البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

علامات الاستفهام تحيط بمشهد من فيلم «الليلة الكبيرة»

البوابة نيوز

من الجيد أن تُشاهد عملًا فنيًا يترك تساؤلات تخلق حالة حوار عامة بداخلك، إما عن شكل العمل أو عن مضمونه أو عن طريقة التعبير الفنية للفكرة، وهو ما حدث بالضبط قبل وبعد عرض فيلم «الليلة الكبيرة» للمخرج سامح عبدالعزيز ومن تأليف أحمد عبدالله ومن إنتاج المُثير للجدل أحمد السبكى.
الفيلم منذ اختياره ضمن قائمة أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى في دورته السابعة والثلاثين حمل الكثير من الجدل، خاصة على خلفية اشتباك لفظى لمنتج الفيلم أحمد السبكى مع الإعلامي وائل الإبراشى أثناء مداخلة تليفونية شهيرة، كانت سببا في عشرات الدعوات بمقاطعة أفلام السبكى وإنتاجاتها.

ربما تلك الأسباب وغيرها كانت دافعًا لتواجد بل وتزاحم الجمهور لمُشاهدة الفيلم إضافة إلى أنها عادة تتكرر إذا ما شارك فيلم مصري بمسابقة المهرجان كما حدث العام الماضى مع فيلم «باب الوداع» للمخرج كريم حنفى، أو فيلم «ديكور» للمخرج أحمد عبدالله السيد والذي شارك من خلال قسم عروض خاصة، ولكن مع الاختلاف الشديد بين الثلاثة تجارب، ففيلم كريم حنفى هو فيلم جدير بالمشاركة الرسمية ليس فقط بمهرجان القاهرة ولكن بكثير من المهرجانات الدولية العريقة لما يحمله من عوامل الجودة الفنية على مستوى التصوير والإخراج وطريقة معالجة الفكرة وهو ما لم يحدث للأسف مع فيلم الليلة الكبيرة ولا أقصد بهذا أنه فيلم غير جيد لكنه بمنتهى الأريحية فيلم لا يصلح للمشاركة بالمسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى.

انطلاقًا مما سبق يبدو طرح أول سؤال أو تساؤل منطقيًا بعض الشيء ألا وهو «من المسؤول عن اختيار فيلم الليلة الكبيرة لتمثيل مصر بالمسابقة الرسمية للمهرجان؟» هل كما تردد هي إدارة المهرجان الجديدة التي اعتقدت أن مشاركة مصر بفيلمين في المسابقة الرسمية هو أمر يُزيد من أسهمها ويُعضد موقفها، وإن كان صحيحًا فما حدث كان العكس تمامًا فإلى الآن لا أستطيع أن أتخيل كيف لأحد أعمدة الثقافة السينمائية وأحد أهم شيوخ النقد السينمائى في مصر «يوسف شريف رزق الله» بما أوتى من ثقافة وتجربة عريضة ومشاهدات ثاقبة ألا يجد عيبًا أو غضاضة في مشاركة فيلم «الليلة الكبيرة» بالمسابقة الرسمية للمهرجان، أم أنها لجنة المشاهدة والاختيار بالمهرجان، وإن كان ذلك فكيف لنفس اللجنة التي اختارت فيلم أنا جندية «الشمس الساطعة» أو «مدام كوراج» أن تختار فيلم «الليلة الكبيرة» للمشاركة، بل ربما للمنافسة على جوائز المسابقة الرسمية.

ثانى التساؤلات: وهو ما الذي يجعل فيلم «الليلة الكبيرة» فيلمًا لا يصلح للمشاركة بالمسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة؟ ربما تبدو الإجابة عن هذا التساؤل مركبة بعض الشيء، حيث تتلخص في غياب بعض العناصر الفنية كالحبكة والصراع في حين عدم وضوح بعض آخر مثل تطور الشخصيات وأزمة كل شخصية، فمنذ بداية الفيلم وحتى مُضى ساعة ونصف من زمن الفيلم البالغ ساعتين لا نستطيع أن نحدد طبيعة الصراع داخل الفيلم هل هو صراع رئيسى عام يتمثل في عملية بيع الأرض التي تُقام عليها احتفالية الليلة الكبيرة بما فيها أرض مقام أحد الأولياء، والذي يقصده القاصى والدانى سواء للتشفع لهم أو لتلبية رغباتهم ومدى تأثير تلك الخطوة على مسار أحداث الفيلم وشخصياته، إلا أننا نجدها نقطة هامشية على هامش أحداث الفيلم وليست ذات تأثير.

