الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

2014.. بدايات محترقة ونهايات غير مكتملة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يأبى عام 2014 الذي يقترب من نهايته قبل أن يترك خيوطا لنهايات أحداث أبت الاكتمال، بعد أن حملت أيامه الكثير من الانفجارات السياسية والتطورات الأمنية، أنتجت دوامات من النزاعات الممتدة لا تزال تترك أثارا مدمرة على المجتمعات العربية، من اليمن جنوبا مرورا بالعراق شرقا وليبيا وتونس غربا، في وقت يزداد الحريق إشتعالا في سوريا ممتدا بآثاره إلى لبنان، خاطفا الأبصار عما ترتكبه إسرائيل من جرائم بحق فلسطين والفلسطينيين الذين يترقبون بقلق، مشروع إنهاء الاحتلال وقيام "الدولة الحلم"، الذي ينتظر دعما دوليا خارقا لتنفيذه بعد أن إعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء أول أمس الخميس قرارا بأغلبية ساحقة يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وذلك قبيل تصويت مرتقب في مجلس الأمن.


ورغم أن مصر هي الناجي الوحيد من حرائق ما يعرف ب " الربيع العربي"، إلا أن هذا العام الذي شهد أحداثا شديدة الخطورة، ترك المصريين أيضا يترقبون نهايات غير مكتملة لحلم الانتقال من مصر الثورة إلى مصر الدولة، بعد أن أنتجت تجربتهم تراجعا للإسلاميين في تونس، وانفجارا لخطر تنظيم الدولة "داعش"، جعل من فاتورة الخلاص التي يجب أن يدفعها العرب في مناطق التوتر باهظة التكاليف، مع استمرار ما أراده الغرب للمنطقة المشتعلة وهو اكتمال لعبة " الرقص على الحبال" من خلال إدامة الصراع في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وإبتكار أزمات تعزز مظاهر القلق في الخليج العربي خاصة الانهيارات المالية بسبب تراجع أسعار النفط وهو ما يجعل عان 2014 أسوأ الأعوام التي مر بها العالم العربي، الأمر الذي يجعل كل دوله وممالكه تلهث لإكمال النهايات على أمل الوصول إلى مرافيء الاستقرار
وإذا تابعنا تطورات الأحداث في مصر خلال 2014، يمكننا أن نرصد بدايات مشتعلة، أعقبتها تطورات يناضل فيها المصريون لإكمال النهايات، إلا أن تلك النهايات إنتظرت حلول العام القادم لتكتمل صورة النجاة من مصير دول أخرى شهدت ثورات ضد حكامها مثل ليبيا واليمن وسوريا، فبعد نحو شهر من إعلان الحكومة المصرية جماعة "الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية في ديسمبر من العام الماضي 2013 وتحديدا في 24 يناير من العام الجاري 2014، استيقظت مصر على سلسلة انفجارات مروعة أسفرت عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 86 آخرين، أعنفها ضرب مقر مديرية أمن القاهرة، ثم تفجير قرب محطة مترو أنفاق ومركز للشرطة، وتفجير أمام دار سينما رادوبيس بحي الهرم، فيما خرجت مظاهرات مؤيدة ومعارضة للسلطات الحالية، تزامنًا مع الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، مما تسبب في سقوط 49 قتيلا وإصابة 247 آخرين
وتوالت العمليات الإرهابية لتضيف المزيد من الأسماء إلى سجلات الضحايا سواء من المدنيين أو رجال الشرطة والجيش، وهو ما رسم صورة قاتمة للوضع الأمني، أنتجت حالة من عدم الشعور بالأمان وعدم اليقين بشأن قدرة الدولة المصرية على إستعادة الاستقرار، وهو الأمر الذي دفع بالمستثمرين الأجانب إلى التريث، رغم محاولات خجولة من جانب مستثمرين عرب تعززت لديهم الثقة بأن ما يجري هو مؤامرة ضد مصر يجب إحباطها ودعم الشقيقة الكبرى
إلا أن هذه البدايات المشتعلة لم تفت في عضد المصريين ولم ثني القيادات المتعاقبة على إكمال الطريق دون الوصول إلى النهايات المطلوبة، فقد توجه المصريون في يناير 2014 إلى لجان الاستفتاء للتصويت على التعديلات الدستورية، وجاء إعلان اللجنة المشرفة على الاستفتاء، ليؤكد موافقة الشعب على الدستور الجديد بنسبة 98.1% وبنسبة مشاركة 38.6%، الأمر الذي أحيا الآمال في اكتمال مؤسسات الدولة، حيث أعلن الرئيس المصري السابق عدلي منصور تعديل في خارطة الطريق التي كان قد أعلن عنها في 8 يوليو 2013، وقرر إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية.
وجرى فتح باب الترشح للرئاسة في مارس الماضي، لتعلن اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات الرئاسية في يونيو فوز عبد الفتاح السيسي برئاسة مصر بنسبة 96.9%، وأدي الرئيس اليمين الدستورية في يونيو، وهو ما فتح الباب واسعا أمام اكتمال خارطة الطريق بإنجاز الانتخابات النيابية، التي كان مقررا لها أن تنتج برلمانا مصريا جديدا بنهاية العام الجاري، إلا أن تطورات الأحداث والخلافات بين القوى السياسية وتأخر قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، أدي إلى تأخر إكمال خارطة الطريق، لينتظر المصريون عاما جديدا يكمل نهاية مرحلة مصر الثورة وتبدأ مرحلة مصر الدولة باستكمال مؤسسات الحكم.
أما العالم العربي الذي أجبرت أحداث عام 2014 حكوماته، على قبول وضع تراجع فيه الدور الأمريكي في المنطقة، بالتوازي مع استمرار التأثير الإيراني خاصة في لبنان والعراق وسوريا واليمن، فقد تراجعت فيه الأمال في أن تشهد أي بقعة من العالم العربي حالة من السلم والهدوء، خاصة مع استمرار حالة التراجع السياسي، بسبب محاولات الغرب المضي قدما نحو إلغاء الحدود بين الدول الوطنية التي رسمتها الدول المنتصرة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية المنهزمة في الحرب العالمية الأولى.
وقد أنتجت هذه التطورات حروبا مستمرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن وقطاع الذي لا يزال يترنح من الحرب مع إسرائيل في الصيف الماضي، ويدفع ثمن الإنقسام الفلسطيني والإجرام الإسرائيلي، فيما شهدت دول الخليج التي تحظى باستقرار نسبي، نزاعا وخلافات يجري العمل على إنهائها، حيث اصطفت كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة والسعودية ضد قطر، واستمرت الأزمة طوال العام، لكنها اقتربت من النهاية " غير المكتملة أيضا" خلال العام الجاري 2014، ليترقب الجميع أن يأتي عام 2015 بنهاية سعيدة مكتملة لتلك الخلافات

