البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

لعنة المعونة الأمريكية


كلما حدث توتر سياسي، أو دبلوماسي، بين جمهورية مصر العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، نجد من يخرج علينا من الإدارة الأمريكية، سواء كان من أعضاء الحكومة، أو من المعارضة من أمثال ماكين، وجراهام، يطالبون الحكومة بوقف المعونات الأمريكية لمصر، وحقيقة الأمر، أن هذه المعونات ضررها على مصر أكبر من نفعها، فهي تجعل القرار السياسي المصري غير مستقل تمامًا، ربما تجعله مستقلاً بنسبة 70% أو أقل، ولكنه لا يكون مستقلاً بنسبة 100%، لأن هذه المعونة تمثل ضغطًا على القرار السياسي، مهما حاول المسؤولون المصريون نفي ذلك، فالواقع يؤكد عكس كلامهم، فلو نظرنا للمعونة الأمريكية العسكرية، يقال إنها في حدود ألف وثلاثمائة مليون دولار، (1300 مليون دولار)، منها قرابة الخمسمائة مليون دولار، قطع غيار للمعدات العسكرية، خاصة قطع غيار الطائرات (500 مليون دولار)، وجزء منها لعمليات التدريب المشتركة كالنجم الساطع، وغيرها من التدريبات الدورية، وجزء لتدريب العسكريين المصريين داخل الولايات المتحدة، مثل الدراسات العسكرية في الكليات العسكرية الأمريكية.... إلخ، وجزء آخر لشراء بعض المعدات العسكرية، بمعنى أن ما نأخذه باليد اليمنى، نعطيه لأمريكا مرة أخرى باليد اليسرى، هذا بالإضافة إلى أننا لو حسبنا أن أثمان هذه المعدات، وقطع الغيار، هي أضعاف ثمنها الحقيقي، بمعنى، لو أن قطعة الغيار ثمنها الحقيقي ألف دولار، فهي توضع في المعونة بألفي دولار، بالإضافة إلى أن أمريكا تضمن نوعية السلاح الذي يحصل عليه الجيش المصري، وبأن يكون دائمًا أدنى من نوعيات السلاح الإسرائيلي، حتى تضمن أمريكا التفوق الدائم للقوات الإسرائيلية على القوات المصرية، وسوف أقص عليكم ما سمعته من أحد ضباط الجيش المصري، الذي يكون ضمن مجموعة خبراء المشتريات للسلاح، فعند عقد أي صفقة سلاح يقوم الجيش باختيار لجنة من الخبراء في هذا السلاح، وتشكل منها لجنة المشتريات لهذا السلاح، مهمتها القيام بفحص السلاح وصلاحيته وتحديد ثمنه، قال لي هذا الضابط: نحن نشتري طائرات “,”إف 16“,” من أمريكا، وكذلك إسرائيل، فما الفرق بين طائرات الـ f 16 المصرية والـ f 16 الإسرائيلية – أولاً المعدات التي تجهز بها الطائرات المصرية تكون أدنى من مستوى المعدات التي تجهز بها الطائرات الإسرائيلية، بمعنى أن الطائرات المصرية يكون عليها جهاز رادار يتمكن من رؤية الهدف المعادي ويتعامل معه من على مسافة 60 ك. م، بينما الرادار المجهز على الطائرة الإسرائيلية يكون مدى رؤيته للهدف 120 ك. م، أنواع الصواريخ المجهزة على الطائرات المصرية أقل كفاءة من أنواع الصواريخ المجهزة على الطائرات الإسرائيلية، ثم الأخطر والأهم، أن إسرائيل تحصل على الطائرات فور خروجها من المصانع، أما