رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب: السادات والجاسوس.. وسلطانة الغرام!(3)

محمود صلاح يكتب:
محمود صلاح يكتب: السادات والجاسوس..وسلطانة الغرام!(3)
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الفصل الخامس

في التاكسي.. أنور السادات وجهاز لاسلكي أمريكي!

روميل يستعد للهجوم في الصحراء الغربية

وصل الجاسوسان "جون ابلر" أو حسين جعفر وزميله مونكاستر إلى القاهرة، عن طريق الصحراء مرورا بأسيوط.

التقي "ابلر" في أول ليلة بالراقصة حكمت فهمى، وكان الاثنان قد التقيا من قبل في ملهى بفيينا، وصارح "ابلر" حكمت فهمى بحقيقة شخصيته ومهمة التجسس المكلف بها.

وبدون تردد توافق حكمت فهمى على مساعدة الجاسوس الألمانى، فهى تكره الإنجليز منذ طفولتها وتتمنى أن يرحلوا عن مصر، وتسهل له استئجار عوامة على شاطىء النيل في الزمالك، بجوار عوامتها، وعوامة أخرى يسكنها ميجور بريطانى يعمل في مخابرات الحلفاء.

وبسرعة يتعرف "ابلر" إلى جاره الميجور البريطانى، ثم يدعوه عدة مرات لتناول الويسكى معه في عوامته، ويخرج معه للعب الجولف في نوادى القاهرة!.

ولم يكن الميجور البريطانى يخطر على باله أبدا أن هذا الشاب المصرى الوسيم حسين جعفر، هو نفسه الجاسوس الألمانى "ابلر" وأن رفيقه الأمريكى "مونكاستر" جاسوس أيضا وأن الاثنين من أخطر جواسيس روميل!.

 

في كل ليلة

كان "ابلر" و"مونكاستر" يجلسان إلى جهاز اللاسلكى يحاولان الاتصال بزميليهما "آبيل" و"ويبر" والذي كانت مهمتهما استقبال رسائل إلى سوسين في الصحراء، دون أن يعرف أت البريطانيين قبضوا عليهما،وأنهما في سجن المخابرات البريطانية في القاهرة، والتي كانت تحاول عبثا انتزاع المعلومات منهما.

وبدأ "ابلر" يشعر باليأس، وحاول تغيير الموجة التي كان يرسل عبرها اشاراته، لكنه أبدا لم يتلق أي رد، كان هناك صمت رهيب، وحاول "ابلر" الاتصال بقاعدة ألمانية في أثينا، لكن منظمة التجسس الألمانية "أبويهر" كانت قد علمت بخبر القبض على " آبيل" و"وبير" ولهذا فضلت عدم الرد على أشارات "ابلر" اللاسلكية إلى حين.

واقتنع "ابلر" بأن جهاز اللاسلكى قد تعطل تماما، وأن صلته بقيادته الألمانية قد انقطعت!

ودق باب العوامة، وفتح "ابلر" ليجد حكمت فهمى أمامه وهى تبتسم، فدعاها للدخول وجلس معها، يروى لها حكاية جهاز الإرسال الذي تعطل، والذي بدونه لن يفلح أبدا في إرسال معلوماته إلى ثعلب الصحراء روميل، واستمعت حكمت فهمى إلى "ابلر" في اهتمام، وبدأت تفكر في وسيلة لإنقاذ الموقف، والعثور على شخص موثوق به يصلح جهاز الإرسال للجاسوس الألمانى، ولم تكن هي المرة الأولى التي تعمل فيها حكمت لحساب الألمان، كانت قبل أن تلتقى "بابلر" تتصل بهم، عن طريق أحد موظفى السفارة السويدية في القاهرة.

وكان البريطانيون يراقبون حكمت فهمى، وكانوا يحاولون معرفة تحركاتها واتصالاتها، لكنها كانت شخصية ذكية للغاية وغريبة للغاية، وكانت تحركاتها تربك البريطانيين الذين يراقبونها، فقد كانت تخرج من الكباريه، لتدخل أحد المساجد، وكانت تخرج من غرفة ضابط بريطانى، لتقابل ضابطا مصريا ثائرا أقسم أن يلقى بالإنجليز إلى البحر!

وكانت شعلة من النشاط، والجمال والسحر!

ـ قالت حكمت "لابلر": ولا يهمك، سوف أبحث عن شخص يمكنه إصلاح جهاز اللاسلكى، شخص يكره الانجليز مثلى، ومثلكم !

