ضد التيار السلفي!
أثار الصعود الكبير للتيار السلفي عقب ثورة 25 يناير 2011 كثيرًا من التساؤلات حول ذلك التيار الذى صار وجوده ملموسًا بقوة فى المجتمع المصري، وبرغم التصاعد السلفي فى المجتمعات العربية والإسلامية منذ بداية القرن الماضى، إلا أن خارطة الاتجاهات السلفية شهدت تنوعًا فى الأفكار والرؤى وظلت تتسم بتعقد وتداخل الخيوط مما يستلزم الوقوف على أفكارها واتجاهاتها.
وكما غيّرت ثورة 25 يناير كثيرًا من الأوضاع السياسية فى مصر، فقد أصاب التغيير التيارات السلفية، حيث دخل التيار السلفى إلى العملية السياسية سواء عن طريق الانضمام للأحزاب، أو إنشاء أحزاب سياسية تنتمى إلى فصائل التيار السلفى مثل النور والأصالة والبناء والتنمية، وقد بدأت المشاركة السياسية الفعلية لذلك التيار عقب ثورة يناير 2011 بحشد الشارع المصرى للتصويت بنعم على التعديلات الدستورية فى استفتاء 19 مارس 2011.
من هنا، ومن أجل الإجابة عن هذه التساؤلات، قامت الزميلة العزيزة الدكتورة آمال كمال طه أستاذ الصحافة المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان، من خلال دراستها الضافية المعنونة "صورة التيار السلفى فى خطاب المواقع الإلكترونية للصحف المصرية بالتطبيق على موقعى الأهرام والمصرى اليوم" برصد وتحليل ملامح صورة السلفيين فى خطاب المواقع الإلكترونية للصحف المصرية، وكيف ينظر منتجو الخطابات الصحفية للتيار السلفى سواء من خلال دورهم السياسى أو رؤيتهم ومواقفهم من بعض القضايا مثل العلاقة بين الدين والدولة، والموقف من الآخر، وقضايا المرأة، ورؤيتهم للثقافة، والعلاقة مع الحاكم.
وتمثلت عينة الدراسة فى موقع صحيفة "الأهرام" اليومية كصحيفة قومية، وموقع "المصرى اليوم" كصحيفة خاصة معبرة عن التيار الليبرالى، وذلك للتعبير عن مواقف التيارات المدنية من التيار السلفي، وتحليل الصورة التى قُدمت له من قبل عديدٍ من منتجى الخطابات الصحفية فى الصحيفتين موضع البحث، وتتكون عينة الخطابات موضع التحليل من مواد الرأى المنشورة على الموقعيْن الإلكترونييْن للصحيفتيْن والتى تتعلق بالتيار السلفي بصفة عامة أو بأحد الأحزاب المنتمية لذلك التيار أو بعض رموزه ومشايخه الذين ظهر دورهم خلال فترة البحث.. وتمثل الإطار الزمنى للدراسة فى مواد الرأى المنشورة فى موقعيْ الصحيفتيْن خلال عام 2013، وذلك نظرًا لما انطوت عليه تلك الفترة من تغيراتٍ حادة اعترت المشهد السياسى فى مصر؛ حيث سقط نظام الرئيس السابق محمد مرسى بعد ثورة 30 يونيو، وأثار الموقف السياسى للسلفيين آنذاك عديدًا من ردود الفعل حولهم، كما شَكَل موقفهم من الإخوان قبل سقوط نظامهم وبعده الجدل حول مدى قبولهم فى العملية السياسية، وما تبع ذلك من الرؤى المختلفة حول ذلك التيار وسماته ومدى تشابهه أو اختلافه مع الإخوان، ومن ثم رسم تصورات معينة حوله للتأثير فى الرأى العام فى تلك الفترة الانتقالية من تاريخ مصر.
وقد انتهت الدراسة إلى جملة من النتائج المهمة المتعلقة بالطروحات التي تضمنها خطاب الصحف المصرية، والأدوار التي قُدمت للسلفيين في هذا الخطاب، والقوى الفاعلة فيه، والاستراتيجيات المستخدمة في هذا الخطاب، وذلك على النحو التالي:
انتقد خطاب "الأهرام" رؤية التيار السلفى للهوية المصرية ودعوتهم لأن تكون إسلامية، وبرر ذلك الانتقاد بعددٍ من الحجج منها أن الهوية المصرية تتكون من طبقات متراكمة تاريخيًا وحضاريًا وثقافيًا ووجدانيًا، وأنها طبقات متلاحمة متداخلة، وأن وصف الهوية الإسلامية فقط يعنى أن هناك تطابقًا كاملًا بين كل المجتمعات التى تدين غالبيتها أو كلها بالإسلام؛ أى تصبح مصر وإندونيسيا وباكستان وبقية الدول التى يسري عليها الأمر ذات هويةٍ واحدة لا أثر فيها لعوامل الجغرافيا والتاريخ والحضارة والثقافة والوجدان، وهذا خلط ولغط وجهل.. وأن الأجدى والأفضل أن تكون هويتنا مصرية فقط؛ فالهوية المصرية تتضمن كل مكونات الحضارة والثقافة والوجدان المصري، وأن موضوع الهوية يجب ألا يؤخذ باستخفاف يختلط فيه التعصب الممقوت بالجهل.
وأشار خطابُ "الأهرام" إلى أن السلفيين وأقرانهم لا يؤمنون بالدولة المدنية والمواطنة، وأن الأصل لديهم دولة الخلافة الدينية لأن الدولة المدنية فيما يتوهم العقل السلفي نقيضة دولة الخلافة التى هى الأصل الإسلامي الذى لا يقبل الاجتهاد فيه، حيث إن أبواب الاجتهاد مغلقة فى الفكر السلفي، بالإضافة إلى الهجوم التكفيرى على طوائف العقلانيين الإسلاميين قدامى ومحدثين، مما يترتب عليه رفض مبدأ المواطنة الذى هو الأصل فى الدولة المدنية، ومن ثم إشاعة مبدأ التمييز على نحو مطلق، وبرهنت على عدم صحة التشدد فى الفكر السلفي بأن المناخ الذى عاش فيه ابن تيمية وما شهده من حروبٍ صليبية أسهمت فى تشكيل منظوره الديني الذى جعله فقيهًا سلفيًا متزمتًا جامدًا، ولكن زمن ابن تيمية انتهى.