أم أنه صراع منفرد لكل شخصية على حدة، يتقاطع في نقطة تماس ما، حيث يجتمعون في نفس المكان وفى نفس الزمان ونفس الوقت، إلا أن هذا لم يحدث أيضًا، في حين تم ربط شخصيات الفيلم قرابة نهاية الفيلم ربطًا ميلودراميًا مُستلهمًا من ميلودراميات السينما المصرية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، حينما يكتشف عمرو عبدالجليل مثلًا أنه تزوج ابنته!.
كذلك تختفى الأزمة التي يجب أن تعيشها أو تواجهها الشخصية فعلى سبيل المثال لم يكن مُبررًا أن تفعل وفاء عامر كل ما فعلته بابنتها زينة التي تُنجب فعليًا وليست عاقرًا حتى تكون نهايتها الموت، وعلى مدى أحداث الفيلم يحاول المُشاهد جاهدًا معرفة أزمة أيتن عامر في محاولة لتبرير تصرفاتها تجاه ما تعانيه هل أزمتها في إجبار والدها لها على ارتداء النقاب أم لعدم شعورها بجمالها أم لعدم وجود من يُشعرها بجمالها وأنوثتها ثم انجرافها في علاقة عاطفية مع وائل نور والتي تعلم جيدًا طبيعة عمله كقواد ولكن بعقود زواج عرفى ومسيار وكيف لها التجاوب معه بكامل إرادتها وتخطيطها هل تنتقم من نفسها أم من والدها وكيف وهى تحبه ولا تريد له الفضيحة ثم كيف وكيف وكيف، وصولًا إلى شخصية أحمد رزق وما بها من تسطيح حتى أننا لم نستوضح هل هو مريض نفسيًا أم هو مُصاب بخلل عقلى أم أنه فقط يقع تحت ضغط ما فعلته به وأمامه أمه وهو طفل صغير وإن كان كذلك فهل لعقدة عذبته وأثرت عليه كل تلك السنوات أن تنحل لمجرد أن أعطته أمه قالب ذرة في آخر الفيلم وسألته أن يسامحها عما فعلته به؟!

تخير سيناريو الفيلم منذ البداية طريقة لسرد الأحداث تعتمد على الحوار، فقرر يُصارح المُشاهد بكل شىء منذ البداية، وأن يُفسر له كل تصرف دون عناء مثل الحوار الذي دار بين أيتن عامر ووالدها سامى مغاورى عن سبب إجباره لها على ارتداء النقاب.
أما شخصية أحمد رزق ظلت وحتى المشهد الخامس لها تنطق بنفس الحوار موجهًا كلماته لوالدته صفية العمرى مع استخدام معظم مترادفات كلمة «فاجرة» في كل مشهد منها ليعى المُشاهد منذ مشهدهما الأول أن عقدته هي أمه، وليعرف بالضبط منذ المشهد الأول أيضًا ماذا فعلت أمه ثم يتكرر ذلك مع كل مشاهدهما معًا حتى مشهدهما الأخير.
تكرار الموشحات والأغانى الشائع استخدامها في الموالد بل حتى الاستعانة بلقطات حية من موالد حقيقية بغرض الإمعان في الواقعية لم يضف للفكرة ولم يُساعد على تأصيل روح المولد بشكل عام.

تُبلور نهاية فيلم الليلة الكبيرة مقولة «الجزاء من جنس العمل» حتى أن صبرى فواز يُذكر محمد لطفى بأنه لو كان أعطى له لقمة عيش ما كان قُطع عيشه، حيث تموت زينة ابنة وفاء عامر بدلًا من أن تنجب لها ولزوجها ولدًا، ويُطرد محمد لطفى من عمله بدلًا من أن يستحوذ عليه، أن يكتشف عمرو عبدالجليل أن من تزوجها هي ابنته، أن يرى سيد رجب ماله يُسرق ويُبعثر أمامه ربما لتغاضيه عما كان يفعله ابن أخيه وائل نور في اللوكاندة التي يملكها، ثم يضم المشهد الختامى للفيلم جميع أبطاله مجتمعين تحت ماء المطر في محاولة للتطهر.
استطاع كل من المخرج سامح عبدالعزيز والسيناريست أحمد عبدالله قراءة الواقع المصرى ومخاطبة طبقة السواد الأعظم من المصريين وللحق فقد نجحا في ذلك في تجاربهما السابقة معًا من خلال فيلم كباريه ثم الفرح وأيضًا مسلسل بين السرايات، وأعتقد أنه ما سيحدُث أيضًا عند طرح الفيلم للعرض التجارى، حيث تتوافر العوامل التي تضمن له ذلك مثل أحداث اليوم الواحد وتعدد الشخصيات ومن ثم تعدد الممثلين بالفيلم ثم إفيهات عمرو عبدالجليل ووائل نور، وهى بالضبط الأسباب التي تجعل فيلم الليلة الكبيرة فيلمًا جيدًا ولكنه للاستهلاك المحلى فقط.