الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

أطفالُنا ليسوا تحت الطلب.. ولا مصرنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
** كان المشهد على الشاشة غريبا وجديدا لم تقع عيناي على مثله من قبل.. طابور من الأطفال في صفوف متتالية يسيرون في الشارع يرتدون أكفانا ويحملون فوق أياديهم أكفانا أخرى!!.. اقتربت الكاميرا من واحد من الأطفال سمعته يقول (لا مش خايف من الشهادة)!!، الطفل عمره لا يزيد عن السبع سنوات ويتحدث عن الشهادة!.. فهل حقا يعرف ما هي الشهادة؟ أم أنها عبارة تم تلقينه إياها؟!..
واستمر الجمع من الأطفال المرتدين الأكفان سائرا وكاميرا التلفزيون تتابعهم.. بعض الأطفال ينظرون إلى الكاميرا بفضول ضاحكين، هم فرحون إن التلفزيون يقوم بتصويرهم وسوف يظهرون على شاشته.. اقتربت الكاميرا من آخر عمره يتراوح بين العاشرة والاثني عشرة عاما، كانت ضحكته واسعة كبيرة، اقتربت الكاميرا من وجهه، وجهه أسمر لفحته الشمس حتى احرقته، وجهه ليس نضرا بل كان وجها شاحبا نحيلا عظامه بارزة، بدى لي تشبيهها بوجوه الأطفال التي جرت العادة أن ينعتوا بـ(أطفال الشوارع) يقفون في الإشارات ينتهزون فرصة الإشارة الحمراء فيطلون من وراء زجاج السيارة بوجوههم الشاحبة الضامرة، يمدون أياديهم النحيلة ممسكين بعلب المناديل الورقية أو بفوطة في العادة غير نظيفة ليمسحوا بها زجاج السيارات طمعا في أي عطاء.. من الجزء المفتوح من الكفن ظهر (التي شيرت) الذي يرتديه الطفل وتنم ياقته عن رخصه.. وجدتني أتحدث إلى نفسي وأنا أتأمل شحوب الوجه وحرقة الشمس والعظام البارزة قائلة“,” (هؤلاء الأطفال ليسوا بأبناء أعضاء جماعة الإخوان، هؤلاء أطفال ملامحهم وملابسهم البادية من تحت الأكفان تنطق بالفقر).. وفي لحظة سمعت صوت الصبي الصغير صاحب الضحكة الواسعة متحدثًا بصوت يذكرني بنفس صوت وطريقة إلقاء طفل المناديل في الإشارات وطفل فوطة مسح السيارات، وهو ينظر إلى الكاميرا قائلا (آه أنا شهيد) ثم يضحك بصوت عال هازا برأسه مؤكدا والضحكة تزداد اتساعا (آه شهيد تحت الطلب)!!.. استوقفتني العبارة (شهيد تحت الطلب)!! هل هذه عبارة طفل أخرجه أبوه عضو جماعة الإخوان أو أمه عضو الجماعة وألبساه الكفن ليسير في مقدمة المظاهرة؟ (شهيد تحت الطلب) ذكرتني بـ (بلطجي تحت الطلب).
وعقب المظاهرة تداولت الأخبار أن هؤلاء الأطفال الذين ألبسوهم الأكفان وجعلوهم في مقدمة المظاهرة ليسوا بأبنائهم، بل إنهم أطفال أتوا بهم من إحدى دور الرعاية!!.
وتأكدت وعرفت أسباب الشحوب، والعظام البارزة، والملابس الرخيصة الفقيرة، والصوت الأجش في غير أوانه.. عرفت أن الأطفال ليسوا بأطفالهم إنما هم (أطفال تحت الطلب) أو كما قال طفل دار الرعاية (شهيد تحت الطلب)!
** ومنذ أيام قليلة جاءت إلى مصر السيدة ( كاثرين أشتون ) المفوضة العليا عن الاتحاد الأوروبي وطلبت مقابلة الرئيس المعزول ليطمئن قلبها الرقيق عليه، وتحدثت عن حق جماعة الإخوان التظاهر السلمي، لكنها لم تقل لنا هل حمل السلاح الحي يعد سلميا في عرفها؟!.. وتحدثت عن الحرص على سلمية التعامل في فض المظاهرات من قبل السلطات وعن.. وعن.. وعن.. ونسيت أو تناست السيدة أشتون التحدث عن استخدام الأطفال في اللعب على مشاعر شعوب وحكومات العالم الخارجي!.. نسيت أو تناست السيدة أشتون التحدث عن رأيها في إلباس الأطفال أكفانا وتحميلهم الأكفان، ووضعهم في مقدمة المظاهرات!.. نسيت أو تناست السيدة أشتون التحقق من هل هؤلاء الأطفال أبناء لأعضاء جماعة الإخوان؟ أم أنهم كما جاء في الأخبار أطفال أيتام أو مشردون جاءوا بهم من دار رعاية وألبسوهم الأكفان وحملوهم إياها ووضعوهم في مقدمة المظاهرة؟!
بحكم معيشتي معظم سنوات عمري في الخارج أعلم جيدا ماذا يمثل الطفل لديهم، وكيف يحرصون على ألا تمس الظروف- أي ظروف- براءة الأطفال لديهم..
وأستطيع تخيل كيف أن إلباس الأطفال أكفانا ووضعهم في مقدمة المظاهرات يعد من الجرائم العظمى لديهم، حتى لو كان هؤلاء الأطفال أبناء لمن ألبسوهم وجعلوهم في مقدمة التظاهر، فما بالنا بأنهم نزلاء دار رعاية وأخرجوا غصبا وقهرا وألبسوهم وحملوهم الأكفان الأكفان، ومن قبلها استخدموهم في تحطيم بلاط الشوارع يلقونه على رجال الشرطة أو الجيش أو المواطنين المختلفين معهم!!.
