البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

"الكداية".. قرية "آكلي حقوق البشر والتمثيل بالجثث" في الجيزة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

الأهالي: أرسلنا استغاثات لوزير الداخلية ومساعد الوزير لمصلحة الأمن العام ووزير الأوقاف، مدون بها الواقعة والشكوى من تواجد أسلحة آلية وأخرى ثقيلة مثل الجرونوف والقنابل قدرت بأكثر من 100 مليون جنيه ورغم ذلك لم يتحرك أحد.
جزيرة الكداية يسيطر عليها مسجلون خطر هاربون من أحكام وتجار مخدرات وسلاح أغلبهم من أبناء الهلايلة، وكأن قريتهم صارت مثل جزيرة جديدة بعث فيها «عزت حنفى» خط الصعيد
زوجة الضحية وهى تبكى عن آخر لحظات بينهما: أعيش على مساعدة الأهالي لى ولا أملك قوت أبنائى فقد مات من كان يرعانا وأنهت كلامها وهى تتضرع للسماء بقولها «يارب».

بعد أكثر من مرور عامين على أهالي قرية الكداية وقد عانوا من مرارة ولهيب الخصومة الثأرية التي راح ضحيتها 13 من أبنائها إلى أن انتهى الأمر بجلسة صلح حضرها كبار علماء الأزهر والأوقاف، والقيادات الأمنية.
وبعد إعلان انتهاء الخصومة بتغريم عائلة الشمنتية مليونًا و396 ألف جنيه عقب إجراء ما يسمى بالمقاصة في الدماء بين العائلتين وفقًا للتحكيم العرفى والشرعي، وتوقيع الطرفين على شروط الصلح التي يقضى أحدها بتغريم من يتعدى على الآخر بالقول أو الفعل بـ5 ملايين جنيه، تسببت واقعة قتل جديدة حدثت يوم 2015/2/16 وقام بها ملثمون من عائلة «الهلايلة» بحق أحد أبناء عائلة «الشمنتية» ويدعى صبحى عبدالعزيز، في بدء عمليات الاستعداد للاقتتال والثأر بين الطرفين، وهو ما قررت «البوابة» على إثره اختراق حصون الشر وشهوة الانتقام لتلقى الضوء وتحذر من خطورة ما يجرى هناك بين عائلتى الهلايلة والشمنتية بقرية الكداية التابعة لمركز أطفيح بالجيزة.
عقب وصولنا، بعد سفر دام ساعتين من مدينة حلوان، استقبلنا عند محطة البلدة أحد أبناء عائلة الشمنتية وفق الترتيب للزيارة، واصطحبنا معه سيرًا على الأقدام داخل قريتهم، متجهين إلى مقابلة أسر القتلى من عائلته، وقد بدا شكلنا غريبا في القرية، وهو ما لفت إلينا الأنظار بشكل مقلق، وقد تناولنا الحديث أثناء المسير عن السبب الذي أدى إلى نشوب الحرب بين العائلتين، وكانت المفاجأة أن مشاجرة بين طفلين داخل المدرسة تطورت بعد ذلك لكل الأحداث التي جرت.
قمنا بزيارة أسرة القتيل الأول ممدوح صالح من الشمنتية، الذي اعتبرت لجنة التحكيم أن قتله تم بالخطأ، وأقرت الأخيرة ٧٥٠ ألف جنيه دية كاملة لأسرته، تردد ابنه الأكبر عشرينى العمر في التصريح لنا بموقفه الحالى بعد مقتل أحد أبناء عائلته بعد إجراء الصلح رسميا، قائلا: ليس لى رأى في مقتله والأمر يعود لأسرته وكبار العائلة، وبالنسبة لأسرتى أخذنا حقنا وارتضينا بذلك.
أما أسرة القتيل الثانى خالد أبورمضان فقد قابلتنا والدته برفقة أبنائه الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ١٠ سنوات، وتكلمت بحرقة قلب الأم متجهة إلى السماء بالدعاء على الظالمين الذين قتلوا ابنها غدرا، ورغم إقرارها بعملية الصلح التي قضت بـمليون جنيه دية مغلظة لقتله عمدا، وفقا لمحضر الصلح الذي حصلنا عليه، وتصريحها بأنهم أخذوا حقه، إلا أنها تطالب بتنفيذ شرط الـ٥ ملايين جنيه على عائلة الهلايلة وفقًا لتعديهم بالقتل على أحد أبناء الشمنتية بعد إجراء الصلح، مؤكدة على عدم تقبل شباب العائلة بغير هذا الكلام، ونوهت إلى وجود قنابل بأعداد كبيرة إلى جانب الأسلحة الألية والجرونوف داخل القرية استعدادا للحرب من جديد.