نحن فنحصل على كثير من هذه الطائرات يكون “,”عامل عمرة“,”، بمعنى أن الطائرات استخدمت قبل حصولنا عليها ويتم إدخالها للتجديد قبل أن نحصل عليها، ويسمع المصري المسكين بأن مصر حصلت على 20 طائرة 16 f ، إسرائيل حصلت على طائرات 16 f فيظن أنهما يستويان، وقد قامت بعض المراكز العلمية بمصر بعمل دراسة حول هذه المعونة، وأن مصر تستطيع إنتاج الكثير من قطع الغيار، إلا أنها ممنوعة بقرار سياسي من إملاءات المعونة الأمريكية، وهنا نذكر ما حدث مع دولة باكستان، فأثناء الحرب الأفغانية تقربت الإدارة الأمريكية إلى حكومة باكستان، وتوددت إليها، من أجل الوقوف معها ضد الغزو الروسي لأفغانستان، حتى تؤمن مصالحها في الخليج، لأن الغزو السوفيتي كان في أعقاب الثورة الإيرانية سنة 1979، وكان حزب “,”توده“,” الشيوعي مشاركًا بقوة في الثورة الإيرانية، وتحسبًا لوصول حزب “,”توده“,” الشيوعي لحكم إيران، تدخلت القوات الروسية في أفغانستان، وأطاحت بالملك “,”دواود خان“,”، وشكلت حكومة شيوعية، ولو كان حزب توده الشيوعي، حكم إيران، لأصبحت المصالح الأمريكية في الخليج العربي في مهب الريح، استغل الرئيس الباكستاني الجنرال “,”ضياء الحق“,”، رحمه الله هذا الاحتياج الأمريكي لبلاده، واستثمر ذلك لصالح بلاده، واتخذ قرارًا سريًا بأن تسعى باكستان وبجهد لإنتاج “,”القنبلة الذرية“,”، حتى يحدث توازنًا بينه وبين عدوهم اللدود “,”الهند“,”، وبالفعل نجح ضياء الحق، بعد قصة طويلة مع “,”أبو القنبلة النووية“,” عبد القدير خان، أو عبد القادر خان، في إنتاج القنبلة الذرية الباكستانية، وبناء المفاعلات النووية دون أية مساعدات خارجية، وقام بتدريب آلاف المهندسين الباكستانيين، حتى تستطيع باكستان الاستمرار في البرنامج النووي، حتى لو تم تدمير المفاعل النووي الباكستاني، على غرار ما حدث للمفاعل النووي العراقي، سنة 1982، فلم تغفرها له أمريكا، وأوقفت تسليح الجيش الباكستاني، وحرمته من صفقة سلاح كانت باكستان متعاقدة عليها عبارة عن 70 طائرة 16 f ، وهذه الصفقات يتم دفع ثمنها مقدمًا للمصنع، فطالبت باكستان بأن تسترد أموالها، التي بلغت ما يزيد على 4 مليار دولار، إلا أن المصنع الأمريكي أخبر الحكومة الباكستانية أنه قام بإنتاج الـ70 طائرة، وقرار الحظر قرار سياسي لا علاقة للمصنع به، حاولت الحكومة الباكستانية إما أن تحصل على الطائرات، أو ثمنها، ففشلت على مدار أكثر من عامين، ثم اتفقت الحكومة الباكستانية مع حكومة جنوب إفريقيا، على أن تقوم حكومة جنوب إفريقيا بشراء الـ70 طائرة الـ16 f ، وتدفع الثمن للحكومة الباكستانية، التي كانت قد سددت أثمان هذه الطائرات للمصنع، إلا أن الحكومة الأمريكية أفشلت هذه الصفقة، وما زالت أثمان الطائرات الباكستانية محجوزة في البنوك الأمريكية، ولم تصل لا الطائرات ولا الأموال إلى باكستان، وقد مر أكثر من 25 سنة.
