الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

برلمان أرابيسك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع صدور قانون تقسيم الدوائر حان وقت المواجهة مع مصر القادمة، مصر التي تتكامل فيها المؤسسات لتعبر أخيرا إشارة المرور الحمراء منطلقة نحو المستقبل، وترجع أهمية هذا البرلمان إلى كونه المتمم لخارطة الطريق ولا يقل في قوته عن قوة ثورتي مصر الأخيرتين، فالمعروف بداهة هو أن التشريعات الثورية سوف تتحقق من خلال برلمان 2015 المنتظر خاصة في تأكيد الاستقلال الوطني وكذلك العدالة الاجتماعية، ومن هنا سنرى تداعيات كبرى على المستوى الداخلي وفي المحيطين العربي والدولي.
لذلك وجب علينا من الآن التحذير ودق كل الأجراس وإشارات التحذير لكل عبده مشتاق، سواء كان من داخل الأحزاب أو من تيارات التأسلم أو من محترفي حصاد الأصوات من خلال السماسرة القدامي، فالمعركة ستسن لها الأسنان والألسنة وستفتح فيها أبواب الشيكات ومنابر الزوايا جنبا إلى جنب وستوارب مع شبابيك الفيس بوك، شاشات الفضائيات لمرشحين ومدعين و"كدابي زفة" وهذا ليس غريبا ولا مستهجنا بل بات أمرا مفروضا بحكم التاريخ والجغرافيا، لكن ما يهم حقا هو ألا تنتهي تلك المعركة بانتصار أي فريق على الآخر، وإلا فإن مصر ستعود لتقف أمام الإشارة الحمراء من جديد وتخشى أن تتقدم فتأخذ مخالفة أو تسحب رخصة قيادتها.
وليس المقصود هنا بعدم انتصار فريق على الباقين ألا يفوز أحد بكتلة أكبر من الباقين، فهذه هي سنة الانتخابات منذ عرفتها البشرية، بل المقصود هو ألا ينفرد فريق واحد بأغلبية مطلقة تنقل إلى أصابعه أوراق اللعبة فيفنط ويوزع ويكسب في كل دور على حساب كل الفرق الأخرى، لن أسعد إذا فاز الإسلاميون ولن أسعد إذا فاز بتلك الأغلبية من اننتمى سابقا للحزب الوطني ولن أكون راضية إن فاز الشباب الثوري، كما يطلق على نفسه، ولا أتوقع أن يفوز بالأغلبية نوبيون أو سيناويون أو مسيحيون، لكن الوضع سيكون مريحا ومعقولا إذا فاز من كل هؤلاء القدر الذي يمثلهم في المجتمع والذي يترجم بالنهاية الفسيفساء المصرية بعقلها وتهورها، بتطرفها ووسطيتها بأغنيائها وفقرائها، هذا الأرابيسك المصري الذي صنع هوية مميزة وحافظ عليها يحتاج أن نحافظ عليه باختياراتنا.
وبما أن القانون لم يتح فرض هذا التنوع اللهم إلا التمثيل المشرف لبعض الأقليات فإن الدور الرئيسي سيكون للشعب نفسه صاحب الصوت والقرار والذي أتوقع أيضا أن يمارس عاداته الانتخابية العتيقة في الاستماع بنصف اهتمام وبعينين متسعتين ليزف هذا بهتاف وآخر بتريقة، وبالتأكيد أيضا أن البحث عن المنفعة في "الموسم" الانتخابي سواء منفعة مباشرة كالرشوة المالية أو الرشوات المستقبلية في شكل وعود وتعهدات وكأنهم أمام مصباح علاء الدين، وهذا كله سيستمر للأسف لكن أثق أنه سيقل كثيرا ليس فقط لأن ما مر بالمصريين في السنوات الأربع الماضية يساوي خبرة أربعمائة عام لكن لأن كل فريق سيكون أكثر وضوحا وانكشافا أمام الجمهور، فمن سيسعى لمرشح غالبا سيذهب ليزداد اقتناعا باختياره وليس ليختار من جديد، وسيستثمر المرشحون هذا التقسيم الرأسي للمجتمع لكن الرهان أن يكون نتاج هذا الاستثمار حصة عادلة وممثلة لكل قسم لا أكبر مما تستحق ولا أقل.
مصر بها من ما زال متمسكا بمظلومية الإخوان وبها أيضا من يزال متمسكا بمظلومية مبارك ورجاله، وبها الحالمون بأن يطيحون بالباقين، ولذا يرى العقلاء في الفرقاء السياسيين أن الشعار الواجب الدخول به أرض المعركة هو "لا غالب ولا مغلوب" فهذا هو حكم الواقع الذي يحدد وبدقة أنه برلمان الأقليات، هكذا تقول لنا خريطة الأوزان النسبية على الأرض، فمن أراد تجاوزها بالسيطرة والتكويش والمال السياسي، فهو قاتل للتجربة ومشكوك في أمره، اتركوا الناس تحدد اختياراتها بوضوح، اتركوا الصناديق شفافة فقط أتيحوا الفرصة للجميع أن يعرض بضاعته كما يعرضها الآخرون وهذا في يد لجنة الانتخابات التي تحتاج رقابة تستخدم أدوات العصر، وتمنع من يزودها في استخدام قنواته أو الصحف التي يملكها سواء كشخص أو كفريق، وفي النهاية مصر أكبر من الجميع وقادرة على احتواء الجميع.