البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

عشر سنوات مرت وكأنك مازلت هنا.. أحمد زكي ضد الغياب


(1)
هناك أحداث ووقائع يرفض العقل أحياناً التوقف أمامها، أو بمعني أدق تصديقها، ربما كان رحيل أحمد زكي واحد من الأحداث التى تعامل معها العقل بأنها لم تكن، لا من باب المكابرة أو رفض فكرة الموت والرحيل، بقدر ما هو حزن علي افتقاد شخص عشت معه سنوات طويلة، دون أن تكتشف أنك لا ترتبط معه بأى صلة قرابة أو صداقة، فهو مجرد شخص يعبر عنك أكثر من تعبيرك أنت عن نفسك، هل توجد علاقة إنسانية أقوى من ذلك، ربما كانت الإجابة فى الحشد الضخم الذى قرر أن يودعه ويسير خلف جسده المستسلم لإرادة الله، هل يصدق أحد أن هذا المشهد مر عليه عشر سنوات كاملة، هذه المدة ربما تكون كفيلة بنسيان أى حدث أو شخص ولكن أحمد زكي ليس من هذه النوعية، التى تستطيع السنوات والشهور والأيام أن تنتصر عليه، فكل يوم يمر علي فراقه وغيابه، يزداد هو حضوراً وتألقاً داخل قلوب محبيه، فالغياب لا يستطيع أن يقهر موهبة مثل التى تمتع بها أحمد زكي، لا لشيء، سوي لأنها موهبة ممزوجة بالصدق، وهي الصفة التى جعلته يحفر أسمه وحضوره داخل القلوب، ليطل علينا من حين إلي الآخر وهو يبتسم ابتسامته الشهيرة ، ساخراً من الغياب !
(2)
يمتلك كل من عرف أحمد زكي مئات الحكايات عن كرمه وجنونه وحنيته وضعفه وقوته ، هذه الحكايات ربما غذا وضعتها بجوار بعضها البعض، تستطيع أن تجد إجابة علي سؤال، لماذا تحول هذا الفتي الاسمر القادم من الصعيد إلي نجم غير قابل للاحتراق، نجم كسر كل مواصفات الفتي الأول وسحقها تحت حذاء موهبته، كيف لفتي صاحب بشرة سمراء وشعر مجعد، وجسد هزيل أن يصبح من نجوم الشباك ويتفوق علي من هم أكثر منه وسامة وحضور وخفة ظل، ولكن فى الحقيقة لم يكن بينهم من هو أكثر منه موهبة.. وهو ما كان يراهن عليه الفتي الأسمر دائما، ربما اصابه بعض الإحباط، ربما فكر فى أن ينهي حياته فى لحظة ضعف، ولكنه كان علي يقين أنه غذا ما جاءته الفرصة، لن يدعها تمر من بين ايديه، وأنه قادر علي أن يمتطيها كفارس ماهر، قافزاً كل الحواجز ومحطماً كل القيود حتى يصل لحلمه.
هذا النموذج يكاد يكون نادر بين الممثلين التى عرفتهم مصر، ولكن لنعرف كيف تحول أحمد زكي لأسطورة، تعالوا نقلب سوياً فى دفتر حكايته الخاص .
(3)
فى بداية مشواره كان مجرد ممثل صغير ، وقع عليه اختيار المنتج المسرحي الشهير " سمير خفاجي " ليكون واحد من نجوم العرض المسرحي " مدرسة المشاغبين " هذا العرض الذى حقق نجاحاً كبيراً ، وكان بداية انطلاق لمعظم النجوم المشاركون فيه ، كان سمير خفاجي لا يحب أحمد زكي كثيراً لأنه لا يتقرب إليه أو يتودد مثلما يفعل باقي زملائه، وكان أحمد فى بداية الطريق ويتعرض مثل أى شاب لأزمات مالية ، وفى إحدى المرات، طلب أحمد زكي سلفه عشرة جنيهات من سمير خفاجة، ولكنه تجاهل طلب زكي، وهو ما جعل العديد من المقربين للمنتج يتوسطون للفتي الأسمر لأنهم يعلمون مدي احتياجه لهذا المبلغ ، فرضخ سمير خفاجة ومنح زكي المبلغ علي مضد، فإذا باحمد زكي يمسك العشرة جنيهات أمام الجميع ، ويحدثها قائلاً ،" معقول أنتي اللي ذلتيني الذل ده كله ، معقول إنت السبب إن سمير خفاجة يبيع ويشتري فيا ، " وقام بعدها بتمزيق العشرة جنيهات مائة قطعة أمام أعين أصدقائه وأعضاء الفرقة والمنتج سمير خفاجة، الأمر الذى جعل الجميع يتأكد من أن هذا الفتي ليس مجرد ممثل مغمور يبحث عن فرصة عمل، بل أنه يحمل شخصية ستجعله فى يوم من الأيام، أحد النجوم، ولكن لم يخطر فى بال أحد أن يتحول هذا الممثل ، لأسطورة غير قابلة للنسيان.