وانتقد الخطاب حديث التيار السلفى عن المشروع الإسلامى، وأنه يتم الخلط من خلاله بين الدينى والسياسى، علاوة على إثارة النعرة والفتنة الدينية، ووصف بعض الخطابات مواد الهوية بأنها إحدى البدع الجديدة، وبرهن على ذلك بأن الدستور لا يتحدث عن هوية مصر، ولكنه يتحدث عن النظام السياسى، أما هوية مصر فهى حقيقة تاريخية عريقة.
وأشار خطابُ "الأهرام" إلى أن الهوية ليست الدين وإن كان التدين جزءًا من هوية الإنسان المصرى، وأنه من الطبيعى أن تكون الهوية المصرية جماع عددٍ من الموروثات والعوامل المركبة بعضها يتعلق بالمكان والمناخ والجغرافيا وبعضها يتعلق بالأزمنة والأحداث.
وانتقد الخطاب إلحاح "حزب النور" على تأكيد الهوية الدينية للدولة، وبما يستتبع ذلك من حضور الأفراد فى المجال العام بهويتهم الدينية الذى يترتب عليه تثبيت التمييز بينهم على أساس الجنس والدين والمذهب إنما يمثل نكوصًا إلى ما قبل الدولة الحديثة أو أنه الارتداد إلى ما قبل عصر المواطن.
عنيت خطاباتُ "المصري اليوم" بتفنيد فكر التيار السلفى وإبراز سلبيات ذلك الفكر وسوء مقاصده؛ فأشارت إلى أن غاية السلفيين هدمُ أركانِ الدولة القائمة لينشئوا مكانها دولتهم الإسلامية، وأنهم لا يكتفون بالسلطة التى اختطفوها وإنما يريدون الدولة كلها، ولكى يختطفوا الدولة أصبح عليهم أن يغيروا طبيعتها ويعودوا بها إلى ما كانت عليه فى عصور الظلام سلطة دينية يتحدثون فيها وحدهم باسم الله فلا يعارضهم أحد.
وأشارت الخطابات إلى أننا لن نقبل أن تكون لهم اليدُ الطولى فى تحديد ملامح الفترة الانتقالية بعد ثورة لم يشاركوا فيها؛ بل لعبوا على كل الحبال، وأننا مقبلون على مرحلةٍ فارقة فى تاريخ مصر؛ إما أن ننطلق إلى ما نريد حيث الدولة المدنية بلا كهنوت أو وصاية من أدعياء الدين أو ننسحق إلى بئرٍ بلا قرار من التخلف والجهل.
وأكد الخطابُ الصحفى لـ"المصري اليوم" سلبياتِ تيار الإسلام السياسى بأسره ووصفه بأنه أكثر الفئات رجعية وتخلفًا، وأن 30 يونيو 2013 نتج عنها هزيمة تاريخية غير مسبوقة لهذا التيار الرجعي، وأن الشعب المصرى اكتشف زيْف وكذب وادعاء وعدم كفاءة هذا التيار، ونادت تلك الخطابات بضرورة تطهير الدستور من كل "التخريب السلفي الإخواني" الذى ما زال يبتز الحكومة الانتقالية بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا ما تم تأسيس دولة مدنية حديثة تقف على مسافة متساوية من معتقدات مواطنيها، ولا تتدخل لتفرض علهم ما تراهُ "الدينَ الحق".
ودعت الخطاباتُ الصحفية فى "المصري اليوم" للتوقف عن المناداة بتضمين دينِ الدولة فى الدستور، لأنه لا توجد دولة لها دين وإنما الأفراد هم الذين يعتنقون الدين، ووصف بعض الخطابات ما جرى فى 30 يونيو و26 يوليو 2013 أنه لم يكن مجرد خروج كثيف للمواطنين، وإنما كان رفضًا لمسارٍ تدحرجت إليه الدولة المصرية فى اتجاه دولة ثيوقراطية شمولية جاءت على أكتاف عملية ديمقراطية، ودعت الخطابات الصحفية إلى أهمية الحسم فى التعامل مع الإخوان وتيار الإسلام السياسي، وحثت على إقصاء تلك الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من المشهد السياسي، وفى مقدمتها أحزاب "النور" و"البناء والتنمية" و"الوطن" و"مصر القوية".
كما اهتمت الخطابات موضع التحليل بإبراز وجودِ علاقةٍ وثيقة بين السلفيين والإخوان، وتشابهت فى ذلك خطابات موقعيْ "الأهرام" و"المصري اليوم"، وذلك للتدليل على أن ما ينطبق من سماتٍ وأدوارٍ سلبية على الإخوان ينسحب كذلك على التيار السلفي، وذلك بهدف التأكيد على ضرورة الحذر من استبدال السلفيين بالإخوان فى المشهد السياسى.. وفى هذا الشأن أبرزت الخطابات الصحفية أطروحتيْن رئيسيتيْن: الأولى تُبرز التعاونَ وأوجه التشابه بين الفصيليْن، والثانية تؤكد الصراع بينهما بهدف تحقيق مكاسب سياسية.
انتقد خطابُ "الأهرام" موقف التيار السلفى من غير المسلمين، وأن الدولة عندهم دولة الإسلام التى هى دولة الخلافة، وإذا كان فيها من أصحاب الديانات السماوية السابقة على الإسلام "فحكمهم هو حكم أهل الذمة فى أفضل حالات الاعتدال أو حكم الكفار فى غير حالات الاعتدال، فكلُ من ليس بمسلمٍ كافر وهو عدوٌ للإسلام والمسلمين"، وأشار إلى أنه رتب شيوخُ السلفية أحكامًا لا يزال البعض يمارسها اتباعًا وتقليدًا منها "أن غيرَ المسلم تجب عداوته وإن أحسن للمسلم، ومن المنطقى أن يترتب على ذلك وجوب إهانة غير المسلم وكراهية مقدساته".
