الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل يُمكِن لقطر أن تتحرَّر من فَلَكِها؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما الذى يجعل عاقلاً يميل لحظة واحدة إلى تصديق أن قطر مخلصة وجادة فى التصالح مع مصر، وأنها تعنى رسميا وعمليا ما أعلنه مبعوث أمير قطر، بعد مقابلته الرئيس السيسى منذ يومين، من أن بلاده تقف إلى جانب مصر، وأنها تعمل على تحقيق أمنها!
قبل مجيء مبعوث الأمير كان أى متابع يسمع مثل هذا التصريح يفهم مضمونه كالتالى: الوقوف إلى جانب مصر يعنى التصدى لأشياء منها سياسة قطر ضد مصر، كما أن العمل على تحقيق أمن مصر يعنى مناهضة أشياء منها ما تفعله قطر ويهدِّد أمنَ مصر!
فهل تريد قطر أن تُدخِلنا فى عالم العبث واللا معقول؟! هل تريد أن تقف فى صف مصر وتدعمها ضد سياسات تتخدها قطر بنفسها وتعلنها على العالم دون موارَبة كمواقف مبدئية؟
سيقولون: إحنا ولاد النهارده. حسنا، إذا كانت النوايا صادقة، فنحن إزاء الوعد بموقف جديد لم تُبدِ قطر بعد أى أمارة على الالتزام به، كما أنه لا يمكن له أن يتسق إلا بتغيير مواقف عملية سابقة، أو قُل هى مستمرة حتى الآن، لم تدارِ قطر فيها عداءها السافر لمصر على كل الأصعدة، ومن ذلك: احتضان الإرهابيين المصريين الفارين من العدالة، وتوفير المأوى الفاخر لهم، إلى تبنى المارقين فى عواصم أخرى وتسهيل إقامتهم القانونية هناك والإنفاق عليهم ببذخ وتأسيس مشروعات إعلامية لهم، صحف وقنوات فضائية موجهة بالكامل ضد مصر.
كما أن قطر لم تَدَعْ فرصة ضد مصر، منذ الإطاحة بحكم الإخوان، إلا وكان لها يد فيها، بدءا من دعم إثيوبيا فى بناء سدّ النهضة، بما ينطوى عليه من أخطار على الحياة فى مصر، إلى تمويل الإرهابين، سواءً على أرض سيناء أو فى غزة أو على الحدود مع ليبيا، أو القادمين من داعش إلى مصر، وفى كل الأحوال هناك قناة "الجزيرة" من خلال الهجوم المتواصل بالقول والدعاية المضادة حتى هبط أداؤها إلى درك السباب والتلفيق وبثّ الأكاذيب، وتزوير لقطات ومشاهِد تمثيلية تفبرك تظاهرات واحتجاجات ضد نظام الحكم فى مصر، وكأنها تغطية نزيهة، فيما يُشكِّل جريمة مادية ضد الحقيقة وضد قوانين وأخلاقيات الإعلام قبل أن تكون انحيازاً غير موضوعى لطرف من الأطراف!
وكل هذا انحراف عن الخدمة الإعلامية التى يُفتَرَض فيه الحيدة، بما ينطوى عليه من إصرار على اختيار الموقف المعادى لقرار الشعب المصرى فى 30 يونيو بالإطاحة بحكم الإخوان!
ولقد تفاقم الموقف القطرى حتى لم يعد من الممكن فهمه وإدراك دوافعه ومراميه إلا فى إطار أنه لا يمكن أن يعنى قطر إلا من زاوية التحالف العالمى الذى قرّرت لنفسها أن تلحق به، وأن تلتزم بالدور والمسئوليات التى يُناط بها تنفيذها فى إطار هذا التحالف، بعد أن رأت أنه الأفضل لتحقيق مصالحها، مع تركيا وإسرائيل برعاية أمريكا، وهو التحالف الذى يقوم بأدوار كلها بالأساس لصالح إسرائيل، وإن كانت إسرائيل هى الطرف الأقل تحركا وتورطا على الأرض.