ولم يتوقف التدخل الأمريكي عند هذا القدر، بل سعوا إلى تفجير طائرة الرئيس الباكستاني ضياء الحق، والذي لقي مصرعه في هذه الحادثة، حتى يكون عبرة لكل حاكم يخرج على طوع الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يفرض علينا التخلف، وتكون هذه المعونة الملعونة سببًا في المحافظة على هذا التخلف، وتحرم مصر من إنتاج السلاح أو قطع الغيار، وتحرم مصر من إنتاج الأسلحة الاستراتيجية، وكلنا يعلم ماذا حدث للمشير عبد الحليم أبو غزالة، عندما حاول تطوير سلاح الصواريخ المصرية، لكي يصل مداها إلى جميع أنحاء إسرائيل، كي يعوض فارق القوى المائل لصالحها، لقوة قواتها الجوية التي تستطيع تدمير أي هدف على أرض مصر، فأراد أن يكون سلاح الصواريخ المصري قادرًا على تدمير أي هدف داخل إسرائيل، كما أننا نذكر جميعًا الدور الأمريكي في حرب 67، وضرب مشروع الرئيس جمال عبد الناصر، الذي بدأ في إنتاج السلاح المصري، وإنشاء سلسلة المصانع الحربية، وأول تجربة للصواريخ متوسطة وبعيدة المدى في العالم الثالث، بدأها الرئيس جمال عبد الناصر، ولكن مع استمرار مسلسل المحافظة على تخلفنا الذي يتم برعاية أمريكية، تم إجهاض مشروع النهضة الذي حلم به عبد الناصر والشعب المصري.
ومن لعنات المعونة الأمريكية، حرمان مصر من التطور الصناعي المدني، فعندما تقدم عدد من العلماء المصريين بمشروع إنتاج “,”قمر صناعي مصري“,”، وقفت أمريكا ضد هذا المشروع، رغم أن أغلب العلماء في العالم الغربي، والذين يشرفون على برامج هذه الأبحاث، وخاصة في أمريكا، من المصريين، وبسبب المعونة الأمريكية فإن مصر ممنوعة من الاقتراب من التصنيع النووي لأغراض سلمية، أو غير سلمية، ولو علمنا أن صناعة الأدوية والأدوات الطبية لم تعد بمعزل عن التصنيع النووي للأغراض السلمية، لعلمنا أننا قد حرمنا من التطوير في مجال الطب وصناعة الأدوية بسبب لعنة المعونة الأمريكية، والعلاقات الأمريكية، أضف إلى ذلك، الأهم وهو، أمر الطاقة الكهربائية، وقود التقدم في هذا العصر، والمتوقف على إنتاج المحطات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، كل ذلك وغيره نحن محرومون منه وممنوعون منه عن عمد، بسبب العلاقات الأمريكية والمعونة الأمريكية الملعونة، بل أضف إلى ذلك السعي الحثيث للإدارة الأمريكية، والحكومة الإسرائيلية، لإغلاق قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية، مما دفع عميد هذه الكلية للإضراب عن الطعام حتى نقل إلى المستشفى، وهناك مئات المجالات في التصنيع تحرم منها مصر، وهي قادرة بفضل علمائها على إنتاج هذه الصناعة، ولكنها محرومة وممنوعة بفعل فاعل وهو المعونة، بل إنك تتعجب رغم ما يقال عن نهضة تركيا، التي صنعها رجب أردوغان، إلا أن الذي يقوم على صيانة المعدات العسكرية التركية من دبابات وطائرات هو سلاح المهندسين الإسرائيلي، هكذا سياسة أمريكا من مصر إلى باكستان إلى تركيا، سياسة واحدة، وهي إضعاف العالم الإسلامي، وخاصة الدول المحيطة بإسرائيل لحماية أمنها وسلامتها، وما حدث في العراق خير دليل على ذلك، إذ إن الهدف الأساسي كان تدمير القوة النامية– الصناعية والعسكرية للعراق- نعم نحن لا نغفل الدور الأحمق الذي لعبه صدام حسين، عندما التقط الطعم الأمريكي، وهو احتلال الكويت، وقد أرسل إليه الرئيس بوش الأب - في رسالة حملها له “,”طارق عزيز“,”، وزير الخارجية العراقي -، يقول فيها ما ملخصه، “,”إن تحرير الكويت قادم، ولكنك سوف تتحمل جريمة تدمير العراق، وإنني أحذرك من أي عمل ضد قوى التحالف، وإلا سوف تدفع الثمن غاليًا أنت وبلادك“,”.
