الأحد 09 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

توزيع الأخوين كاسترو!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الفارق بين الرئيس الكوبي الحالي راؤول كاسترو، وشقيقه الرئيس الكوبي السابق الزعيم السابق فيديل، يطرح نفسه – بقوة - عند تأمل التطور الدراماتيكي المذهل الذي شهدته العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا، وهو ذات الفارق الذي ينبغي أن نتفهم بواعثه حين يصل الصراع بين طرفين إلى قمته ويشارف المتنازعون أفقًا مسدودًا، ويصبح على أحدهما أو كليهما التنازل لتحقيق تقدم ما في سكة العلاقات الثنائية وبخاصة إذا كانت سببت للطرفين أوجاعًا تاريخية وظهرت ضرورة لعلاجها.
كل من راؤول وفيديل، كان قطبًا متشددًا في يساريته وعدائه للولايات المتحدة، وراؤول كان الطرف الأكبر تطرفًا وثورية، ولكنه بمجرد أن تولى الحكم عام 2008 أظهر قدرة مدهشة على انتهاج سياسات أكثر لينًا، وكذلك اختراع قنوات دبلوماسية للتفاهم لم تك موجودة قبلاً، وبما يمثل لونًا مختلفًا لأداء الإدارة الكوبية وإزاء الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، حتى أن طريقتي راؤول وفيديل، للتعامل مع الأزمات الدولية ظهرتا كنغمتين مختلفتين ائتلفتا للوصول إلى أداء سيمفوني واحد، يعني نستطيع أن نقول إن ما وصلت إليه كوبا منذ عشرة أيام باعتراف الولايات المتحدة بها، وإعلان أوباما عن بدء تطبيع العلاقات، هو قطعة موسيقية من توزيع الأخوين كاسترو!
وربما لا يعرف أهمية تلك الانعطافة السياسية الدولية وخطورتها إلا جيلي والأجيال التي سبقته، إذ أذكر – في طفولتي الباكرة - أن الجرائد والراديو كانت تبث أنباء متوترة، وسمعت عنها – كذلك - من أبي وأصدقائه من كتاب ومثقفي روزاليوسف الذين كان بعضهم يلتئمون حوله مساء في بيتنا، عن أزمة الصواريخ الأمريكية / الروسية، التي نشبت في أعقاب عملية قادتها المخابرات المركزية الأمريكية لغزو كوبا، وأسفرت عن نصب الاتحاد السوفيتي لصواريخ نووية في كوبا وتهديده أمريكا بالضرب إن لم تتوقف عن اختراق أمن كوبا الشيوعية.
وأذكر كذلك رسوم أبي الكاريكاتورية التي كان يبدع بعضها في المنزل، والتي نوعت في سلاسل لا تنته على شخصيتي جون كينيدي الرئيس الأمريكي، ونيكيتا خروشوف الزعيم السوفيتي، إبان تلك الأزمة التي كانت تجليًا جديدًا للوصول بالصراعات الدولية إلى حافة الهاوية أيام الحرب الباردة.
كل العالم حبس أنفاسه – وقتها - متصورًا أن أزمة كوبا سوف تفضي بالكوكب إلى الحرب العالمية الثالثة، وبدا أن العالم سيحترق بسيجار هافانا بين شفتي فيديل كاسترو، الذي نشبت الأزمة بسببه.
الآن نجح راؤول كاسترو في أن يقود عملية اقتراب رائعة من الولايات المتحدة بتنازلات محسوبة تدل على أنه الزعيم الذي يعرف كيف يتنازل عن عنصر أو اثنين ليسا مهمين له تمامًا ليحتفظ بعشرة يريدها ويحرص عليها.
فقد انتهج راؤول سياسة سوق مفتوحة (جزئيًا) ومنح المواطنين حرية السفر، وقام بنقلة تاريخية حين سعى إلى البابا فرانسيس ليكون (مع كندا) قناة دبلوماسية للتقارب مع الأمريكان، بينما كانت العلاقة بين الكنيسة وهافانا مقطوعة تمامًا في عهد فيديل كاسترو، ووافق راؤول على إعادة جاسوس كوبي إلى الولايات المتحدة بعد عشرين عامًا قضاها رهن الاعتقال جراء اتهامه بالتجسس لصالح (سي.آي.إيه)، مقابل استعادته خمسة جواسيس كوبيين من أمريكا، رجع ثلاثة منهم فى عامي 2013-2014 وعاد اثنان منذ أيام.
راؤول كان لديه من الحذق والفهم ما جعله يعرف متى وكيف يفرغ وينتهي من خطاب (الثورة)، ومتى وكيف يعتمد خطابًا نفعيًا براجماتيًا قادرًا على التكيف والتجاوب مع معطيات المرحلة، وذلك على الرغم من أن راؤول كاسترو حين عمل وزيرًا للدفاع في إدارة أخيه كان الأكثر ثورية والأكثر ميلًا إلى التشدد.. وقد بدأ – الآن - بناءً على بعض التنازلات التي منحها خلال عملية التفاوض الطويلة والصعبة، يطالب الولايات المتحدة على نحو لحوح وضاغط بإلغاء العقوبات والحصار المضروب على كوبا، محاولًا التحصل على ثمن كبير جدًا لتنازله الصغير جدًا، لا وقد أمعن في إحراج أمريكا حين أشار إلى زوال العقبات في طريق العلاقات الأمريكية - الكوبية، وذلك في خطابه أمام البرلمان (الذي يجتمع مرتين كل عام) مؤكدًا أن الشعب الكوبي يشيد بالقرار الصائب الذي اتخذه باراك أوباما.
هذا الرجل (راؤول) يبلغ من العمر 83 عامًا، ومع ذلك كان لديه من المرونة الفكرية والسياسية ما تمكن به أن يعزف نغمته الخاصة مع الولايات المتحدة، فيكمل طريقًا بدأه أخوه بأسلوب مغاير تمامًا، وبحيث أصبح في إمكان العالم اليوم الاستمتاع برقصة هافانا من توزيع الأخوين كاسترو، والتي كان أول الراقصين على نغماتها باراك أوباما نفسه.