وشن خطابُ "الأهرام" هجومًا عنيفًا على السلفيين حول العلاقة بالآخر، حيث رأوا أن الهوية هى إصرار هؤلاء الناس – السلفيين - على تمزيق ليس فقط الأصول الحضارية والثقافية والأخلاقية التى ترسخت فى مصر قبل الأديان السماوية، وإنما تمزيق لُحمة الأديان السماوية، واستشهد بحديث الشيخ ياسر برهامى عن وجوب إعلان الزوج المسلم لبغضه لزوجته الكتابية بسبب دينها وأنه يأثم إذا أحبها، وأنه لا يمكن أن نأتمن من لا يتورعون عن الحض والتحريض الواضح على أن يكره الزوج زوجته على مصائرنا.
استنكر خطاب "الأهرام" حادثة مذبحة الشيعة التى وقعت فى زاوية أبو مسلم بالجيزة - فى 23 يونيو 2013 - ووصفها بأنها إحدى العلامات المهمة على مناخ الفتنة والتعصب خلال حكم الإخوان، وعنى خطاب "الأهرام" بتفنيد مبررات السلفيين وراء تخوفهم من قدوم السياح الإيرانيين لمصر من أن يؤدى ذلك إلى نشر التشيع، ورأى الخطاب أن دافع التيار السلفى من الترويع من خطر الشيعة والتشيع هو الإقصاء المذهبى وفرض الأحادية المذهبية المرتكزة على الفكر الحنبلى، كما أشارت الخطابات إلى أن هذا الإقصاء المذهبى وفرض الأحادية المذهبية يؤدى حتمًا إلى تفجير الصراع المذهبى بين المسلمين مما يهدد وحدتهم، وأن تكفير الشيعة وترويع المصريين من التشيع يعد تحقيرًا لعقول المصريين وتشكيكًا فى عقيدتهم وتضخيمًا لإيران أكثر مما ينبغى، وبرهنت على ذلك بأن نشر التشيع ليس الأولوية الإيرانية وإلا كان الأولى لها نشر التشيع بين المسلمين الإيرانيين السُّنة، وأن التشيع ليس حكرًا على إيران فهو موجود فى العراق ودول الخليج العربية هذا فضلًا عن أن افتراض أن المصريين ضعاف فى عقولهم أو عقيدتهم إلى هذا الحد هو إهانة بالغة للمصريين.
كما أشارت الخطابات الصحفية بالأهرام إلى أن هوية مصر الثقافية أكثر رسوخًا من أن يكون أساسها الوحيد انتماءها إلى السُّنة؛ لأن الهوية الثقافية لمصر تمثل تراكم خبرات وعصارة أزمنة وحضارات متعاقبة على هذا البلد، تلك الهوية التى لا يمكن أن يبدلها وفود السائحين الإيرانيين أو حتى بعثاتهم التجارية أو حتى خلاياهم وتنظيماتهم التحتية التى تعمل لنشر التشيع، هذا فضلًا عن أن الأزهر لا يزال يشكل الدرع القوية التى تعزز مناعة السُّنة ضد كل محاولات التحريف والاختراق.
ولم يرد فى خطاب "الأهرام" ما يثير المخاوف من السياحة الإيرانية فى مصر سوى فى مقالين لكاتب ينتمى لذلك التيار السلفى الذى أظهر تخوفًا من عودة العلاقات المصرية - الإيرانية، وأنها لا تعنى التوغل فى المجتمع المصرى ونشر ضلالات فكرية تمس عقيدته تحت لافتات تخاطب القلوب وليس العقول، ودعا إلى التأنى فى عودة تلك العلاقات ومراعاة المصالح المصرية.. وأنه لا يكفى القول إن المصريين متدينون بما يجعل الخوف من السياحة الإيرانية ونشر الفكر الشيعى أمرًا مبالغًا فيه لأن مداخل نشر هذا الفكر تعتمد على خطاب دينى ينطلق من حب آل البيت وهو أمر لا خلاف عليه بما يجعله مقبولًا لدى البسطاء وأنه على الحكومة أن تتحمل مسئولية الحفاظ على عقيدة المواطن من أى انحرافات.
وردت الأطروحات المتعلقة بعلاقة السلفيين بالأقباط فى خطاب "المصرى اليوم" فى موضعين:
الأول: حين ثار الجدل حول تهنئة الأقباط بأعيادهم، ورأى بعض الكتاب أنه لا يكفى مقاطعة ذلك الجدل ولا يكفى استنكاره بل تجب معرفة أسباب هذه الفتنة التى أصبحت قانونًا أساسيًا يميز بين المصريين مما يسفر عن شعور المصريين المسيحيين بالغربة فى أوطانهم.. ورأى خطاب "المصرى اليوم" أن هذه المواقف تستخدم الدين لتبرير الطغيان والاستحواذ على السلطة وتصادر كل الحريات باسم الدفاع عن الإسلام وتطبيق الشريعة، واستنكر الخطاب تصريحات بعض الشيوخ بأن مصر بلد إسلامى، ورأى أن ذلك يعنى "أن الأقباط الذين تزوج منهم الرسول صلى الله عليه وسلم، عليهم أن يرحلوا وأن هذه التصريحات تشير إلى أنهم يعتبرون مصر عزبة خاصة لهم يطردون منها مَن يشاءون".
الثانى: حين اشتعلت الفتنة بين مواطنين مسلمين ومسيحيين فى الخصوص، وبدا فى ذلك تلويح بالتشدد وتكفير الآخر وفرض بعض السلفيين تأسلمهم على الشارع، وطالب خطاب "المصرى اليوم" بمحاسبة قانونية للمتشددين وضرورة وجود حلول حقيقية وتطبيق قانون دور العبادة والكف عن التمييز فى الوظائف وترويع الأقباط وفضائيات التأسلم التى تبث الفتنة.