كانت مصر في تلك الفترة من الأربعينات تعيش على صفيح ساخن !

وكانت تختلف في اتجاهاتها وميولها، لكنها كلها تتفق على محاربة الإنجليز وضرورة خروجهم من البلاد وتحقيق الاستقلال لمصر،

وكانت هذه التنظيمات السرية تضم العديد من الشباب المصرى المثقف، وكان أحد هؤلاء الشباب يدعى عبد الغنى سعيد،وكان أحد أقارب عبد الغنى متزوجا من سيدة ذات أصل ألمانى. وذات يوم اتصل بهذه السيدة صديق نمساوى لها، يدعى "هوارد" وكان يعمل دبلوماسيا ألمانيا في السفارة الألمانية قبل الحرب، وبعد أن اندلعت الحرب العالمية الثانية، بقى مع عدد ضئيل من العاملين في السفارة. ليعمل في السفارة السويسرية لرعاية مصالح الألمان في القاهرة، وطلب الصديق النمساوى من السيدة الألمانية أن تساعده في البحث عن شخص يستطيع إصلاح جهاز معطل، ولجأت هذه السيدة إلى قريبها عبد الغنى سعيد تسأله، بصفته شابا مصريا وطنيا تعلم أنه يكره الإنجليز!.


وكان عبد الغنى سعيد على علاقة ببعض ضباط لجيش المصرى الشبان، أصحاب الميول الثورية، ومنهم الضابط حسن عزت. فذهب اليه وأخبره بقصة جهاز اللاسلكى المعطل لدى الجاسوسين الألمانيين " ابلر" و" مونكاستر".

وأسرع حسن عزت بدوره يروى القصة لرفيقه الثائر الضابط الشاب أنور السادات، الذي كان يعمل في ذلك الوقت يعمل بسلاح الإشارة في الجبل الأصفر، فقال الزعيم الراحل: هذه نجدة من السماء !

وكان السادات، قد أملى شروط المعاهدة التي حملها الطيار أحمد سعودى على طائرة هرب بها من القاهرة إلى العلمين، لتسليمها إلى روميل كرسالة من الضباط المصريين الشرفاء داخل الجيش، واستعدادهم لمعاونة الألمان ضد الانجليز مقابل أن تنال مصر استقلالها،

ولم يكن أنور السادات يعلم أن الالمان أسقطوا طائرة أحمد سعودى عند العلمين، وكان يعيش في حالة من القلق انتظارا لإشارة من سعودى أو الألمان،

ولهذا شعر بالسعادة عندما علم بقصة جهاز اللاسلكى المعطل لدى الجاسوسين "ابلر" و"مونكاستر"، واعتبر ذلك نجدة من السماء !

وبلا تردد وافق أنور السادات على الذهاب لعوامة "ابلر" وإصلاح جهاز اللاسلكى المعطل !

***

داخل عوامة "ابلر" على شاطىء النيل في الزمالك،.

سأله أنور السادات عن جهاز اللاسلكى المعطل،.

ضحك " ابلر "،.

•وقال له: تستطيع أن تجده،.إذا عثرت عليه !

وبدأ أنور السادات يبحث عن جهاز اللاسلكى، ويطوف حجرات العوامة، ويهبط درجاتها، ويصعد أعلاها، فلم يجد بها سوى أنها تحتوى على وسائل الحياة الناعمة. وأدوات الترف والزينة. وكئوس الشراب وصناديق الويسكى !

وأخيرا كشف له " ابلر " عن المخبأ السرى لجهاز اللاسلكى، والذي كان داخل جهاز " بيك أب " موسيقى، بطريقة لا يمكن لأحد على الإطلاق اكتشافها،

وتأكد أنور السادات أن جهاز اللاسلكى الألمانى معطل فعلا،.

لكن " ابلر " قدم له جهاز لاسلكى آخر أمريكى، وقال له أنه بعد تعطل الجهاز الألمانى، اتصل سرا بسفارة سويسرا التي كانت ترعى شئون الألمان في مصر، وقدم له القائم بالأعمال "هوارد" هذا الجهاز الأمريكى. وهو جهاز قوى، لكنه لا يعرف كيفية تشغيله،

واكتشف أنور السادات بسهولة أن جهاز اللاسلكى الأمريكى ليست له مفاتيح،فاقترح على "ابلر" أن يشغله بمفاتيح مصرية الصنع، يقوم هو نفسه بتركيبها،

ووافق "ابلر" و"مونكاستر" على اقتراح أنور السادات،.