إلا أن الحدث الأكبر الذي شهده العام الجاري ولا تزال تداعياته واضحة، هو اجتياح تنظيم "داعش" شمال العراق وسيطرته على ثاني كبرى المدن العراقية - الموصل - وتمدده إلى مناطق أكبر في كل من العراق وسوريا، الأمر الذي يمثل أكبر امتحان للعالم العربي، فالتنظيم الذي برز من ركام الحرب الأهلية السورية، وتوسع بسبب السياسات الطائفية في العراق والتي انتهجتها الحكومة السابقة بقيادة نوري المالكي، تحول خلال العام الماضي إلى تهديد واضح ليس لكل المنطقة العربية فقط ولكن لأوربا وأمريكا، بسبب الخوف من إعادة إنتاج ظاهرة الأفغان العرب.
وقد أدت سياسات الجماعات المتشددة التي تتبنى فكر " السلفية الجهادية"، والتي استهدفت الشيعة والأقليات الأخرى خاصة المسيحية والأيزيدية، إلى تدخلات غربية - إيرانية بقيادة الولايات المتحدة لوقف زحف الجماعات الجهادية التي يبدو أنها تجاوزن الخطوط الحمر المرسومة، حيث أجبر "داعش" الرئيس باراك أوباما على التخلي عن تردده وإنهاء إستراتيجية " النأي بالنفس" خاصة فيما يتعلق بسوريا والعراق، وأعاد طائراته الحربية للمنطقة وأرسل أكثر من 3 آلاف جندي أمريكي إلى العراق.


