البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مسرح "الغيبوبة"


أحمد بدير فى مسرحية «غيبوبة»، التى يقدمها حاليًا المسرح الحديث، إحدى فرق مسرح الدولة، هو البطل الذى تقدمه المسرحية كرمز للإنسان المصرى الحقيقى، وهى تقدمه كإنسان فقد وعيه.. (هل تذكرون «عودة الوعى»؟)، ودخل فى غيبوبة طويلة، ابتداء من نهار ٢٥ يناير سنة ٢٠١١، فقد أصيب فى ميدان التحرير وفى خضم الثورة، التى بدأت باندلاع مظاهرات ذلك النهار فى الميدان، لكنه أصيب مصادفة، إذ كان فى طريقه إلى مبنى «المجمع» بالميدان، لأن لديه مصلحة عليه أن يتم إجراءاتها فى المبنى.
فهكذا تبدأ أحداث المسرحية وحكاية بطلها، أى تبدأ بمحاولة الترويج للقول بأن الإنسان المصرى الحقيقى ليس له أى مصلحة أو علاقة حقيقية «بأحداث ٢٥ يناير»، وإنما مثله، إذا مر يومها بالميدان: فبالمصادفة البحتة، كما أن الوصف الذى ذاع بعدها وهو فى غرفة العناية المركزة بالمستشفى بأن الرجل هو المصاب الأول فى أحداث الثورة إنما هو مصادفة بحتة، ثم وصفه بأنه «أول شهيد للثورة» بعد أن فقد الذاكرة وامتدت به الغيبوبة حتى اعتقد الجميع بموته إنما هو مصادفة بحتة..!!.
المسرحية التى كتبها محمود الطوخى وأخرجها شادى سرور، هى المعادل المسرحى الواضح، لكل التقولات التى يروجها نفر ليل نهار عبر مختلف الوسائط، فى إطلاق كل صنوف السباب على ثورة ٢٥ يناير، ووصفها بأنها مصيبة المصائب، مع تسميات فجة فظة للتشويه، من شاكلة (٢٥ خساير، وكسة أو نكسة يناير.. إلخ!).
كما تقدم المسرحية معادلها وتجسيدها عبر شخصيات، لوصف مجموعة ٦ إبريل (بل كلها ومن دون أى استثناءات).. بأنها: «٦ إبليس».. وفى الحقيقة فإن المسرحية لا تقصر هذا الوصف على أعضاء هذه الحركة فحسب، بل تعممه على كل من شارك فى ثورة ٢٥ يناير أو دعمها.. وبالتسمية الواضحة وعبر تجسيد شخوص (من نشطاء حقوق الإنسان.. إلى مجموعات الأولتراس.. إلخ)، فكلهم أبالسة وشياطين.. بل نرى بينهم «قوادين» بكل معنى الكلمة، فنشاهد فى المسرحية الخيمة فى ميدان التحرير، التى يجهزها بعض هؤلاء، كمكان لممارسة البعض للدعارة..!!.
أما الشهداء، فتدور مشاهد عدة مملة، تركز المسرحية من خلالها على المتاجرة بالشهداء، والتحايل تلو الآخر للحصول على «مكافأة الشهيد».. من جهة أمهات وأسر تدعى أن أبناءها شهداء لمجرد الحصول على المال!.
ويرد فى حوار المسرحية أن: (يناير هى اللى جابت الإخوان)، فتروج ضمن من يروجون، وهو نفس ما تروجه جماعة الإخوان اليوم: أنهم يناير.. وينايرهم!!. فى تضليل وكذب مفضوح، بينما المعروف الثابت أنهم فى كل تراثهم (أكثر من ٨٠ سنة) لم يعرفوا معنى أو مصطلح «الثورة»، وأنهم آخر من التحق بصفوف وجموع ثورة يناير وأول من خرج من اصطفافها، وأخطر وأخبث من خرج عليها وحاول سرقتها، لولا ثورة الشعب بأعظم همة وهبة وأوسع زحف فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لاستنقاذ ثورته العظمى فى ٢٥ يناير ٢٠١١.
وتنتهى المسرحية بتخلص المصريين من حكم الإخوان، وبظهور السيسى على شاشة عرض كبيرة يلقى فقرة من أحد خطاباته، فتنتهى بذلك غيبوبة بطلها، ويبدأ الإفاقة وسط الفرحة، و«علم مصر».. و«تحيا مصر»!. ولقد تصور صناع المسرحية المساكين أنهم يصنعون إبداعًا وفتحاً، فى عالم التكوين والإمتاع البصرى والدلالة الرمزية، ابتكارًا غير مسبوق بأن يقف بطل العرض وإلى جواره رجلان.. وكل من الثلاثة يرتدى زيًا بأحد الألوان الثلاثة لعلم مصر.. وسط إيماءات ومحاولة فجة لاستجداء تصفيق الجمهور.
وقد حاولت المسرحية مثل هذا الاستجداء مراراً.. فى أحيان بأداء ميلودرامى بدائى، وأحيانًا بشعارات وطنية تتردد من دون روح، وأحيانًا بابتذال وإسفاف لا حدود لقبحهما سواء باللفظ أو الحركة.. (ومن مشاهد الابتذال اللعب بكلمة «حمرا» طويلًا فى مشهد كامل).
إن الذى يبحث فى مسرحية «غيبوبة»، عن وجود ما لأحداث درامية متدفقة أو مقنعة ولو فى الحد الأدنى للدراما فإنه لن يجد!.. والذى يبحث عن تكنيك مسرحى ملفت أو حرفية مسرحية يتوفر فيها حتى الحد الأدنى من العناية فإنه لن يجد!.. والذى يبحث عن تمثيل أو ديكور أو إضاءة إلى ما غير ذلك من عناصر العملية المسرحية، فإنه لن يجد إلا أكثر المستويات هزالًا وبدائية.. والذى يبحث عن أى رؤية فكرية أو سياسية متماسكة أو لها منطقها وحججها، حتى بصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف معها.. فإنه بالقطع لن يجد!.