وهكذا حمل أنور السادات جهاز اللاسلكى في حقيبته، وغادر العوامة واستوقف سيارة سيارة تاكسى، وتوجه بها إلى بيته في كوبرى القبة !

كانت الصحف المصرية تزدحم كل صباح بأخبار المعركة المنتظرة بين روميل والحلفاء،.

وكان الطلبة يتظاهرون في شوارع القاهرة وهم يهتفون بسقوط قوات الاحتلال البريطانى،

واشتعلت القاهرة،.

وأغلقت المحال التجارية أبوابها،. وأقفرت المقاهى من روادها الذين كانت تزدحم بهم طوال النهار والليل،

ولاحظ البعض أن دخانا يتصاعد من بعض مكاتب القيادة العامة للحلفاء في الشرق الأوسط. وكان الموظفون داخل القيادة يقومون باحراق المستندات والوثائق المهمة، حتى لا يستولى عليها روميل عندما يدخل القاهرة!

وأطلق موظفو قيادة الحلفاء على هذا اليوم،. "أربعاء الرماد"! لأرسلها،

لكن كيف،.وجهاز اللاسلكى لم يعمل بعد ؟


وكان روميل يريد الاجابة على أسئلة محددة وهامة:

•أين سيقوم البريطانيون بتركيز دفاعاتهم ؟

•وما نوع قواتهم،. وعدد جنودهم،. وبنادقهم ودباباتهم ؟

•ومن سيكون قائد البريطانيين في المعركة ضد روميل ؟

وكان "ابلر" حريصا على أن يسهر كل ليلة في الكباريهات والملاهى والنوادى، التي اعتاد الضباط الانجليز ارتيادها، لعله يسمع طرفا من حديث أو حوار يدور بين هؤلاء الضباط، يستطيع أن يعرف منه شيئا من الاجابة على هذه الأسئلة !

وبدأت الأحداث تزداد اثارة.

***

ذات ليلة.

ذهب "ابلر" إلى نادي "اترف كلوب" تنكرا ى ملابس ضابط بريطانى،.

وجلس إلى مائدة حولها عدة موائد يجلس اليها بعض الضباط البريطانيين، وكانوا يتناولون الشراب ويتحدثون في حماس،

والتقطت أذنا " ابلر " الكثير من المعلومات عن قواد الجيش الثامن، لكنه لم يسمعهم يتحدثون عن القائد الجديد الذي سوف يواجه روميل في المعركة المنتظرة،

وفجأة،. لاحظ "ابلر" أن أحد هؤلاء الضباط ينظر اليه في ريبة !

وفجأة نهض هذا الضابط وذهب ليتحدث في التليفون،.

وهنا أسرع "ابلر" بالنهوض وانصرف من المكان في الحال،.

وكان "ابلر" على حقه في تخوفه !

فقد كان الضابط البريطانى يتصل بإدارة المخابرات البريطانية في القاهرة.

وقال لمحدثه على الناحية الأخرى: أريد أن أبلغ عن شخص غريب هنا،.أنه يرتدى ملابس ضابط بريطانى لكنه لا يمكن أبدا أن يكون ضابطا بريطانيا، أنه يدفع الحساب بالجنيهات الانجليزية، ولديه منها الشىء الكثير، من أين حصل على كل هذه النقود ؟ ثم أين هو هذا الضابط الذي لا يسمح لزملائه بشراء كأس له على حسابهم ؟

وخلال دقائق كان ضباط المخابرات البريطانية كانوا قد هرعوا إلى "الترف كلوب"،

لكن "ابلر" كان قد اختفى، كأنه فص ملح،. وذاب !

لكن رجال المخابرات قاموا بجمع الجنيهات الانجليزية التي كان "ابلر" قد دفعها ثمنا للويسكى الذي تناوله،

وكانت الجنيهات الانجليزية هي أول خيط،. يؤدى إلى النهاية!

***

في نفس الليلة، بعد أن قام بتغيير ملابسه العسكرية البريطانية

ذهب "ابلر" ليكمل بقية السهرة في ملهى " المتروبوليتان "، والذي كان مكانا مفضلا لقضاء السهرة عند الكثير من الضباط البريطانيين والمراسلين العسكريين،

وفى هذه السهرة تعرف "ابلر" على راقصة اسمها "ايفيت" قالت له أنها فرنسية من مواليد بيروت، وتعمل راقصة في القاهرة،

وبعد تناول الشراب والعشاء..

