البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

هل الدولة في مصر ضعيفة؟


الإجابة.. من أول جملة حتى لا نقع فى أخطاء تزويق الكلام، أو تجميل المعانى هي- بقول واحد- نعم.. ومرة أخرى: نعم..!
وضعف الدولة- فى حالتنا- لا يجيء من هشاشة الهياكل السياسية أو الإدارية المنوط بها إنفاذ القانون، ومحاصرة جيوب العشوائية والفوضى وتصفيتها.
ولكن ضعف الدولة يأتى من ملبنية إرادتها السياسية وتراخى قبضتها، وارتعادها أمام تهديدات العملاء والبلطجية والجواسيس بحشد الناس ضدها، وقلب كل شيء رأسا على عقب فوق رأسها، والتلويح الدائم والمزمن بإعادة إنتاج سيناريو عملية يناير ٢٠١١ الذى ركب صهوة احتجاج اجتماعى (لم يكن هدفه إلا إصلاح يعيد للناس بعض الحقوق) والسعى بتلك الركوبة إلى تنفيذ مخطط هدم الدولة بمؤسساتها العمد (الجيش+ الشرطة+ الإعلام+ القضاء+ المخابرات).
وعبر ذلك التواجه الذى قاد فيه العملاء كتلة الاحتجاج الاجتماعى المكتظة لتكون إحدى أدواتهم لهدم الدولة، كانت كتائب الظلاميين المتأسلمين بالمرصاد، وتحينت تلك الفرصة الذهبية التاريخية لتفرض سطوتها وتحتل صدارة المشهد.
على أي حال فقد تتابعت الحوادث وصولا إلى ثورة ٣٠ يونيو العظمى، ولكن بعدها وفى عهد عدلى منصور تم تمكين مجموعة كبيرة جدا من أعداء البلد والدولة، إما بواسطة البرادعى أو عدلى منصور نفسه، وقد جعل أولئك الناس دأبهم الأساسى تعويق الدولة، وكسر إرادتها أمام مواطنيها، وتهيئة الساحة لتكرار ما جرى فى يناير ٢٠١١.
ولما جاء الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى سُدة القيادة، بدا واضحا من أحاديثه وتصريحاته التى تواترت أثناء الحملة الانتخابية وبعدها عن أن (استعادة الدولة) هى هدفه الذى يحتل أولوية ليست قبلها أولويات.
ولكن (استعادة الدولة) هى شعار سياسى معلن، أما كيف يتحقق ذلك الشعار فذلك أمر آخر.
إذ إن استعادة الدولة لن تتحقق باستمرار وجود عناصر الإخوان الإرهابيين فى مؤسسات الدولة وفى الإعلام على وجه الخصوص، وحين نتحدث عن وجود عناصر الإخوان الإرهابيين فوق كراسى مراكز حاكمة فى أداء مؤسسات الدولة، فإن ذلك لا يعنى أعضاء تلك الجماعة الإجرامية المنضوين (تنظيميا) تحت لوائها، ولكنه يعنى المتعاطفين معها، أو الذين صاغوا معها أواصر علاقات فى الخفاء، وبالذات من الإعلاميين والصحفيين، والذين رغم تسرب أنباء الأدوار التى أنيطت إليهم ضمن شبكات خيرت الشاطر لإدارة الإعلام، فإنهم وجدوا فى أنفسهم الجرأة والصفاقة التى تسمح بظهورهم الآن على صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات ليتحدثوا عن أدوارهم المشهودة فى ثورة ٣٠ يونيو، والوقوف فى وجه الإخوان!!
هيبة الدولة واستعادة حضورها لا تعنى وجود عناصر الطابور الخامس التى لعبت أدوارا لخدمة أجهزة المخابرات الدولية فى عملية يناير ٢٠١١ وما بعدها، والتحق بها رهط من هليبة الجمعيات الأهلية، ومجموعات من المتحولين سياسيا الذين لا يوثق فى ثبات مواقفهم المعلنة لصالح الدولة إلا من كل هبيل ساذج، ومن أولئك إعلامية إخوانية ادعت انقلابها على الإخوان، وارتمت فى حضن الدولة الجديدة، مدعية أنها من كبار مؤيديها، وأصبحت تحظى بدعم الأجهزة السيادية التى دفعتها لتقدم عددا من البرامج التليفزيونية والإذاعية، ولتكتب فى أربع جرائد قومية وخاصة.
مثل تلك النوعية توضع- بكل ارتياح- فى خانة الطابور الخامس، وسوف تنقلب على دولة السيسى إذا لاحظت أية بادرة لتغيير الأوضاع، ومثلها كذلك لا يتمتع بأي مصداقية، ومن ثم فإن استمرارهم يؤدي مباشرة إلى اهتزاز (استعادة الدولة) على أى مستوى من مستوياتها.
ثم إن (استعادة الدولة) لا تتحقق بسيطرة بعض الزمر والشلل السياسية (الحلقية) المغلقة على نفسها (فى شكل حلقات) تضم أصحاب الاتجاه الواحد، كما حدث فى المجلس الأعلى للصحافة وعمقه الاستراتيجى فى نقابة الصحفيين.
إذ على الرغم من عدم اختلافى أو عدائى للشلة السياسية المسيطرة هنا أو هناك، (أيديولوجيا أو سياسيا) فإننى أرفض أساليبهم فى تصعيد النكرات والمجاهيل لمجرد ارتباطهم بالاتجاه السياسى السائد فى مثل تلك الأوعية، وقد صارت عملية الهيمنة على المؤسسات القومية المنظمة لعمل الصحافة والإعلام أشبه بعملية اختطاف تضرب فى مقتل فكرة (استعادة الدولة)، وبدا أحد المشاهد التى توالت- مؤخرا- فى فضاء تلك المؤسسات مذهلا فى سياق حديثنا.
إذ قام مسئول بالمجلس الأعلى للصحافة بإخراج ورقة من جيبه فيها أسماء بعينها قام بالمد لها فى رئاسة بعض المطبوعات لبلوغها سن المعاش.
ورغم اعتراض أربعة من أعضاء المجلس على فعلته، لأن تلك الأسماء لم يأت ترشيح بالمد لها من مؤسساتها، فإن الرجل راح- سادرا فى غيه- يستكمل إجراءات المد لهم، وكأن المشهد كله هو تكرار لما كان يحدث أيام صفوت الشريف.
هكذا يُضرب مفهوم (استعادة الدولة)، ويترسخ مفهوم الدولة الضعيفة!
هناك مجهود رائع فى مشهد مقاومة الإرهاب تقوده القوات المسلحة، والشرطة المصرية، وقد سقط فيه مئات الشهداء من ضباطنا وجنودنا حتى الآن.
وهذا المجهود يصب فى خانة استعادة الدولة، ومعه كذلك اضطلاع النظام بعدد من المشروعات القومية العظيمة التى تقول إن الدولة تعيد الإمساك بتلابيب السيطرة على المجتمع عن طريق القيام بمسئولياتها الاجتماعية تجاه مواطنيها، وهذا أول خيوط استعادة الدولة، ولكن المخاطر ما زالت كامنة فى جسد تلك الدولة نفسه، وهى التي- فى التحليل الأخير- تؤدى إلى ضعف تلك الدولة، والتى لن تبرأ من ذلك الضعف، ما لم تنتفض فى حركة تصحيح وإصلاح كبرى تزيل عن جسدها كل الأدران والعلل التى أجلت مواجهتها بأطول مما ينبغي!