الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صيحات التجديد الديني ( 51 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونأتى إلى رائد من رواد معارك التجديد المعاصرين . نلتقط نفساً عميقاً ونحن نقترب من ساحة الدكتور جابر عصفور . ولكننا عندما نتطلع الى حديقة الإبداع الفكرى التنويرى والتجديدى يكون انبهارنا مفتاحاً لدهشتنا التى تؤكد استحالة الإحاطة بكتابات جابر عصفور .. كثيرة هى ، عميقة هى وشجاعة أيضاً . ولهذا أستأذن القارئ فى أن أكتفى بتلك الموسوعة التى هى آخر ما دارت به المطبعة من إبداعات جابر عصفور [التنوير والدولة المدنية – نوفمبر 2013] وأول الصفحات عنوانها "المفتتح" . ويسبقها أربعة من أبيات شعر عبد الرحمن الابنودى يبدأ بها جابر عصفور ليتحدى بها التخلف والجهل والتكفير..
يا عميد الأدب .. هذا زمان العجب
اللى زمان كفروك .. أهو كفروك تانى
سوق الجهالة انقلب ع اللى انقرا وانكتب
والجهل للعلم قال : ما تجيش هنا تانى .
بهذا التحدى يكون "المفتتح" . ونبدأ من السطر الأول من موسوعة باتساع 462 صفحة من القطع الكبير ونقرأ "مبدآن ورثت بعض مكوناتهما من رواد الفكر المصرى الحديث الذين أعدهم مسهمين أساسيين فى تكوينى العقلى ، يتصل هذان المبدآن بفكر التنوير والدولة المدنية فى آن . أما التنوير فقد سعيت الى تأصيل وتأويل عربى للتنوير الاوربى الذى رأيت له جذوراً وأصولاً فى تراثنا الاسلامى العقلانى ، سواء عند المعتزلة وأشباههم من المتكلمين ، أو عند الفلاسفة العرب والمسلمين، ولقد سبق لى أن قلت فى كتابى "أنوار العقول" [1996] أن التنوير يقوم على أساس عقلانى ، لا معنى له بعيداً عنه ، وأن المكانة الإنسانية المتميزة للعقل فى تراثنا الفلسفى العربى هى الأساس النظرى لأى فهم للتنوير ولا استثنى من ذلك ميراث التنوير العربى الذى لا يزال قائماً راسخاً تتعدد صوره وتجلياته منذ عصر الأنوار فى الحضارة الأوربية . ويقينى أن ميراثنا العقلانى هو الذى لا يجعلنا نشعر بالغربة حين نتوقف عند الأفكار التى أنتجتها حركتى التنوير الأوربية فى القرن الثامن عشر أو نفيد من أفكار هذا الفيلسوف أو ذاك من فلاسفة التنوير القدماء والمحدثين فى أوربا ، ذلك أن احترام العقل ومنحه الأولوية فى تأسيس المعرفة الإنسانية فى مجالاتها المتعددة يظل القاسم المشترك الذى يصل بين تراثنا وغيره فهو أصل الإضافة التى أضاف بها التراث العربى إلى التراث اليونانى السابق عليه .. وذلك منذ كانت الرشدوية [أفكار ابن رشد] إحدى بدايات النهضة الأوربية وازدهار تياراتها العقلانيه"[صـ7] وهنا أود أن أعترف للقارئ أننى ما أن وقعت فى مصيدة جابر عصفور لا أستطيع أن أفلت من أى نص أبدأ به فالكلمة تلو الأخرى تمسك بك ، وتتمسك بأن تأتى بالكلمة التالية وهكذا تجد نفسك وكأنك مجبر على نقل الكتاب بأكمله حرفاً بحرف وكلمة بكلمة . فالبناء اللغوى والفكرى محكم ولا يسمح لك بالاجتزاء . لكننى وقبل أن أختتم هذه المقدمة لما سأكتب عن جابر عصفور أود أن أعترف بدهشتى من أن عصفور قد بدأ بواحد من مربعات عبد الرحمن الابنودى فبدأ متحدثاً إلى طه حسين
يا عميد الأدب .. هذا زمان العجب
حتى كان أن طالعت فى سيرته أن أباه الذى لا علاقة له بالثقافة كان يردد دوماً أمنية أن يكون ابنه الوحيد جابر مثل طه حسين عميداً للأدب . ونادراً ما يحقق الأبناء أحلام الآباء خاصة إذا ما صعدت إلى مقاربة ما قد يتبدى مستحيلاً فى بدايات الحلم . لكن جابر عصفور فعلها .. فصار بالفعل عميداً للأدب العربى . فكيف كان السبيل ؟