الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ذيول الفوضى الخلاقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المتابعون لوسائل الاتصال الاجتماعي قرأوا كثيراً عبارة يرددها الشباب بسخرية عقب أي حدث تمر به مصر، سواء كان تصادم على الطريق بين سيارتين أو حتى ارتفاع سعر الدولار، حيث تتردد عبارة "إحمد ربنا إننا مش سوريا ولا العراق" وتنسكب العبارة على الصفحات يتبعها تعليقات وضحكات شامتة، وكان من الأسهل بالنسبة لي تجاهل تلك الخفة التي لا تنم عن جهل فقط بل تكشف عن إحساس بالاستخفاف بما يواجهه هذا الوطن من مخاطر وتحديات والأكثر خطورة أنها تكشف عن إحساس آخر بالاستهانة بفكرة الوطن في حد ذاتها، وبمرور الوقت لاحظنا أن كثيرين أخذت الخفة مداها معهم حتى أنهم صاروا يكتبون إسم مصر بالسين بدلا من الصاد فينطقونها "ماسر".
ولذلك لم يعد من المنطقي تجاهل تلك الخفة التي تشبه معاول هدم تتجه نحو تحقير وتقزيم فكرة الوطن وأيضا أي خطوة تمشيها بلادنا في اتجاه البناء، ولم يعد الصمت ممكناً عندما يصل الأمر للسخرية من اسم الوطن، وهنا نقول لقد تمادى من يلعبون بالكلمات بسبب صمت من يخالفونهم في الرأي ترفعاً عن مستنقع تشكلت ملامحه في زمن الفوضى الخلاقة، لذلك نقول أنه من الواجب على كل مصري ومصرية أن يحمد الله كثيراً بالفعل لأن بلادنا لم تشهد دماراً كالذي تشهده كلاً من سوريا والعراق أعانهما الله على تجاوز تلك المحنة، أما الساخرون الذين عمت عيونهم عن الدواعش وعن احتلال الأراضي وسبي النساء والذبح بالسكاكين والقنابل والسيارات المفخخة التي تنفجر ليلا ونهارا في المدارس والأسواق والمساجد، وفتحوها هنا بمصر على وسعها لترصد كوم قمامة هنا أو تجاوز سخيف لموظف أومسئول، نقول لهم راجعوا أنفسكم، لا الصوت العالي يحقق لكم ذاتكم ولا السعي نحو الفوضى يعتبر ثورة، الثورة الحقيقية هي التغيير المتواصل للأفضل من أجل نهضة بلادنا وتأمين مستقبل أولادنا.
سنوات طوال عاشتها مصر والتجريف المتواصل لثرواتها مستمر، لنحصل في سنواتنا الأخيرة على جسد وطن مرهق من الطعنات، نهب الثروات سيتم تعويضه بالعمل والخطط المحكمة ومواصلة الضغط من أجل استرداد ما يمكن من هذه الثروات، ولكن على خط مواز فإن ما شهدته العقود الأخيرة من تجريف لأرواح أجيال متتالية ونزع إحساسهم بالمواطنة هو مكمن الخطر، وهنا المشكلة الرئيسية التي علينا الالتفات لها، فإذا كانت مصر قد هانت على بعض من تلك الأجيال وصار اسمها حسب ما يحلو لهم تسميتها بماسر فهي أبداً لم تهن على المجموع المصري من عمال وفلاحين ومهنيين، وسستنهض من كبوتها أقوى وأعظم.
الفوضى الخلاقة التي أرادوها لنا في البيت الأبيض الأمريكي، وهذا ليس تخمينا أو وهماً من أوهام المؤامرة، ولكنه واقع بشرتنا به قبل سنوات وزيرة خارجيتهم كونداليزا رايس، عندما رأت أن الفوضى الخلاقة ببلدان الشرق الأوسط هي مفتاح النجاة لأمريكا لكي تزداد ثراء بفعل تجارة الدم والسلاح، تلك الفوضى التي تلقفها بعض من أبنائنا متوهمين أن الثورة تعمل على مدار أربعة وعشرون ساعة، متوهمين أن ثورة بلا برنامج ولا قيادة على الأرض قد تحقق أهدافها.
لقد كان للشعب المصري شرف البطولة المطلقة في إنقاذ هذا البلد من مخالب التأسلم السياسي حين رفض بفطرته تواجد هذه التيارات شكلا ومضمونا وهو ما كان الركيزة الأساسية لنجاح التغيير في 30 يونيو، وهو أيضا ما جعل أنصار الفوضى الخلاقة في واشنطن يتراجعون مؤقتا عن ضغوطهم لإعادة تيارات التأسلم إلى حكم مصر.
المخالب التي نهشت جسد العراق وسوريا وتم كسرها على الصخرة المصرية تجعلنا نقولها بفخر إننا نحمد الله كثيراً لأننا لسنا سوريا أو العراق.