حدثت هذه المواقف اللاإنسانية تجاه أطفال مصريين في نفس توقيت قدوم السيدة أشتون إلى مصر.. لكن السيدة الآتية من ذلك العالم الغربي الذي يقدس الطفولة ويحميها، نست أو تناست هذه الجريمة البشعة التي اقترفها الإخوان في حق أطفال يتامى أو مشردين واهتمت بأن تقابل الرئيس المعزول ليطمئن قلبها عن كيف يعامل؟ وأين يعيش؟ وماذا يأكل ويشرب ويلبس؟!
وليست فقط السيدة أشتون هي من خرجت عن طبيعتها الغربية وقوانين الغرب التي تهتم بالطفل قبل أي شيء، نفس الصمت اقترفه وزيرة خارجية ألمانيا الذي لم تصدر عنه أي ملاحظة استنكارية تجاه هذه الجريمة البشعة في حق الأطفال، ومؤكدا أنه سمع بها وشاهدها، إلا إذا كان ما يسمعون به وما يشاهدونه أصبح انتقائيا!
ثم تأتي من تسمى بـ“,”مدير مكتب منظمة هيومان رايتس ووتش“,” في مصر، لتقول وبكل جدية وصرامة على شاشة التلفزيون المصري ومن خلال برنامج مانشيت (أن هناك مخاوف كثيرة من أي محاولة لفض اعتصامات أنصار مرسي لأن الشرطة المصرية غير مدربة على فض الاعتصامات بصورة سلمية) وللأسف لم يرد عليها مذيع البرنامج بما يستحق أن يقال!!.. وها نحن نقول لها: نحن من نعرف إذا كانت الشرطة المصرية مدربة أو غير مدربة ولست أنت من تتحدثين عن هذا، وكان الأولى بك إذا كنت صادقة وبحكم عملك في منظمة حقوق إنسانية أمريكية أن تتحدثي عن تدريب أو عدم تدريب وقدرة وعدم قدرة وعنف أو عدم عنف الشرطة الأمريكية عند تصديها لمعتصمي (وول ستريت).. لو أنك صادقة حقا لسمعنا صوتك من قبل تتحدثين عن والأساليب القاسية والوحشية التي تعاملت بها الشرطة الأمريكية مع المعتصمين لكنك ابتلعتي لسانك حينئذ لتأتين الآن وتلقين بأحكامك الصارمة على تدريب أو عدم تدريب شرطة مصر على استخدام الوسائل السلمية!!
** وأخيرا: يا أشتون ويا كل أشتون.. ويا سفير ألمانيا ويا كل سفير.. ويا مسئولة (هيومن رايتس ووتش).. ويا كل مسئول غربي.. نحن إذا كنا سمحنا لكم بالتدخل في شئوننا الداخلية بهذا الشكل (الذي أراه أنا شخصيا استفزازيا) فهذا ليس عن ضعف ولا خوف لأننا ليس لدينا ما يضعفنا ولا ما يخيفنا، فكل ما يحدث في مصر شرعي وقانوني لأنه جاء من الشعب ومن صميم إرادة الشعب وبمطلب من الشعب وبتفويض من الشعب.. نحن تركناكم تزورون الرئيس المعزول رغم عدم أحقيتكم في هذا لأننا نعرف أننا دولة قانون ولا نعامل حتى الخارجين على القانون إلا وفقا للقانون، ونحن نعقد المؤتمرات الصحفية ونسمح لإعلامكم بالتواجد في مواقع الأحداث والتصوير لتشاهدوا بأنفسكم كيف تتعامل قواتنا الأمنية مع قوم قانونهم هو الإرهاب، ووسائلهم في الخلاف هي التعذيب والقتل الذي وصل إلى إلقاء الأطفال من فوق الأسطح وقطع الأصابع والتمثيل بالجثث، ونحن نعرف جيدا أنكم لا تسلكون مع معارضيكم ومتظاهريكم نفس المسلك السلمي ولا تتحلون بكل هذا القدر من الصبر وطول البال ولكم في (وول استريت) آخر العبر.. تركناكم تفتشون لأنه ليس هناك ما نخفيه، وتركناكم تزورون وتصورون لتدركوا بأنفسكم أننا أكثر تحضرا منكم وسوف نظل.. لكن ما يجب أن تدركوه جيدًا أننا نفعل هذا بإرادتنا وليس قهرًا ولا قسرًا، لقد انتهى عهدًا كنتم فيه على مصر أوصياء، تتلقى أوامركم وتنفذ قراراتكم وتفتشون فيها حتى على النوايا.. تركناكم تزورون وتلتقون وتسألون وتصورون بكامل إرادتنا ولو شئنا الرفض لرفضنا.. فنحن لا نخاف من قطع معونات ولا وقف قروض، ونحن شعب عشنا من قبل دون معونات ودون قروض، عشنا مرفهين ومترفين بكرامة وإرادة حرة هي لنا الشبع وهى لنا خير الزاد.. كرامة هي لنا عنوان، ومنذ أن نطق بها زعيم وطني لمصر منذ سنوات طوال هو جمال عبد الناصر.. (ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد) صاح بها وصاح بها الشعب معه، وظلت لنا عنوان محفور باق في الوجدان.
فلا مكان لاستعبادكم لنا، ولا سلطان لكم على أرض مصر العظيمة الشامخة.. وأبدًا لن يكون.