فور خروجنا ألح رفيقنا في مقابلة أسرة القتيل صبرى الشامى لنتعرف على واحدة من أبشع الجرائم التي لم نر مثلها، غير ما يحدث بحق المسلمين في بورما بل أفظع بحسب الفيديو الذي حصلنا عليه، وبعد البحث عن مكان زوجته وأبنائه توجهنا سيرا إلى جانب آخر من البلدة، حيث غادر سالفو الذكر منزلهم بعيدا عن البشر لتعيش أرملته بجانب الزراعات، وبقلب شجاع حكت لنا كيف قتل أخو زوجها وزوجها عندما ذهب ليأخذ ثأر أخيه الذي قتل بدون سبب، فهم من عائلة غير العائلتين، والمشكلة لا تخصهم من قريب ولا من بعيد، غير أن القتيلين كانا مستأجرين لمحل لتجارة الفراخ كمصدر رزق يقتاتان عيش أبنائهما منه.
كما حكت كيف تم التمثيل بجثة زوجها بعد قتله ضربا على رأسه بقالب طوب أبيض حتى تهشمت رأسه بالكامل وضاعت معالمها تماما في مشهد لا يمكن لإنسان تحمله مهما حمل داخله من جحود، ليس هذا وفقط بل تم استخراج أعضاء من داخل جثته ووضعها عليه، كما في أفلام آكلى لحوم البشر، لم يكتف القتلة بهذا وحسب بل أطلقوا أكثر من ٣ آلاف طلقة بالأسلحة الآلية حتى تفحمت جثته، وجاءت قوات الأمن ونقلته إلى المشرحة.. هناك عاش والده جحيم المشهد الذي شاهد جثة ابنه الأخير، بعد مقتل الأول، ولك أن تتخيل مرارة ما يعيشه أب يرى بين يديه جثة ابنه وقد احترقت بعد التمثيل بها.. زوجة صبرى تساءلت في نهاية حديثها معنا لماذا لم تثر قضية مقتل زوجها بهذا الشكل للرأى العام، ودعتنا لمشاهدة الفيديو المتداول داخل القرية الذي يصور جثة زوجها لنرى كيف تم التمثيل بها ولم تخش ما يطلق عليه بالفضيحة مقابل فضح من قاموا بهذا الأمر المشين.
انتصف اليوم بأذان صلاة العصر، وبدأنا نشعر بالإرهاق إلا أنه مع كل مقابلة كنا نكتشف حكايات ووقائع. وكأننا في وطن غير ما نعرفه عن بلادنا، وقبل كل مقابلة كنا نسأل مرافقنا في الرحلة إلى أين نحن ذاهبون؟ إلا أننا مع سماع صوت أذان العصر طلبنا منه الذهاب لمقابلة أسرة آخر قتيل بعد إجراء الصلح، حتى نتمكن من الذهاب لطرف الأزمة الآخر من عائلة الهلايلة، حينها اقترح مرافقنا مقابلة والد صبرى الذي قتل ومثلت بجثته حتى نسمع منه هو الآخر قبل المغادرة، وفى طريقنا تلقى الرفيق اتصالا يطالبه بالذهاب لعمه أحد كبار الشمنتية الذي رفض هو وذووه قبل قدومنا للقرية إجراء أي مقابلات مع الصحفيين، إضافة إلى رفضهم دخولنا القرية، وعلى الفور توجهنا إليه بشغف لنتعرف على رأى الكبار وموقفهم من الأمر.
هناك استقبلنا الشيخ عبدالله أبوصالح، أحد كبار العائلة، الذين وقعوا على ضمان «شرط التعدى» بعد إتمام الصلح في مجلس بيته المؤسس بطريقة «القعدة العربى» حيث الجلوس على الأرض، ثم أدى واجب الضيافة معنا، وبدأ حديثه مباشرة حول موقف كبار العائلة من تجدد المعارك بين العائلتين، وبادرنا قائلا: لا نريد إلا الصلح ولا نبغى مزيدا من الدماء، لكن لنا مطلب أساسى وهو أن يجتمع مجلس الصلح الذي عقد بكامله في المرة السابقة، ولن نتكلم في حق الصلح الأول، فقد تم وارتضينا بما جرى فيه، أما بالنسبة للقيادات الأمنية فلهم منا كل الشكر على تحملهم مشقة الوقوف إلى جوارنا منذ بدء الأزمة، وعلى رأسهم رئيس مباحث مركز أطفيح محمد سعد نويصر، لكن نطالبهم بالمزيد حتى تمر الأزمة، كما أناشدهم بجمع السلاح من الطرفين وأولهم شباب عائلتى.
