلمان.. السؤال فى المقابل هل تملك دان وثائق تثبت أن الكونجرس يمثل كل شعب القارة الأمريكية؟ ليس سرا أن الصفقات السياسية والمالية تحكم إلى حد كبير نتائج انتخابات الكونجرس سواء فى الحزب الجمهورى أو الديمقراطى.. أيضا من الحقائق التى لا تحتمل النفى الدور المؤثر للمال السياسى على الانتخابات الرئاسية والذى من غير المستبعد أن يدفع أى ملياردير غريب الأطوار مثل دونالد ترامب أو غيره من المرشحين إلى البيت الأبيض حينها هل سيصدر عن معهد «كارنيجي» وميشيل دان تحليلات حول عدم تمثيل الانتخابات الرئاسية لكل فئات الشعب الأمريكي؟! أو عن لعنة المال السياسى التى غلبت عليها خصوصا أن حادثة التزوير الشهيرة خلال انتخابات الفترة الثانية لولاية بوش لعبت دورا كبيرا فى فوزه ما زالت حاضرة فى ذاكرة المتابعين للانتخابات الرئاسية. التحليل لم يحمل جديدا فى تكرار «الأسطوانة المشروخة» حول سقوط التيارات الإسلامية والسلفية فى الانتخابات نتيجة «الإقصاء».. هنا لا يعنى «كبيرة» الباحثين فى المعهد الالتزام بمعايير البحث العلمى الدقيق فى إيضاح الكلمة.. هل الإقصاء تم من الدولة - كما تزعم دان - أم من شعب احتشد فى كل شوارع مصر منذ ثلاثة أعوام فى مشهد صدر أمام العالم ولا تجد له دان صفة علمية سوى كلمة «انقلاب»!
بعيدا عن أى حساسية أو تحفز تجاه النقد الموضوعى من المستحيل اعتبار ما ذكرته دان أن الرئيس عبدالفتاح السيسى المنتخب بإرادة شعبية صادقة يستغل إجراء الانتخابات لمجرد الإعلان أمام العالم انتهاء المرحلة الثالثة من خارطة الطريق نحو بناء دولة ديمقراطية يرتقى إلى تحليل يصدر عن مركز علمى يتحرى الدقة والمنطق حتى لو كان هذا المركز فى الصومال - مع الاعتذار للدولة الشقيقة- النجاح الذى حققه عالميا النشاط الدبلوماسى للرئيس السيسى عبر الأعوام الماضية تجاوز مراحل إعطاء المبررات بعدما أصبحت الصورة واضحة المعالم أمام المجتمع الدولى.
دان أيضا تفرد مساحة كبيرة من تحليلها لتذكير الرئيس السيسى بضرورة قمع إرادة الشعب المصري -بل العربى أيضا- عن طريق فرض إجراء مصالحة مع «عصابة البنا» وقبولهم فى المجتمع بعد كل الدم البرىء الذى أراقوه!.. دان لا تريد الارتقاء من صفة «مستشارة الخراب» إلى مرتبة البحث العلمى بدليل ترديدها السمج –دون بذل عناء تقصى الحقيقة- لكل أكاذيب «عصابة البنا» عن غلاء الأسعار وتجاوزات الشرطة وكأن أخبار الإجراءات الحاسمة التى اتخذتها الدولة وأدت إلى احتواء الأزمة لم تحصل بعد على تأشيرة دخول إلى عقول باحثى معهد «كارنيجي».. ولا أخبار تقديم أى ضابط فى وزارة الداخلية إلى العدالة فور ثبوت تورطه فى أى حالة تجاوز.. وهى فى مصر -خلافا لما يحدث فى أمريكا من تجاوزات- ما زالت تندرج ضمن الحالات الفردية.. كما لا يفوت على دان التباكى على غياب عناصر نصّبت نفسها رموزا لثورة ٢٥ يناير على أكتاف تضحيات قدمتها مختلف فئات الشعب.. والكارثة أن هذه العناصر أخفقت فى تقديم أى رؤية سياسية لمرحلة بناء ما بعد الثورة ولم تنشط «سياسيا» إلا فى ترديد الهتافات الداعية إلى الإسقاط والفوضى. أخيرا.. هنيئا على مراكز ومعاهد الأبحاث الأمريكية التى ما أنزل الله بها من سلطان انضمام علاء الأسوانى لها.