وانتقد خطاب "المصري اليوم" السلفيين لمواقفهم المناهضة للشيعة ووصف السلفيين بأنهم أوصياء على المسلمين بدعوى أنهم الأكثر تدينًا. ووصف تظاهر تيار من السلفيين ضد الحضور الإيرانى فى مصر بأنه يعكس كثيرًا من الضعف وانعدام الثقة بالنفس، وأنه على الرغم من وجود تحفظات على النظام السياسى الإيرانى إلا أن هذا لا يجب أن يدفعنا إلى اختزالها فى مذهبها الشيعى، ودللت الخطابات الصحفية على ضعف حُجة التيارات السلفية فى التخوف من العلاقة بإيران باعتبار أنها تفتح باب التشيع فى مصر بأن الدولة الفاطمية عبر نحو قرنين من الزمان لم تتمكن من أن تشيع المصريين.
وانتقد خطاب "المصري اليوم" موقف التيار السلفى من المرأة بوجه عام، وموقف حزب النور بوجه خاص، الرافض لتعيين امرأة فى منصب وزير الثقافة، وذلك فى حكومة د. الببلاوى بعد 6/30، ورأت أن السلفيين يعرفون أن الثقافة تفتح عقول النساء على الحرية والعدالة والكرامة والفن والإبداع مما سيؤدى لانهيار سلطة الرجل المستبد، وأن المرأة فى نظرهم كائن معدوم الرأس والوجه – منتقبة - مملوكة للرجل ملكية خاصة. وانتقد خضوع رئيس الوزراء لضغوط السلفيين "أى ضغوط ممكن أن يضغطها إرهابيون عجزة على رئيس وزراء، ودعا إلى أن الإرهاب الذى مارسه الإخوان والسلفيون يستلزم عزلهم تمامًا من الحياة السياسية مثلما حدث مع الحزب الوطنى".
وقدم منتجو خطاب "الأهرام" صورة سلبية للتيار السلفى وورد ذلك بنسبة 39.6% من الخطابات موضع التحليل، فقد وصف ذلك التيار بأنه أكثر تشددًا من الإخوان، وأنهم متطرفون وديكتاتوريون، وأن السلفى يُنصب نفسه هو وحده الداعية لصحيح الدين، ووصف حزب النور بأنه تأسس بناؤه على الأفكار المتسربة من العصر ما قبل الحديث، وأن المشايخ السلفيين هم دعاة الفتنة، ويتسمون بالتعصب المُقيت.
أما السمات الإيجابية للتيار السلفى فقد انصبت بأسرها على حزب النور نظرًا لبعض مواقفه السياسية خلال فترة الدراسة من توافقه مع جبهة الإنقاذ وخلافه مع الإخوان، فقد وصف بأنه التيار الأكبر داخل الجماعات السلفية، وأنه قوة تنضج وتتحرك فى إطار سياسى، وأنه يتبنى أفكار الوفاق الوطنى، وأنه بعد موافقته على الدستور الجديد 2014 يعود إلى أحضان الوطن، ووصفت قيادات حزب النور بالقيادات المحترمين.
وتشير هذه النتائج إلى أنه يتم إلصاق السمات السلبية بالتيار السلفى برمته عند انتقاد أسلوب تفكيره وطريقة رؤيته للأمور سواء فيما يتعلق بالمشهد السياسى أو الفكر الدينى أو العلاقة بالآخر فى المجتمع، ولم تنسب إلى ذلك التيار أي سمات إيجابية؛ بل اقتصر إطلاق تلك السمات على قطاع معين داخل ذلك التيار وهو حزب النور، وذلك فى مواقف معينة أبدى فيها ذلك الحزب مرونة فى التعاطى مع القضايا السياسية سواء قبل 6/30 فى خلافه مع الإخوان وتقاربه مع القوى السياسية المدنية أو بعد ذلك بعد تخليه عن التمسك بالمادة 219 من الدستور وموافقته على مواد الدستور الجديد2014.
كشفت نتائج تحليل خطاب "المصرى اليوم" عن كثافة ورود صورة سلبية لذلك التيار بنسبة 76.8% من الخطابات موضع التحليل، وقد تراوحت تلك السمات السلبية وتنوعت فى شدتها فقد وصفهم خطاب "المصرى اليوم" بأنهم متشددون، ومتطرفون، ومتأسلمون، ومتاجرون بالدين ومتكسبون من ادعاء العلم، وحفظة الكتب القديمة، ويظنون أنهم أوصياء على الإسلام، وشيوخ التشدد والتنطع، وأشد تطرفًا وقسوة من الإخوان، وإرهابيون وعجزة "شوية جهلة معدومى الثقافة"، وإرهابيون من ذوى اللحى، وانتهازيون يبحثون عن الغنائم، وجاهلون ومراؤون، ومتسلقون وسلفيو تايوان.
ووصف تيار الاسلام السياسى بأسره بأنه أكثر الفئات رجعية وتخلفًا، وأن السلفيين العدو الأكبر لجماعة الإخوان، وأنهم ينافسون على السلطة ..... وأنهم خصوم الداخل الإسلامى بالنسبة للإخوان، ومرشحون لخلافة دولة المرشد، وفلول، على سند أنهم كانوا يحرمون الخروج على الحاكم وهم صنيعة جهاز أمن الدولة، وأنهم فى تحالف سرى مع الإخوان "فهم عاملون تحت الأرض موحدين وفوق الأرض متخبطين".