في حديثه معنا بدا أبو صالح وكأنه يحمل ما لا يريد أن يصرح به، معتبرا أن جزيرة الكداية يسيطر عليها مسجلون خطر هاربون من أحكام وتجار مخدرات وسلاح، مشيرا إلى أن أغلبهم من أبناء الهلايلة، وكأن قريتهم صارت مثل جزيرة جديدة بعث فيها «عزت حنفى» خط الصعيد، وهو ما دعانى للتشكك في صحة ما يقول، فتطرق الحديث إلى آخر تواصل تم بين كبار العائلتين بعد الصلح، وهو ما أثار غضب أبوصالح ودعاه للإفصاح عن رفضه التام لمبعوث عائلة الهلايلة الذي راح يهددهم إذا لم يتم الجلوس والتراضى مقابل ٧٥٠ ألف جنيه ديه للقتيل الأخير، والتصالح إشفاقا من أحد كبار الهلايلة عليهم، بدلا من تركهم تحت وطأة نيران أبناء عزوز من الهلايلة الذين سيسحقونهم إذا لم يتصالحوا، وتابع: رغم أننا متعدو علينا وسقط منا قتيل لكن لا نبغى غير الصلح ولن نتصالح بدون وجود اللجنة الشرعية التي حكمت من قبل. ولن نرضى بغير تنفيذ الشرط، وأحذر من شبابنا الثائر ونحن ككبار نتناوب حراستهم ليلا ونهارا حتى لا يتصرف أحد منهم باندفاع.
وحول الذخيرة التي استخدمت في المعركة قال أبوصالح: الذخيرة التي استخدمت لا تقل قيمتها عن ٤٠٠ ألف جنيه، وما لم يستخدم لا يعلم كميته أحد، وكل منا يدخر لنفسه الذخيرة دون علم الطرف الآخر معتبرًا أن هذا الأمر من الأسرار، مؤكدًا وجود كميات كبيرة لدى الطرفين استعدادا لتجدد المعارك. ثم توقف عن الحديث قليلا ثم واصل متنهدا: «نادي عبدالرؤوف أبوهلول» عنده جرونوف أعلى عمارته وهو من أغنى رجال الكداية، والجرونوف كثير في بلدتنا.
واستطرد الشيخ عبدالله أبوصالح حديثه بالقول: نناشد الرئاسة ووزير الدفاع وقيادات الأمن التدخل لوقف نزيف الدم «إحنا مش عايزين غير الصلح» ولكن بما يرضى الله، وهو يبدى اندهاشه من عدم تغطية الإعلام لأزمتهم منذ بدئها.
داهمنا الوقت أثناء جلوسنا مع الشيخ أبوصالح، ومن ثم توجهنا لوالد «صبرى الشامى» الذي مثلت بجثته بعد قتله بطريقة شنعاء.. بعد طرق باب بيته خرج علينا رجل غلبه الزمن وبلغ من العمر أرذله بعد أن فقد أبنية الواحدا تلو الآخر ليتحمل مسئولية تربية ورعاية ١١ طفلًا وأما لأسرة كل منهما.. وبعد علمه بغرضنا من زيارته دعانا للدخول، وبدأ حديثه قائلا: «قتل ابنيى الإثنين ظلم في ظلم فلم يكونا طرفا في المشكلة، وهما ليس إلا ناس فاتحين دكان بقالة وفراخ عند أبوصالح»، متسائلًا: بأى منطق يقتلا على الرغم من طلب الهلايلة منا إغلاق هذه المحال. وهو ما قمنا به بالفعل لأكثر من ثلاثة أشهر وبعدها استأذناهم في فتح مصدر رزقنا ووافقوا. إلا أنهم قاموا بقتل الأول تلاه بعد فترة وجيزة مقتل صبرى والتمثيل بجثته أمام الجميع، ولم نتمكن من الاقتراب منه حتى جاء رشدى همام، رئيس قطاع الأمن، بقوة ضخمة بعد ٣ ساعات، وقام بنقله للمشرحة». وهنا راح بخياله متذكرا المشهدا قائلا «افترا وظلم.. ليه كدا يا ناس».
أثناء جلوسنا معه كنا قد شاهدنا الفيديو الذي تم تصويره لجثة ابنه صبري، ولأول وهلة بدا الأمر صعبًا على من يشاهده لفظاعة المشهد، وبصعوبة تحدثت إلينا زوجة الضحية وهى تبكى عن آخر لحظات بينهما، وكيف أنها تعيش على مساعدة الأهالي لها ولا تملك قوت أبنائها فقد مات من كان يرعاها هي وأبنائها، وأنهت كلامها باكية تتضرع للسماء بقولها «يارب».