ومن البديهيات التى لا يجوز تبديد الوقت فى المجادلة حولها أن دور قطر فى تحديد سياسات هذا التحالف محدود للغاية، بل إنها مكلفة بمسئوليات ليس أمامها إلا الالتزام بتنفيذها وفق ما هو مرسوم، وأن مساحة المناورة لها فى حدّها الأدنى، وأن المقابل الذى تناله هو حماية نظام الحُكم وأمن الحُكّام.
ويُلاحظ أن قيادة هذا التحالف قد قررت مؤخراً أن تغير من تكتيكات التعامل مع الحكم الجديد فى مصر، وإرجاء الأهداف الأساسية حتى تتغير الظروف، وذلك نتيجة لما تبين لهم من إصرار الشعب المصرى على تأكيد اختياره الإطاحة بحكم الإخوان والتمسك برئاسة السيسى والاستمرار فى المضى فى خارطة المستقبل التى تنتهى بانتخاب مجلس النواب قريباً، وكان المؤشر البارز لهذا التغير فى موقف أمريكا فى الإفراج عن طائرات الأباتشى التى عطّلتها منذ طرد ممثل الإخوان من القصر الجمهورى.
وقد تزامن مع هذا التطور خطوة مجلس التعاون الخليجى لرأب الصدع الذى ضرب صفوفه والذى تفاقم عندما اتخذت بعض دوله موقفاً ناقداً لقطر، وصل إلى حدّ سحب السفراء من الدوحة، وقد ظهرت مؤخراً مبادرة العاهل السعودى للتصالح والسعى لتصفية الجفوة بين مصر وقطر.
ومن يدرى، لعل وثائق تتسرب قريباً تقول بأنها لم تكن مبادرة سعودية، وإنما كانت مجرد إجراء فى السياسة الأمريكية الجديدة التى تحاول أن تتواكب مع المتغيرات، والتى ليس من الصعب على أمريكا أن تفرضها على حلفائها الصغار.
هذا هو السياق الذى يُفسِّر كيف تحول موقف قطر الذى لم يكن قد تهيأ للتحول، وكان يصرّ حتى أيام قليلة مضت على إحراج مصر اقتصاديا بالإصرار على سحب وديعتهم فى البنك المركزى وعلى رفض المرونة فى جدولة السداد!
وهذا أدعى للتعامل مع الأهداف المعلنة لمبعوث الأمير بقليل من التروى، واضعين فى الاعتبار أن أسوأ ما يمكن أن يترتب على عدم الاستجابة المصرية لهذا الالتواء لن يأتى بنتائج أسوأ مما مضى، تماماً كما أن سرعة استجابة مصر لهذه الخطوة لن يضمن أن يستمر الودّ إذا كانت هناك تكليفات أخرى من قيادة التحالف لقطر بمهام أخرى مضادة.
من القواعد لازمة الاتباع أن يُرَحَّب دائماً بأى مسعى لوقف نزاع، فليس هنالك سياسى عاقل يقبل أن يستمر فى استنزاف طاقته إذا كانت هناك إمكانية للتهدئة، ولكن هذا شريطة ضمان جدية المسعى، والثقة فى عدم الارتداد إلى سابق بواعث النزاع، وهذه ضمانات ينبغى أن تتمسك مصر بأن تلتزم قطر بتوفيرها لإثبات أن نية المصالحة خالصة! ولعل من أبسط المطالب التى تكشف الجدية وتبرئ قطر من شبهة التحايل، هو أن تلتزم، أولاً، بوقف الأكاذيب ضد مصر فى "الجزيرة"، وثانياً، بسحب الدعم الرهيب الذى توقفه للصحف والفضائيات المعروفة التى تعيش على التمويل القطرى، وثالثاً، بتسليم الفارين من العدالة وتسهيل مثولهم أمام القضاء المصرى. على أن تتخذ قطر خطوات تالية بعد ذلك تعزِّز من روابط العلاقة مع مصر.
ليس فى هذه المطالب المبدئية ذرة مبالغة، ولا أدنى تعنت، وإنما هى تصويبات لأخطاء جسيمة لا يمكن أن تستمر فى ظروف طبيعية بين دولتين، وهى أمور للحاضر والمستقبل وليست لتصفية أخطاء الماضى.