وقد أسفر التحليل عن خلو خطاب "المصرى اليوم" موضع الدراسة من أي سمات إيجابية لذلك التيار أو لرموزه وشيوخه، فهو فى كل الحالات يتسم بسمات سلبية سواء فيما يتعلق بموقفه من الثورة أو من الإخوان خلال فترة حكمهم، سواء من خلال تحالفهم معًا من أجل فرض السيطرة وليس من أجل نصرة الإسلام أو بصراعهم مع الإخوان من أجل المصالح الشخصية والسلطة ووصفهم بالانتهازية الواضحة.
وكما غيّرت ثورة 25 يناير كثيرًا من الأوضاع السياسية فى مصر، فقد أصاب التغيير التيارات السلفية، حيث دخل التيار السلفى إلى العملية السياسية سواء عن طريق الانضمام للأحزاب، أو إنشاء أحزاب سياسية تنتمى إلى فصائل التيار السلفى مثل النور والأصالة والبناء والتنمية، وقد بدأت المشاركة السياسية الفعلية لذلك التيار عقب ثورة يناير 2011 بحشد الشارع المصرى للتصويت بنعم على التعديلات الدستورية فى استفتاء 19 مارس 2011.
من هنا، ومن أجل الإجابة عن هذه التساؤلات، قامت الزميلة العزيزة الدكتورة آمال كمال طه أستاذ الصحافة المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان، من خلال دراستها الضافية المعنونة "صورة التيار السلفى فى خطاب المواقع الإلكترونية للصحف المصرية بالتطبيق على موقعى الأهرام والمصرى اليوم" برصد وتحليل ملامح صورة السلفيين فى خطاب المواقع الإلكترونية للصحف المصرية، وكيف ينظر منتجو الخطابات الصحفية للتيار السلفى سواء من خلال دورهم السياسى أو رؤيتهم ومواقفهم من بعض القضايا مثل العلاقة بين الدين والدولة، والموقف من الآخر، وقضايا المرأة، ورؤيتهم للثقافة، والعلاقة مع الحاكم.
وتمثلت عينة الدراسة فى موقع صحيفة "الأهرام" اليومية كصحيفة قومية، وموقع "المصرى اليوم" كصحيفة خاصة معبرة عن التيار الليبرالى، وذلك للتعبير عن مواقف التيارات المدنية من التيار السلفي، وتحليل الصورة التى قُدمت له من قبل عديدٍ من منتجى الخطابات الصحفية فى الصحيفتين موضع البحث، وتتكون عينة الخطابات موضع التحليل من مواد الرأى المنشورة على الموقعيْن الإلكترونييْن للصحيفتيْن والتى تتعلق بالتيار السلفي بصفة عامة أو بأحد الأحزاب المنتمية لذلك التيار أو بعض رموزه ومشايخه الذين ظهر دورهم خلال فترة البحث.. وتمثل الإطار الزمنى للدراسة فى مواد الرأى المنشورة فى موقعيْ الصحيفتيْن خلال عام 2013، وذلك نظرًا لما انطوت عليه تلك الفترة من تغيراتٍ حادة اعترت المشهد السياسى فى مصر؛ حيث سقط نظام الرئيس السابق محمد مرسى بعد ثورة 30 يونيو، وأثار الموقف السياسى للسلفيين آنذاك عديدًا من ردود الفعل حولهم، كما شَكَل موقفهم من الإخوان قبل سقوط نظامهم وبعده الجدل حول مدى قبولهم فى العملية السياسية، وما تبع ذلك من الرؤى المختلفة حول ذلك التيار وسماته ومدى تشابهه أو اختلافه مع الإخوان، ومن ثم رسم تصورات معينة حوله للتأثير فى الرأى العام فى تلك الفترة الانتقالية من تاريخ مصر.
وقد انتهت الدراسة إلى جملة من النتائج المهمة المتعلقة بالطروحات التي تضمنها خطاب الصحف المصرية، والأدوار التي قُدمت للسلفيين في هذا الخطاب، والقوى الفاعلة فيه، والاستراتيجيات المستخدمة في هذا الخطاب، وذلك على النحو التالي:
انتقد خطاب "الأهرام" رؤية التيار السلفى للهوية المصرية ودعوتهم لأن تكون إسلامية، وبرر ذلك الانتقاد بعددٍ من الحجج منها أن الهوية المصرية تتكون من طبقات متراكمة تاريخيًا وحضاريًا وثقافيًا ووجدانيًا، وأنها طبقات متلاحمة متداخلة، وأن وصف الهوية الإسلامية فقط يعنى أن هناك تطابقًا كاملًا بين كل المجتمعات التى تدين غالبيتها أو كلها بالإسلام؛ أى تصبح مصر وإندونيسيا وباكستان وبقية الدول التى يسري عليها الأمر ذات هويةٍ واحدة لا أثر فيها لعوامل الجغرافيا والتاريخ والحضارة والثقافة والوجدان، وهذا خلط ولغط وجهل.. وأن الأجدى والأفضل أن تكون هويتنا مصرية فقط؛ فالهوية المصرية تتضمن كل مكونات الحضارة والثقافة والوجدان المصري، وأن موضوع الهوية يجب ألا يؤخذ باستخفاف يختلط فيه التعصب الممقوت بالجهل.
وأشار خطابُ "الأهرام" إلى أن السلفيين وأقرانهم لا يؤمنون بالدولة المدنية والمواطنة، وأن الأصل لديهم دولة الخلافة الدينية لأن الدولة المدنية فيما يتوهم العقل السلفي نقيضة دولة الخلافة التى هى الأصل الإسلامي الذى لا يقبل الاجتهاد فيه، حيث إن أبواب الاجتهاد مغلقة فى الفكر السلفي، بالإضافة إلى الهجوم التكفيرى على طوائف العقلانيين الإسلاميين قدامى ومحدثين، مما يترتب عليه رفض مبدأ المواطنة الذى هو الأصل فى الدولة المدنية، ومن ثم إشاعة مبدأ التمييز على نحو مطلق، وبرهنت على عدم صحة التشدد فى الفكر السلفي بأن المناخ الذى عاش فيه ابن تيمية وما شهده من حروبٍ صليبية أسهمت فى تشكيل منظوره الديني الذى جعله فقيهًا سلفيًا متزمتًا جامدًا، ولكن زمن ابن تيمية انتهى.
