البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

المعارضة في سوريا.. «غوانٍ يغرُّهن الثناء»


لا أعرف من هو الشخص العبقرى الذى تفتق ذهنه فأبدع وصفا رائعا عن المارقين وباعة الأوطان، عبر به عن أسوأ ما فى أعماقهم، عندما يرقصون طربا على المديح لهم فى ذواتهم وتاريخهم النضالى العظيم، بالضبط مثلما تذوب القبيحة عشقا فى الذى يصفها بالجمال والدلال وحسن القوام، فصك الحكيم الذى لا أعرفه ببراعة مأثورته الخالدة «الغوانى يغرُّهن الثناء»!!
ربما يتساءل البعض ما العلاقة التى تربط بينهما؟
ولماذا اخترت تلك المفردات دون غيرها؟
ولهؤلاء أقول: «الغوانى» فى الحانات وعلب الليل لا يختلفن كثيرا عن «غوانى» السياسة ومحترفى التنقل على موائد اللئام فى عواصم الغرب، فكلاهما يطرب للمديح سواء اللاتى يبعن أجسادهن لكل عابر، أو الذين يبيعون أوطانهم لكل مقامر.
تذكرت تلك المقولة المأثورة والمتداولة فى أدبياتنا ومفرداتنا الشعبية، وأنا أتابع باهتمام مثل غيرى كيف تتعامل حكومات الغرب مع ما يطلق عليهم رموز المعارضة السورية وقادة التنظيمات الإرهابية المنتمين إلى «داعش» وما يسمى بالجيش الحر، حيث يتم توجيههم بالاستمرار فى إطلاق الاتهامات ضد النظام من الغرف المكيفة فى فنادق أوروبا، ودعمهم لكى يكونوا طرفا فى مفاوضات الأزمة السورية، رغم أنهم صناع تلك الأزمة التى بدأت بزعم العمل الثورى لإسقاط النظام.
هؤلاء صدقوا بفعل الإطراء أنهم مناضلون ومعارضون حقيقيون وليسوا كما فى الواقع مرتزقة مأجورين يؤدون دورا مرسوما لهم، يقود للخراب ويهدف إلى إسقاط الدولة السورية وتقسيمها على أساس عرقى ومذهبى، وفق استراتيجية أمريكية صهيونية يجرى تنفيذها على الأرض بصورة جدية.
إن غاية ما أريد قوله فيما يخص المعارضة التى تعددت أشكالها وتنوعت مقاصدها لخدمة أغراض إقليمية وأخرى غربية، هؤلاء ليسوا سوى أدوات يتم استخدامها بالمال والظهور الإعلامى عبر الترويج لهم بأنهم مكون رئيسى فى القوى الوطنية وهم الأنسب لحكم سوريا بدلا من بشار، فكان من الطبيعى أن يغرهم الثناء والمديح والإطراء بأنهم يدافعون عن الحريات وحقوق الإنسان.
رؤيتى فى هؤلاء لا تعنى بالضرورة أننى أناصر «بشار الأسد» أو أؤيد نظامه، إلى جانب أننى لم أضبط نفسى يوما متلبسا بالتعاطف معه أو مع غيره من الحكام العرب. رغم القناعات الراسخة فى ذهنى أن ما يحدث فى سوريا وغيرها من البلدان العربية هو صناعة أمريكية أوروبية خالصة لتحقيق مخططات استراتيجية معدة سلفا، لكن تلك القناعات لا تمنع بحال من الأحوال إدانة هؤلاء الحكام، لأنهم تورطوا فى صناعة ما جرى للمنطقة بأكملها بانصياعهم للرغبات الأمريكية وتمويل التنظيمات الإرهابية.
فالمشهد السورى به من تعقيدات المصالح الدولية ما يجعل المنطقة بأسرها على صفيح ساخن، خاصة إذا علمنا أن تنظيم داعش الإرهابى لا ينفصل بطبائع الأمور عما يسمى بالجيش الحر، فكلاهما شىء واحد، يواجه مؤسسات الدولة بالسلاح الأمريكى ويتدرب أفراده فى تركيا، ومدعوم بالمال القطرى، إلى أن توغل وأصبحت له سطوة على الأرض، استنزفت قدرات الجيش السورى فى حروب استمرت ٥ سنوات كاملة.
إن متابعتى للشأن السورى تؤكد بما لا يدع مجالا لأى شكوك على الأقل بالنسبة لى أن أطرافا إقليمية لعبت دورا مشبوها فى كل ما يجرى بداية من الحديث عن ضرورة رحيل بشار عن الحكم، وتكريس مصطلح «المعارضة» على الخونة الذين باعوا وطنهم فى أسواق النخاسة العالمية، وليس نهاية بالانزعاج المعلن من الضربات الروسية الأخيرة ضد «داعش».
المثير للدهشة فى كل ما يجرى عدم انتباه الأنظمة الحاكمة إلى أن المخططات الأمريكية لا تهدف إلى تقسيم سوريا وحدها، لكنها تشمل كل البلدان فى المنطقة بما يشير إلى تهديد بقائهم على مقاعدهم، ومن هنا تأتى ضرورة الحفاظ على الدولة السورية، باعتبار أن هذا المصطلح تعبير شامل جامع عن الرؤية الصادقة تجاه حل الأزمة، بعيدا عما تحويه من تفاصيل هامشية غرقت فيها أطراف إقليمية بدوافع تصفية الحسابات الشخصية، ومخططات قوى دولية متصارعة لأجل مصالح استراتيجية متنافرة.
فالأمر برمته بالنسبة لتورط بعض القوى الإقليمية ناجم -وفق ما يتردد منذ سنوات فى الأوساط السياسية- عن تطاول الأسد على بعض الأنظمة الحاكمة ووصفه لهم بأنهم أشباه رجال، فالجميع توقف أمام النظرة الضيقة للأمور، دون إدراك أهمية بقاء الدولة متماسكة بمؤسساتها، فالقضاء على الجيش السورى جريمة فى حق الأنظمة التى تورطت والشعوب التى ناصرت الخراب تحت دعوى الثورة ودعم المعارضة، فالدولة السورية إحدى دول الطوق والمواجهة مع إسرائيل، وسقوطها ستكون له تداعيات لا يعلم مداها سوى الله وحده.