وإذا كان " داعش " قد رسم بدايات الخيوط المشتعلة خلال عام 2014، إلا أنه أبقى على تلك الخيوط ممتدة مرهونة بإستراتيجيات جديدة لتكمل النهايات المفتوحة، التي باتت أمرا محيرا، خاصة مع عدم وضوح الهدف من طريقة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بشأن مستقبل هذا التنظيم، ففي سوريا يعتبر تنظيم "الدولة" جزءا من لغز معقد، يواصل فيه نظام الأسد عملياته ومحاولته البقاء في اللعبة ويواجه عددا من قوى المعارضة، فيما تقف الإدارة الأمريكية حائرة بين رغبتين متضاغطتين هما رغبة تركيا في الإطاحة بنظام بشار ورغبة إيران في الإبقاء علييه رغم كل ما تشهده البلاد من دمار.
ويبدو في المشهد العربي المضطرب أهم مصادر القلق التي دشنتها الأحداث خلال عام 2014، موجات اللجوء التي لم تتوقف، خاصة مع استمرار الحرب في سوريا الذي خلق موجات متلاطمة من اللجوء، كما اضطرت أقليات عراقية مثل المسيحيين " الكلدان " والأيزيديين متسابقين مع العرب السنة للهرب من وجه تنظيم داعش، إلا أن الحالة السورية تبقى نموذجا صارخا على تخلي المجتمع الدولي عن مسئولياته مع استمرار بعض الدول بإدارة ظهرها للاجئين ومنعهم من الدخول لأراضيه
ومع استمرار صرخات الأمم المتحدة بالتعاون لتوفير الحماية للاجئين خاصة السوريين، ينتظر أصحاب المأساة وعودا قالت المنظمة الدولية إنها حصلت عليها من 28 دولة، بشأن قبول عشرات الآلاف من هؤلاء اللاجئين ليصل العدد إلى 130 الفا في العام القادم 2015، وهو ما يعني أيضا أن البدايات المنفجرة لأزمة اللاجئين لم يضع لها عام 2014 نهاية مكتملة بانتظار العام القادم 2015.
أما بخصوص قضية العرب والمسلمين الأولى، فقد شهدت تطورات بالغة الخطورة خلال العام 2014، إلا أن تلك التطورات تركت أيضا الباب مفتوحا أمام العام القادم 2015 ليضع حدا للقضايا غير المكتملة، خاصة بعدما ذهب الفلسطينيون بعيدا، وأكملوا خطواتهم التي أثارت حفيظة المحتل الإسرائيلي، وتقدموا بعد مداولات عربية اتسمت بالتوتر، مشروعا فلسطينيا لإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية، بعد أن خضع المشروع إلى عدة تعديلات مهمة لينسجم مع المشروع الفرنسي.
ورغم أن المشروع الفلسطيني الذي يحي الآمال في التوصل إلى مجموعة قواعد تنهي حالة السلام المعدوم بين الفلسطينيين ومحتليهم، خاصة بعد أن تم التأكيد على الحاجة الملحة لتحقيق حل سلمي عادل ودائم وشامل، في موعد لا يتجاوز 12 شهرًا بعد اتخاذ هذا القرار، فإن العام 2015 يمكنه أن يكمل الحراك الفلسطيني ليصل إلى محطة نهاية الاحتلال الإسرائيلي القائم منذ عام 1967 ويحقق رؤية دولتين مستقلتين وديمقراطيتين ومزدهرتين، دولة إسرائيلية، ودولة فلسطينية ذات سيادة ومتواصلة جغرافيا وقابلة للحياة تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام وأمن ضمن حدود معترف بها بشكل متبادل ودوليا.


وإذا كان عام 2014 الذي يستعد للرحيل قد شهد تلك التعديلات وما يجري حولها من مشاورات إلا أن اعتراضات الإدارة الأمريكية مستمرة، حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جين بساكي إن واشنطن اطلعت على النص الذي تم توزيعه في مجلس الأمن الدولي، واصفة إياه بأنه "ليس شيئا يمكن أن نؤيده "، وهو ما يعني صعوبة تمريره في تصويت مجلس الأمن المرتقب بعد لإقراره من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأمر الذي يؤكد ضرورة الاستمرار في إنتظار نهاية مكتملة لهذا الأمر، قد تتيحها تطورات الأحداث وإعادة توزيع موازين القوى خلال العام القادم 2015.
وإذا كان العام الجاري 2014 أشد الأعوام صخبا واضطرابا وعنفا وتوترا، فإن الأمل مازال معقودا على الآتي من الأيام، وتبقى السيناريوهات مفتوحة على كل الإحتمالات، لكنها تأتي هذه المرة مغلفة بمزيد من الترقب الحذر لاكتمال النهايات المفتوحة التي دشن العام الماضي بداياتها المحترقة