وانتقد الخطاب حديث التيار السلفى عن المشروع الإسلامى، وأنه يتم الخلط من خلاله بين الدينى والسياسى، علاوة على إثارة النعرة والفتنة الدينية، ووصف بعض الخطابات مواد الهوية بأنها إحدى البدع الجديدة، وبرهن على ذلك بأن الدستور لا يتحدث عن هوية مصر، ولكنه يتحدث عن النظام السياسى، أما هوية مصر فهى حقيقة تاريخية عريقة.
وأشار خطابُ "الأهرام" إلى أن الهوية ليست الدين وإن كان التدين جزءًا من هوية الإنسان المصرى، وأنه من الطبيعى أن تكون الهوية المصرية جماع عددٍ من الموروثات والعوامل المركبة بعضها يتعلق بالمكان والمناخ والجغرافيا وبعضها يتعلق بالأزمنة والأحداث.
وانتقد الخطاب إلحاح "حزب النور" على تأكيد الهوية الدينية للدولة، وبما يستتبع ذلك من حضور الأفراد فى المجال العام بهويتهم الدينية الذى يترتب عليه تثبيت التمييز بينهم على أساس الجنس والدين والمذهب إنما يمثل نكوصًا إلى ما قبل الدولة الحديثة أو أنه الارتداد إلى ما قبل عصر المواطن.
عنيت خطاباتُ "المصري اليوم" بتفنيد فكر التيار السلفى وإبراز سلبيات ذلك الفكر وسوء مقاصده؛ فأشارت إلى أن غاية السلفيين هدمُ أركانِ الدولة القائمة لينشئوا مكانها دولتهم الإسلامية، وأنهم لا يكتفون بالسلطة التى اختطفوها وإنما يريدون الدولة كلها، ولكى يختطفوا الدولة أصبح عليهم أن يغيروا طبيعتها ويعودوا بها إلى ما كانت عليه فى عصور الظلام سلطة دينية يتحدثون فيها وحدهم باسم الله فلا يعارضهم أحد.
وأشارت الخطابات إلى أننا لن نقبل أن تكون لهم اليدُ الطولى فى تحديد ملامح الفترة الانتقالية بعد ثورة لم يشاركوا فيها؛ بل لعبوا على كل الحبال، وأننا مقبلون على مرحلةٍ فارقة فى تاريخ مصر؛ إما أن ننطلق إلى ما نريد حيث الدولة المدنية بلا كهنوت أو وصاية من أدعياء الدين أو ننسحق إلى بئرٍ بلا قرار من التخلف والجهل.
وأكد الخطابُ الصحفى لـ"المصري اليوم" سلبياتِ تيار الإسلام السياسى بأسره ووصفه بأنه أكثر الفئات رجعية وتخلفًا، وأن 30 يونيو 2013 نتج عنها هزيمة تاريخية غير مسبوقة لهذا التيار الرجعي، وأن الشعب المصرى اكتشف زيْف وكذب وادعاء وعدم كفاءة هذا التيار، ونادت تلك الخطابات بضرورة تطهير الدستور من كل "التخريب السلفي الإخواني" الذى ما زال يبتز الحكومة الانتقالية بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا ما تم تأسيس دولة مدنية حديثة تقف على مسافة متساوية من معتقدات مواطنيها، ولا تتدخل لتفرض علهم ما تراهُ "الدينَ الحق".
ودعت الخطاباتُ الصحفية فى "المصري اليوم" للتوقف عن المناداة بتضمين دينِ الدولة فى الدستور، لأنه لا توجد دولة لها دين وإنما الأفراد هم الذين يعتنقون الدين، ووصف بعض الخطابات ما جرى فى 30 يونيو و26 يوليو 2013 أنه لم يكن مجرد خروج كثيف للمواطنين، وإنما كان رفضًا لمسارٍ تدحرجت إليه الدولة المصرية فى اتجاه دولة ثيوقراطية شمولية جاءت على أكتاف عملية ديمقراطية، ودعت الخطابات الصحفية إلى أهمية الحسم فى التعامل مع الإخوان وتيار الإسلام السياسي، وحثت على إقصاء تلك الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من المشهد السياسي، وفى مقدمتها أحزاب "النور" و"البناء والتنمية" و"الوطن" و"مصر القوية".
كما اهتمت الخطابات موضع التحليل بإبراز وجودِ علاقةٍ وثيقة بين السلفيين والإخوان، وتشابهت فى ذلك خطابات موقعيْ "الأهرام" و"المصري اليوم"، وذلك للتدليل على أن ما ينطبق من سماتٍ وأدوارٍ سلبية على الإخوان ينسحب كذلك على التيار السلفي، وذلك بهدف التأكيد على ضرورة الحذر من استبدال السلفيين بالإخوان فى المشهد السياسى.. وفى هذا الشأن أبرزت الخطابات الصحفية أطروحتيْن رئيسيتيْن: الأولى تُبرز التعاونَ وأوجه التشابه بين الفصيليْن، والثانية تؤكد الصراع بينهما بهدف تحقيق مكاسب سياسية.
انتقد خطابُ "الأهرام" موقف التيار السلفى من غير المسلمين، وأن الدولة عندهم دولة الإسلام التى هى دولة الخلافة، وإذا كان فيها من أصحاب الديانات السماوية السابقة على الإسلام "فحكمهم هو حكم أهل الذمة فى أفضل حالات الاعتدال أو حكم الكفار فى غير حالات الاعتدال، فكلُ من ليس بمسلمٍ كافر وهو عدوٌ للإسلام والمسلمين"، وأشار إلى أنه رتب شيوخُ السلفية أحكامًا لا يزال البعض يمارسها اتباعًا وتقليدًا منها "أن غيرَ المسلم تجب عداوته وإن أحسن للمسلم، ومن المنطقى أن يترتب على ذلك وجوب إهانة غير المسلم وكراهية مقدساته".