غادر "ابلر" المتروبوليتان وفى يده الراقصة الحسناء ايفيت،. التي قضت معه الليلة في العوامة !

وفى الصباح.

وقبل انصرافها أعطاها "ابلر" عشرين جنيها، وطلب منها أن تعود اليه مرة أخرى،. في أقرب فرصة !

وعادت اليه ايفيت بالفعل مرتين أخريين،. وليس مرة واحدة !

والحقيقة أنها لم تكن راقصة كما قالت له،

لكنها كانت جاسوسة تعمل لحساب الوكالة اليهودية في مصر !

وكانت ايفيت في كل مرة تنصرف فيها من عوامة "ابلر" تذهب لتكتب تقريرا للوكالة اليهودية عما دار بينها وبينه.


وفى أحد هذه التقارير كتبت "ايفيت":

هذا الرجل الذي أقابله فل لى أنه مصرى وأن اسمه حسين، لكنى متأكدة من أنه ألمانى، لقد سمعته يتحدث مع زميله وكان يتحدث بلهجة أهل السار، وهو عصب جدا، ومعه نقود كثيرة !

وكانت تعليمات المشرفين على الوكالة اليهود\ية للتجسس لايفيت": استمرى في العلاقة مع هذا الرجل،. وحاولى الحصول على كل معلومة كبيرة أو صغيرة عنه !

***

كان ضباط المخابرات البريطانية في القاهرة ـ وعلى رأسهم الضابط روبى ـ متأكدين من وجود جاسوس ألمانى مجهول في القاهرة، رغم أنهم فشلوا في انتزاع اعتراف بذلك من ضابطى الشفرة الألمانيين "آبيل" و"ويبر" الذين أصرا على عدم الكلام،

لكن السؤال الذي كان يحير رجال المخابرات البريطانية كان:

أين هو هذا الجاسوس الألمانى المجهول ؟

في أي مدينة من مدن مصر يختفى ؟

ومن هو ؟

وقلبوا الدنيا رأسا على عقب لعلهم يحصلون على أي دليل يقودهم إلى الجاسوس الغامض،

لكنهم لم يعثروا على شىء..

رغم أن النهاية،. كانت قد اقتربت للغاية !

 

الفصل السادس

في الملهى الليلى.. جاسوسات ورجل مخابرات!

 

التقت رغبة الطرفين في محاولة الاتصال بثعلب الصحراء،.

رغبة الجاسوسين "ابلر" وزميله "مونكاستر " الذين أرسلهما روميل عبر الصحراء إلى القاهرة ومعهما جهاز إرسال لاسلكى، للحصول على معلومات عسكرية عن الجيش البريطانى الذي سيواجهه في المعركة المنتظرة، ورغبة الضابط المصرى الشاب الثائر أنور السادات، الذي كان ينتظر ردا من الألمان، على الرسالة التي بعث بها الضبط الثوار إلى روميل، يعرضون مساعدته في محاربة الانجليز مقابل حصول مصر على استقلالها،

وكان جهاز لاسلكى الجاسوس "ابلر" قد تعطل، فحضر أنور السادات إلى عوامته وفحص الجهاز وحمله معه إلى بيته لإصلاحه، بينما انطلق الجاسوس "ابلر" يسهر في الملاهى الليلية التي تعود الضباط البريطانيون ارتيادها، لعله يلتقط بعض المعلومات المهمة.

لكن "ابلر" أو حسين جعفر كان في نفس الوقت يعيش حياة اللهو والعربدة، فالتقط من ملهى "المتروبوليتان" حسناء فرنسية. وذهبت إلى عوامته أكثر من مرة، وأغدق عليها الأموال، دون أن يدرى أنها بدورها جاسوسة في الوكالة اليهودية للتجسس بالقاهرة، وأنها اكتشفت أنه ألمانى، وتكتب لرؤسائها تقريرا سريا عنه !

أما الطرف الثالث: الراقصة حكمت فهمى،

فقد كانت لاتزال تمارس دورها في العمل سرا لصالح الألمان، لأنها كانت تكره الانجليز. وتتمنى خروجهم من مصر بأى وسيلة. حتى لو كان ذلك عن طريق الألمان،

وكان دور حكمت فهمى،. أكثر من خطير!

***


في ملهى الكيت كات.

كانت حكمت فهمى تقوم بتغيير ملابسها، بعد أن انتهت من تأدية رقصتها، عندما سمعت دقا على باب حجرتها،.