(4)
لم يحب أحمد زكي يوماً المال، لم يشغله أن يكون رصيده بالبنك مصحوب باصفار عديدة ، فكل أبناء جيله كانوا يجتهدون فى أن تزيد عدد الاصفار المجاورة لرقم أرصدتهم بالبنوك، إلا أحمد زكي، كان يعلم جيداً أن المال مجرد وسيلة لا يجب أن ترتقي أبداً لتصبح هدف فى الحياة ، فى إحدى المرات كان يجلس فى أوتيل شهير علي النيل ، وبالصدفة تواجد واحد من نجوم الغناء فى مصر ، ربما هو الآن النجم الوحيد الذى ظل لأكثر من 30 عام محتفظ بنجوميته وحضوره وشبابه ، أقترب المطرب النجم من أحمد زكي ، ورحب زكي به ، ودعاه للجلوس معه لتناول العشاء ، ودار بينهما نقاشاً عن النساء والحب والشهرة والنجومية والمال ، وفجأة سأل المطرب النجم أحمد زكي عن حجم رصيده فى البنك ، فأبتسم أحمد ونظر إلي مدير أعماله وكاتم أسراره ، محمد وطني ، وسأله ، إحنا معانا كام فى البنك ، فأجاب وطني ، أن المبلغ لا يتجاوز المائة ألف جنيه تقريباً ، فأصيب المطرب النجم بصاعقة ، وقال لأحمد زكي بالنص ، يا راجل أنا كنت فاكر أن أقل حاجة عندك 2 مليون جنيه ، فضحك أحمد زكي بسخرية شديدة وقال له، ماذا سأفعل بكل هذا المبلغ ، ورفض زكي كعادته أن يترك المطرب النجم يدفع فاتورة العشاء ، رغم أنه تباهي فى الجلسة بأن رصيده فى البنك يتجاوز العشرين مليون جنيه ! كانت هذه الجلسة عقب عرض فيلم السادات مباشرة ، وهو الفيلم الذى شارك أحمد زكي فى إنتاجه وخسر معظم أمواله فيه ليقدم شخصية الرئيس الراحل محمد أنور السادات،
أحمد زكي من نوعية كما قلت تكاد تكون نادرة، نوعية لا تتردد فى أن تنفق كل ما تملك لتقديم عمل فني لا يتحمس له المنتجون، حتى ولو كان علييقين بأن هذا العمل من الممكن أن يتعرض للخسارة .
بقي حكاية أخرى عن أحمد زكي، تؤكد بأن المكان الوحيد الذى كان يشعر فيه زكي بالراحة عقب تعرضه لأى أزمة أو مشكلة، هو المقابر، كان يطلب من أى صديق له أن يصطحبه فقط إلي أقرب مقابر حتى ولو كانت الرابعة فجراً ، كان يهبط من سيارته، ويترجل بمفرده وسط المقابر، ويقرأ للأموات الفاحة وينتظر عشر دقائق وهو يجول ببصره فى المكان، ثم يعود ليركب سيارته وكأنه شخص مختلف، تسكوا علامات الراحة والطمأنينة وجهه، وينسي المشكلة والأزمة التى تعرض لها، كان يريد أن يتذكر نفسه دائماً أن النهاية فى هذا المكان بمفردك .
ربما هذه الحكايات، تحمل الإجابة علي سؤال ، لماذا تحول أحمد زكي لأسطورة غير قابلة للنسيان والغياب، حتى لو جاء اليوم الذى سيكون مر فيه 100 عام علي غيابه.