البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

وجهة نظر في سيكولوجية الفلاح المصري (4-2)


تمتلىء ترسانتنا الفكرية بالعديد من الأفكار الخاطئة المشوهة عن أنفسنا، وقد يبدو ذلك القول للوهلة الأولى بالغ الغرابة، فالمفترض بداهة أن المرء هو أدرى الناس بنفسه، ومن ثم فإن معرفته بنفسه تكاد ترقي إلي درجة اليقين، ألا تتردد على ألسنتنا جميعا عبارات مثل "إنني أعرف فلانا كما أعرف نفسي". و لو سلمنا بصحة ذلك رغم أن فرعا قائما بذاته من فروع المعرفة الإنسانية –هو التحليل النفسي- ينطلق من إثبات أن أشد ما يجهله المرء هو حقيقته؛ فإن ثمة حقيقة علمية هي أن معرفتنا بخصائصنا كجماعة وخصائص غيرنا من الجماعات الأخري إنما نحصلها عبر قنوات مؤسسية.
لنا أن نتساءل: هب أنني أعرف نفسي يقينا، فكيف لي أن أؤكد أنني أعرف المصريين بنفس الدرجة من اليقين؟ ربما كان الرد هو أعرفهم لأنني منهم، ولكن هل المصريون كتلة صماء متطابقة بحيث تجمع بينهم صفات مشتركة ما أن أراها في نفسي حتي أسلم باتصاف المصريين جميعا بها؟
ولذلك التشوه أو التشويه العديد من المسببات والمصادر والجذور التى لايتسع هذا المقام للتعرض لها تفصيلا ولا حتى لعرضها إجمالًا وما يعنينا أولا هو تأكيد أن تلك الأفكار الخاطئة تعد من أخطر العوائق التى تهدد محاولات النفاذ ثقافيا إلي الريف بهدف التغيير أو حتى بهدف الدراسة والفهم فحسب وبالتالى فإن محاولة مراجعتها تعد ضرورة ملحة عمليا ونظريا في نفس الوقت•
ترى هل المجتمع الريفي المصرى أكثر رجعية من المجتمع الحضرى المصرى على المستوى السلوكى؟
بعبارة أخرى هل "الفلاح المصرى "أقل تحررا وأشد تمسكا بالقديم ودفاعا عنه، وأكثر نفورا من الجديد ومحاربة له؟ كفى أن نتاول على سبيل المثال محكا واحدا لاختبار تلك القضية هو الموقف من المرأة• وهو محك نستطيع أن نعتمد عليه إلي حد كبير لتبين لمدى تحرر أو رجعية جماعة من الجماعات• ولا يعنى ذلك بحال أنه المحك الوحيد• والمقصود بتحرر المرأة على المستوى السيكلوجى هو تقبل أفراد جماعة معينة لمشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والأسرية مشاركة تقوم على تكافؤ الأدوار وتكاملها، أى تقوم على الاعتراف بكيانها المستقل ودورها الفعال•
لو سملنا بذلك لأمكننا أن نضع أيدينا على ظاهرتين تتعلقان بوضع المرأة في الريف المصرى وتتعارضان - فيما نتصور- مع القول برجعية الفلاح المصرى بشكل مطلق•
أ- أن وضع المرأة بين فقراء الفلاحين ومعدميهم يختلف عن وضعها بين أغنيائهم اختلافا كبيرا• فالمرأة الفلاحة الفقيرة لاتتحرك ولا يتحرج زوجها عادة من اقدامها على مشاركته في العمل• وظاهرة عمال التراحيل - وهم من الفلاحين المعدمين- تفيض بنماذج لاحصر لها تؤكد جميعا مشاركة المرأة للرجل فى هذا النشاط الشاق دون حرج أو تحرج•
ب- تتمتع المرأة القروية الفقيرة - بل والمتوسطة أحيانا- وتحت ضغط الحاجة الاقتصادية بقدر نسبى من الاستقلال الاقتصادى الذى يصل في بعض الأحوال إلي حد تقبل أن يكون لها مشروعها الاقتصادى الخاص الذى يمول في أغلب الأحيان من مال تحصل عليه لسبب أو لآخر من أهلها أو يمول من مال تتلقاه على سبيل "النقوط" فى مناسبة اجتماعية خاصة بها• ويتخذ ذلك المشروع الاقتصادى الخاص عادة شكل المشاركة في المواشى أو التجارة البسيطة في بعض المنتجات الغذائية أو ما إلى ذلك•
إن المرأة الريفية حين تشارك الرجل فى مشاق عمله، وحين تمارس أنشطتها الاقتصادية المستقلة البسيطة لاتبدى، بل وقد لاتحس، أنها تقدم على أمر غير مألوف أو أنها تحقق "ثورة" أو شيئا من هذا القبيل• وكذلك الحال بالنسبة للرجل الريفى الذى لايجد غضاضة فى شىء من ذلك، ولايبدى - بل وقد لايحص أيضا- أنه يقدم تنازلا بشكل أو بآخر• بل على العكس تماما فإن الرجل الريفى والمرأة الريفية يمارسان ما يمارسانه باعتبار أنه أمر طبيعى تماما، أمر تفرضه طبيعة الأمور بحيث لايحتاج إلي مناقشة أو إعمال فكر• وهو كذلك بالفعل•
خلاصة القول أن التسليم المطلق برجعية الفلاحين عموما أمر فى حاجة إلي إعادة النظر والتفكير والتناول • وإذا كان الموقف من المرأة يعد محكا واحدا من محكات عديدة لتبين مدى تحرر جماعة معينة، فلسوف نشير فيما بعد إلي بعض المحكات الأخرى التى تدعم ما ذهبنا إليه•