•        ودخل خادمها ليقول لها: حكمت هانم،. الميجور سميث يطلب مقابلتك،

ـ قالت له: دعه يتفضل،

ولم يكن الميجور سميث غريبا على حكمت فهمى، فقد كان من رواد ملهى "الكيت كات" الدائمين منذ شهور، وكان يحضر كل ليلة، ويظل جالسا ونظراته معلقة عليها باعجاب ووله وهى ترقص، وبدأ بإرسال الزهور ثم الهدايا والنقود تعبيرا عن اعجابه الشديد بها،

وتعرضت حكمت إلى الميجور سميث،.

وباح لها بحبه الشديد وغرامه بها، حتى أنه عرض عليها الزواج !

ـ وأخذ يؤكد لها: صدقينى يا حكمت،. سوف أتزوجك بمجرد أن تنتهى إجراءات الطلاق من زوجتى الموجودة الآن في لندن،

لكن عرض الزواج لم يكن يمثل أي اغراء لحكمت فهمى !

كانت تخرج مع الميجور سميث،وتتناول معه العشاء وتشرب معه الويسكى وترقص معه، فقط لأنها تعلم أنه كنز من المعلومات السرية حول قوات الحلفاء،

وفى تلك الليلة كان الميجور سميث يحمل لحكمت مفاجأة،.

ـ قال لها في حزن:حكمت،. لقد حضرت لأودعك،. فأنا مسافر إلى ميدان الحرب،. انظرى إلى هذه !

وأشار إلى كتفه،.

ونظرت حكمت لتجد على كتف بذلة الميجور سميث إشارة تفيد أنه مرسل إلى "الجنرال ريتشى في الخطوط الأمامية"!

ـ واستطرد سميث قائلا: سأسافر إلى الحرب،. ولا أعرف متى سأعود، بل اننى لا أعرف ن كان مقدرا لى أن أعود على قيد الحياة!

•        قاطعته حكمت متظاهرة بالقلق: هل من الضرورى أن تذهب يا سميث ؟،. وألا توجد أية طريقة لكى تبقى في القاهرة ؟

ـ رد سميث: لابد أن أسافر الليلة للأسف !

•        قالت له حكمت: اذن انتظر دقيقتين،. سأطلب إلغاء رقصتى الثانية، ثم تخرج معا، ولنقضى السهرة في عوامتى،. لتناول كأس الوداع الأخير !

وهذا ما حدث بالفعل،.

وذهب الميجور سميث مع حكمت فهمى إلى عوامتها حيث قضى السهرة. لكن في نحو الساعة الثانية بعد منتصف الليل فوجىء "ابلر" بمن يدق باب عوامته القريبة للغاية من عوامة حكمت، وعندما فتح وجد حكمت فهمى أمامه وهى لا ترتدى سوى روب من الحرير الخفيف !

كانت تبدو مضطربة،.

•        وقالت له بهمس: حسين،. تعالى معى !

وسار الاثنان في الظلام بهدوء من أمام عوامة جارهما الميجور البريطانى، حتى وصلا إلى عوامة حكمت فهمى ودخلالها،.

فتحت حكمت باب حجرة نومها قليلا،.

•        وهمست "لابلر" ليفاجأ بالميجور سميث ملقى على سرير حكمت فهمى، وهو يغط في نوم عميق،

أغلقت حكمت باب الحجرة عليه في هدوء،.

•        وعادت لتقول "لابلر": لقد وضعت له مخدرا في الويسكى،. ولن يفيق الا بعد ساعات، ولقد نتشت ملابسه فوجدت هذا التقرير الخطير، الذي يتضمن كل المعلومات التي نريدها !

عطت حكمت "لابلر" التقرير الذي كان خطيرا بالفعل، وكان يحوى بيانات تفصيلية عن القوات العسكرية النيوزيلندية، ووحدات جنوب أفريقية والوحدات الاسترالية، والتي كانت تستعد في ذلك الوقت لعمل خط دفاعى أخيرا عن الإسكندرية ودلتا النيل.

وكان التقرير يتحدث أيضا عن الفرقة العسكرية الجديدة المكونة من خمسة آلاف جندى سيرسلون إلى الميدان قريبا، وأيضا بيانات عن 2500 لغم تعزيز هذا الخط الدفاعى‍!

لكن أخطر ما كان في هذا التقرير، أن الحلفاء سوف يركزون دفاعهم في العلمين نفسها، وليس على بعد أميال غربها، كما كان روميل يعتقد، لكن "ابلر" لم يجد في التقرير اجابة على السؤال الذي مان يهم روميل أكثر، وهو هل تنوى قيادة الحلفاء تغيير القواد في هذه المعركة ؟

ومن هم القواد الجدد ؟

قام "ابلر" بسرعة بنقل كل بيانات التقرير،.