خرجنا من عند أهل القتيل «صبرى» لنلتقى أهالي قتلى الهلايلة، ووفق الترتيبات كان في انتظارنا كرم أبوهلول، وبحسب الاتصالات إلا أننا فوجئنا برده علينا أنه خارج المنطقة وأننا تأخرنا عليه، ومن ثم اتصلنا بالشيخ عبود عبدالستار، أحد أهم كبار الهلايلة شأنا في القضية، إلا أنه لم يرد لمرات متتالية، فتوقفنا قليلا في الشارع ومن ثم اقترح مرافقنا أن نذهب لمقر إقامته في بلدتهم، وسيساعدنا حتى نصل لمسافة قريبة، ومن ثم يعود هو حتى لا يتعرض للاشتباك مع آخرين من الهلايلة.. في الطريق قابلنا شابا ملامحه سمحة وهادئا ومبتسما يدعى إبراهيم حمزة يعمل إماما وخطيب مسجد هناك، وقتها صاح رفيقنا «انتم ربنا بيحبكم، استلم ياعم الشيخ» ومن ثم قام بتعريفنا ببعض وطلب مرافقنا من الشيخ استكمال المسيرة معنا ليعود هو.
توجهنا برفقة الشيخ إبراهيم أبوحمزة لمنزل الشيخ عبود عبدالستار وفور وصولنا طرقنا باب منزله فخرجت إلينا زوجته لتخبرنا أنه غير موجود، ولا تعرف أين ذهب، فطلبنا من مرافقنا الجديد التوجه لآخرين من الهلايلة، وبالفعل اصطحبنا معه متجهين إلى عمدة البلدة محمد عبودة حسنين، وهو أحد أفراد الهلايلة، وفى اتصال تليفونى نفى وجوده في القرية، فتوجهنا لمنزل أخيه ولم نتمكن من مقابلته.. حاولنا كثيرا مقابلة أي من أفراد عائلة الهلايلة لنعرف موقفهم من الأمر، إلا أن محاولاتنا جميعها لم تأت بثمار، فقد تهرب منا كل من حاولنا التواصل معه من عائلة الهلايلة، وكنا نسير وقتها في منطقة جسر البلدة.
مرافقنا الأخير كان أحد الأطراف المحايدة في القرية، وكل همه عدم تجدد المذبحة التي سببت صرعا للنساء والأطفال وخرابا للقرية بسبب توقف الحياة كاملة، وكشف لنا عن إرسال استغاثات لوزير الداخلية ومساعد الوزير لمصلحة الأمن العام ووزير الأوقاف، مدون بها الواقعة والشكوى من تواجد أسلحة آلية وأخرى ثقيلة مثل الجرونوف والقنابل قدرت بأكثر من ١٠٠ مليون جنيه ورغم ذلك لم يتحرك أحد.
في رحلة البحث عن أحد من أبناء عائلة الهلايلة للتحدث إلينا، توقفنا كثيرًا عند أماكن وقعت فيها عمليات القتل، هنا قتل فلان وهنا قتل فلان وهنا وهنا..، إلى جانب رؤية المنازل والمحال التي أشعلت فيها النيران وغيرها، وأثناء مسيرنا كانت نظرات الجالسين في الطريق تحذر من وجودنا في المكان وكنا قد اقتربنا من أذان العشاء، فقررنا مغادرة المكان إلا أن الرفيق الطيب لم يتركنا حتى أطعمنا. ومن ثم واصل السير معنا حتى محطة البلدة للتأكد من سلامتنا.
فور وصولى لمنزلى اتصلت بـرئيس مباحث أطفيح، الرائد محمد سعد نويصر، وأطلعته على ما جرى في القرية، وطلبت منه تفسيرًا للموقف إلا أنه رد على الفور بأنه في اجتماع وسيعاود الاتصال بى عقب انتهائه، وما أن أنهينا الاتصال بفترة وجيزة اتصل بى أحد رجال اللواء سعد الجمال يعرض مقابلة اللواء، فطلبت منه التحدث معه وهو ما تم بالفعل، وبعرض الأمر على اللواء سعد الجمال طلب تأجيل الكلام يومين. ومن ثم التحدث معنا، فعاودنا الاتصال برئيس المباحث وقد قام بتحويل الخط ولم نتمكن من الوصول إليه مرة أخرى.
قبل إنهاء بحثنا وكتابة التحقيق تلقينا آخر اتصال من الشيخ حسان عكوش، أحد كبار الشمنتية الذي وقع على شرط الـ٥ ملايين جنيه في حال تعدى أي من أبناء عائلته على الطرف الآخر بأى شكل، وكانت رسالته مناشدة وزير الداخلية ومدير الأمن بتفعيل شرط الجزاء حقنا للدماء، محذرا من مشاحنات شرسة بين أبناء عائلته، وأنه يسيطر عليهم هو وباقى الكبار إلا أنهم لن يتمكنوا من هذا لفترة طويلة.
من النسخة الورقية