ما يحدث الآن في سوريا أيضًا، هو تدمير للتنمية الحقيقية الصناعية والعسكرية، التي بدأها بشار بمعاونة من إيران، وخاصة في مجال الصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى، التي تستطيع أن تصل إلى إسرائيل بكميات هائلة وبلا عائق، وأثر اللعنات في هذا المجال تحتاج إلى مجلد يكتبه أهل التخصص، ومن لعنات المعونة الأمريكية ما أصاب العلاقات المصرية العربية، فنحن الآن لا نستطيع أن نطالب بتحرير فلسطين ولا القدس العربية، وهي القضية المحورية في المنطقة أقصى ما نتمناه إعادة الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد تمزقت الضفة الغربية بالمستوطنات الإسرائيلية، ولا نستطيع أن نقف أو نساعد دولة مثل سوريا، في حالة قيام حرب سورية إسرائيلية، ولا نستطيع تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بيننا وبين الدول العربية، بل إن العلاقات المصرية الإيرانية مقطوعة بسبب التدخل الأمريكي، وخوف أمريكا من قيام تحالف مصري إيراني في المنطقة.
وعلى الجانب الآخر، نجد نعمة الخلاص من المعونة الأمريكية والعلاقات الأمريكية، فعندنا النموذج الأكبر دولة الصين، منذ أن تحررت الصين من الاستعمار الياباني، وحكمها الحزب الشيوعي بقيادة الزعيم “,”ماو تسي تونج“,”، وهي على خلاف وصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، كان مكشوفًا على أرض فيتنام، حينما كانت أمريكا تدعم فيتنام الجنوبية، والصين وروسيا يدعمان فيتنام الشمالية، وعندما حاول الزعيم جمال عبد الناصر التدخل لحل مشكلة فيتنام، طلب منه الزعيم الصيني التوقف عن ذلك، وعندما استوضح منه الزعيم جمال عبد الناصر عن سبب الطلب، قال له الزعيم “,”ماو“,”، نحن نريد أن يكون الأمريكان بالقرب منا، يقصد “,”في فيتنام الجنوبية“,”، حتى نستطيع أن ننشب أظفارنا وأسناننا فيهم، واستمر هذا العداء حتى اليوم، فنحن نرى نعمة هذا العداء على الصين، التي غزت كل دول العالم بصناعاتها، بما فيها الولايات المتحدة نفسها، وعجز الميزان التجاري بين الدولتين 800 مليار دولار لصالح الصين، وأصبحت الصين قوة عسكرية لا يستهان بها، بل واقتحمت البرامج الفضائية، أصبح لها برنامج فضائي خاص بها، ولا نبعد كثيرًا، فأمامنا الدولة الإيرانية، بسبب نعمة الحصار الأمريكي، أصبحت قوة صناعية لا تستطيع حذفها، ففي آخر تصريح للرئيس الإيراني الجديد “,”حسن روحاني“,”، قال إنه لدى إيران القدرة على إنشاء المحطات النووية منفردة، ودون استعانة من الآخر، وقال إن الحصار والضغوط الأمريكية ليسا هما الطريق الصحيح لتعاون الشعب الإيراني، أضف إلى ذلك القدرات الصناعية لإيران في المجالات العسكرية، وخاصة مجال الصواريخ، فقد أصبحت إيران قوة لا يستطيع أحد حذفها أو تجاهلها، وهكذا لو تتبعنا أثر المعونة الأمريكية، لوجدنا أن الدول التي تقدمت في جميع مجالات النهضة، لا علاقة لها بأمريكا ولا بالمعونة الأمريكية، والدول التي ما زالت رهن التخلف هي التي لها علاقات بأمريكا وبمعونتها الملعونة، نسأل الله أن يهيئ لشعب مصر قائدًا ثوريًا، على قدر ثورية هذا الشعب العظيم، لنأخذ مكانتنا الطبيعية بين دول العالم.