وشن خطابُ "الأهرام" هجومًا عنيفًا على السلفيين حول العلاقة بالآخر، حيث رأوا أن الهوية هى إصرار هؤلاء الناس – السلفيين - على تمزيق ليس فقط الأصول الحضارية والثقافية والأخلاقية التى ترسخت فى مصر قبل الأديان السماوية، وإنما تمزيق لُحمة الأديان السماوية، واستشهد بحديث الشيخ ياسر برهامى عن وجوب إعلان الزوج المسلم لبغضه لزوجته الكتابية بسبب دينها وأنه يأثم إذا أحبها، وأنه لا يمكن أن نأتمن من لا يتورعون عن الحض والتحريض الواضح على أن يكره الزوج زوجته على مصائرنا.
استنكر خطاب "الأهرام" حادثة مذبحة الشيعة التى وقعت فى زاوية أبو مسلم بالجيزة - فى 23 يونيو 2013 - ووصفها بأنها إحدى العلامات المهمة على مناخ الفتنة والتعصب خلال حكم الإخوان، وعنى خطاب "الأهرام" بتفنيد مبررات السلفيين وراء تخوفهم من قدوم السياح الإيرانيين لمصر من أن يؤدى ذلك إلى نشر التشيع، ورأى الخطاب أن دافع التيار السلفى من الترويع من خطر الشيعة والتشيع هو الإقصاء المذهبى وفرض الأحادية المذهبية المرتكزة على الفكر الحنبلى، كما أشارت الخطابات إلى أن هذا الإقصاء المذهبى وفرض الأحادية المذهبية يؤدى حتمًا إلى تفجير الصراع المذهبى بين المسلمين مما يهدد وحدتهم، وأن تكفير الشيعة وترويع المصريين من التشيع يعد تحقيرًا لعقول المصريين وتشكيكًا فى عقيدتهم وتضخيمًا لإيران أكثر مما ينبغى، وبرهنت على ذلك بأن نشر التشيع ليس الأولوية الإيرانية وإلا كان الأولى لها نشر التشيع بين المسلمين الإيرانيين السُّنة، وأن التشيع ليس حكرًا على إيران فهو موجود فى العراق ودول الخليج العربية هذا فضلًا عن أن افتراض أن المصريين ضعاف فى عقولهم أو عقيدتهم إلى هذا الحد هو إهانة بالغة للمصريين.
كما أشارت الخطابات الصحفية بالأهرام إلى أن هوية مصر الثقافية أكثر رسوخًا من أن يكون أساسها الوحيد انتماءها إلى السُّنة؛ لأن الهوية الثقافية لمصر تمثل تراكم خبرات وعصارة أزمنة وحضارات متعاقبة على هذا البلد، تلك الهوية التى لا يمكن أن يبدلها وفود السائحين الإيرانيين أو حتى بعثاتهم التجارية أو حتى خلاياهم وتنظيماتهم التحتية التى تعمل لنشر التشيع، هذا فضلًا عن أن الأزهر لا يزال يشكل الدرع القوية التى تعزز مناعة السُّنة ضد كل محاولات التحريف والاختراق.
ولم يرد فى خطاب "الأهرام" ما يثير المخاوف من السياحة الإيرانية فى مصر سوى فى مقالين لكاتب ينتمى لذلك التيار السلفى الذى أظهر تخوفًا من عودة العلاقات المصرية - الإيرانية، وأنها لا تعنى التوغل فى المجتمع المصرى ونشر ضلالات فكرية تمس عقيدته تحت لافتات تخاطب القلوب وليس العقول، ودعا إلى التأنى فى عودة تلك العلاقات ومراعاة المصالح المصرية.. وأنه لا يكفى القول إن المصريين متدينون بما يجعل الخوف من السياحة الإيرانية ونشر الفكر الشيعى أمرًا مبالغًا فيه لأن مداخل نشر هذا الفكر تعتمد على خطاب دينى ينطلق من حب آل البيت وهو أمر لا خلاف عليه بما يجعله مقبولًا لدى البسطاء وأنه على الحكومة أن تتحمل مسئولية الحفاظ على عقيدة المواطن من أى انحرافات.
وردت الأطروحات المتعلقة بعلاقة السلفيين بالأقباط فى خطاب "المصرى اليوم" فى موضعين:
الأول: حين ثار الجدل حول تهنئة الأقباط بأعيادهم، ورأى بعض الكتاب أنه لا يكفى مقاطعة ذلك الجدل ولا يكفى استنكاره بل تجب معرفة أسباب هذه الفتنة التى أصبحت قانونًا أساسيًا يميز بين المصريين مما يسفر عن شعور المصريين المسيحيين بالغربة فى أوطانهم.. ورأى خطاب "المصرى اليوم" أن هذه المواقف تستخدم الدين لتبرير الطغيان والاستحواذ على السلطة وتصادر كل الحريات باسم الدفاع عن الإسلام وتطبيق الشريعة، واستنكر الخطاب تصريحات بعض الشيوخ بأن مصر بلد إسلامى، ورأى أن ذلك يعنى "أن الأقباط الذين تزوج منهم الرسول صلى الله عليه وسلم، عليهم أن يرحلوا وأن هذه التصريحات تشير إلى أنهم يعتبرون مصر عزبة خاصة لهم يطردون منها مَن يشاءون".
الثانى: حين اشتعلت الفتنة بين مواطنين مسلمين ومسيحيين فى الخصوص، وبدا فى ذلك تلويح بالتشدد وتكفير الآخر وفرض بعض السلفيين تأسلمهم على الشارع، وطالب خطاب "المصرى اليوم" بمحاسبة قانونية للمتشددين وضرورة وجود حلول حقيقية وتطبيق قانون دور العبادة والكف عن التمييز فى الوظائف وترويع الأقباط وفضائيات التأسلم التى تبث الفتنة.
وانتقد خطاب "المصري اليوم" السلفيين لمواقفهم المناهضة للشيعة ووصف السلفيين بأنهم أوصياء على المسلمين بدعوى أنهم الأكثر تدينًا. ووصف تظاهر تيار من السلفيين ضد الحضور الإيرانى فى مصر بأنه يعكس كثيرًا من الضعف وانعدام الثقة بالنفس، وأنه على الرغم من وجود تحفظات على النظام السياسى الإيرانى إلا أن هذا لا يجب أن يدفعنا إلى اختزالها فى مذهبها الشيعى، ودللت الخطابات الصحفية على ضعف حُجة التيارات السلفية فى التخوف من العلاقة بإيران باعتبار أنها تفتح باب التشيع فى مصر بأن الدولة الفاطمية عبر نحو قرنين من الزمان لم تتمكن من أن تشيع المصريين.
وانتقد خطاب "المصري اليوم" موقف التيار السلفى من المرأة بوجه عام، وموقف حزب النور بوجه خاص، الرافض لتعيين امرأة فى منصب وزير الثقافة، وذلك فى حكومة د. الببلاوى بعد 6/30، ورأت أن السلفيين يعرفون أن الثقافة تفتح عقول النساء على الحرية والعدالة والكرامة والفن والإبداع مما سيؤدى لانهيار سلطة الرجل المستبد، وأن المرأة فى نظرهم كائن معدوم الرأس والوجه – منتقبة - مملوكة للرجل ملكية خاصة. وانتقد خضوع رئيس الوزراء لضغوط السلفيين "أى ضغوط ممكن أن يضغطها إرهابيون عجزة على رئيس وزراء، ودعا إلى أن الإرهاب الذى مارسه الإخوان والسلفيون يستلزم عزلهم تمامًا من الحياة السياسية مثلما حدث مع الحزب الوطنى".
وقدم منتجو خطاب "الأهرام" صورة سلبية للتيار السلفى وورد ذلك بنسبة 39.6% من الخطابات موضع التحليل، فقد وصف ذلك التيار بأنه أكثر تشددًا من الإخوان، وأنهم متطرفون وديكتاتوريون، وأن السلفى يُنصب نفسه هو وحده الداعية لصحيح الدين، ووصف حزب النور بأنه تأسس بناؤه على الأفكار المتسربة من العصر ما قبل الحديث، وأن المشايخ السلفيين هم دعاة الفتنة، ويتسمون بالتعصب المُقيت.
أما السمات الإيجابية للتيار السلفى فقد انصبت بأسرها على حزب النور نظرًا لبعض مواقفه السياسية خلال فترة الدراسة من توافقه مع جبهة الإنقاذ وخلافه مع الإخوان، فقد وصف بأنه التيار الأكبر داخل الجماعات السلفية، وأنه قوة تنضج وتتحرك فى إطار سياسى، وأنه يتبنى أفكار الوفاق الوطنى، وأنه بعد موافقته على الدستور الجديد 2014 يعود إلى أحضان الوطن، ووصفت قيادات حزب النور بالقيادات المحترمين.
وتشير هذه النتائج إلى أنه يتم إلصاق السمات السلبية بالتيار السلفى برمته عند انتقاد أسلوب تفكيره وطريقة رؤيته للأمور سواء فيما يتعلق بالمشهد السياسى أو الفكر الدينى أو العلاقة بالآخر فى المجتمع، ولم تنسب إلى ذلك التيار أي سمات إيجابية؛ بل اقتصر إطلاق تلك السمات على قطاع معين داخل ذلك التيار وهو حزب النور، وذلك فى مواقف معينة أبدى فيها ذلك الحزب مرونة فى التعاطى مع القضايا السياسية سواء قبل 6/30 فى خلافه مع الإخوان وتقاربه مع القوى السياسية المدنية أو بعد ذلك بعد تخليه عن التمسك بالمادة 219 من الدستور وموافقته على مواد الدستور الجديد2014.
كشفت نتائج تحليل خطاب "المصرى اليوم" عن كثافة ورود صورة سلبية لذلك التيار بنسبة 76.8% من الخطابات موضع التحليل، وقد تراوحت تلك السمات السلبية وتنوعت فى شدتها فقد وصفهم خطاب "المصرى اليوم" بأنهم متشددون، ومتطرفون، ومتأسلمون، ومتاجرون بالدين ومتكسبون من ادعاء العلم، وحفظة الكتب القديمة، ويظنون أنهم أوصياء على الإسلام، وشيوخ التشدد والتنطع، وأشد تطرفًا وقسوة من الإخوان، وإرهابيون وعجزة "شوية جهلة معدومى الثقافة"، وإرهابيون من ذوى اللحى، وانتهازيون يبحثون عن الغنائم، وجاهلون ومراؤون، ومتسلقون وسلفيو تايوان.
ووصف تيار الاسلام السياسى بأسره بأنه أكثر الفئات رجعية وتخلفًا، وأن السلفيين العدو الأكبر لجماعة الإخوان، وأنهم ينافسون على السلطة ..... وأنهم خصوم الداخل الإسلامى بالنسبة للإخوان، ومرشحون لخلافة دولة المرشد، وفلول، على سند أنهم كانوا يحرمون الخروج على الحاكم وهم صنيعة جهاز أمن الدولة، وأنهم فى تحالف سرى مع الإخوان "فهم عاملون تحت الأرض موحدين وفوق الأرض متخبطين".
وقد أسفر التحليل عن خلو خطاب "المصرى اليوم" موضع الدراسة من أي سمات إيجابية لذلك التيار أو لرموزه وشيوخه، فهو فى كل الحالات يتسم بسمات سلبية سواء فيما يتعلق بموقفه من الثورة أو من الإخوان خلال فترة حكمهم، سواء من خلال تحالفهم معًا من أجل فرض السيطرة وليس من أجل نصرة الإسلام أو بصراعهم مع الإخوان من أجل المصالح الشخصية والسلطة ووصفهم بالانتهازية الواضحة.