ثم احتضن حكمت فهمى وأعطاها قبلة سريعة، وطلب منها أن تعود إلى الفراش بجوار الميجور النائم، حتى لا يشعر بغيابها إذا استيقظ فجأة !

وأسرع "ابلر" إلى عوامته،.

وهناك وجد زميله "مونكاستر" في حالة اضطراب شديد، وبيد مرتعشة قدم له ورقة، نظر اليها "ابلر" فوجدها تقول: كوندور تكلم،. "آبيل" و"ويبر" قبض البريطانيون عليهما، لا ترسلوا الا المعلومات المهمة، نحن في انتظار رسالتكم في تمام الساعة الثانية عشرة مساء،

ـ قال "ابلر" "لمونكاستر": لابد من أن نتصل بهم الآن،. هل تسمعنى؟

•        رد "مونكاستر": أنت تعلم أن الجهاز معطل،. لا يمكننا الاسال عليه،. لقد تعجبت من أنه استقبل هذه الرسالة.

ـ صاح فيه "ابلر" بعصبية: حاول.

•        رد مونكاستر: حاولت،. بلا جدوى

ـ صرخ "ابلر": حاول مرة أخرى،

ظل الاثنان يحاولان الإرسال على جهاز اللاسلكى، لكن عبثا ولم يعمل الجهاز.

وعندما شعرا باليأس،. أخلدا إلى النوم،

وطلع عليهما نهار اليوم التالى سريعا،

 

ذلك النهار،. الذي كان يحمل معه إشارة قرب نهاية مغامرتهما المثيرة!

***

في الساعة الثامنة مساء،.

كان "ابلر" ومونكاستر يدخلان ملهى الكيت كات،.

وجلس الاثنان إلى إحدى الموائد، وهما يحاولان اخفاء حالة الاضطراب التي سيطرت عليهما،

لقد عرفا معظم المعلومات المطلوبة منهما، لكن عليهما أن ينتظرا حتى منتصف الليل تماما، وهو الموعد المحدد لإرسال رسالتهما، في أطول الساعات الباقية على انتصاف الليل؟!

وانتبه الاثنان إلى رجل أنيق جاء ليجلس إلى المائدة المجاورة، بعد أن ألقى عليهما التحية بلغة عربية وبلهجة المصريين، وقدم نفسه لهما على أن اسمه "عمر بك"،

وكان الموقف غريبا بالفعل !

فلم يكن يدور على بال الجاسوسين "ابلر"و "مونكاستر" على الإطلاق، أن هذا العربى الثرى الوجيه "عمر بك"، هو نفسه الميجور الفريد وليامر سانوم، أخطر رجال المخابرات العاملين في قوات الحلفاء في الشرق الأوسط !

ولم يكن يخطر على بال الميجور سانسوم في تلك اللحظة أبدا،أن الشاب المصرى الوسيم حسين جعفر، هو نفسه الجاسوس الألمانى الغامض الذي تبحث عنه المخابرات البريطانية، وأن صديقه الأمريكى الجالس معه، هو أيضا جاسوس ألماني !

***

وكانت حمى البحث عن الجاسوس الألمانى الغامض في مصر قد أصابت كل رجال المخابرات البريطانية في القاهرة،.


وكما يحدث في كثير من مغامرات الجاسوسية، فإن الجاسوس في العادة يكون مزودا بكل الوسائل التي تخفى شخصيته، وتساعد على إنهاء مهمته السرية، وكانت منظمة التجسس الألمانية "ابويهر" قد زودت الجاسوس "ابلر" بكل المعلومات التي قد يحتاجها، وحددت له خط سيره، وأعطته هذا المبلغ الكبير من الجنيهات الاسترلينية، لكن وكما يحدث أيضا في العادة في مغامرات الجواسيس.

لا بد من خطأ بسيط لا ينتبه اليه الجاسوس أو منظمة،. يؤدى في النهاية إلى كشف شخصيته وإلقاء القبض عليه!

وكان هناك شىء واحد لم تنتبه اليه منظمة التجسس الألمانية في مغامرة الجاسوس "ابلر" فلم تكن المنظمة تعرف شيئا عن نظام التعامل بالجنيهات الاسترلينية داخل القاهرة. خاصة خلال فترة الحرب، كانت الفنادق والمحال التجارية والمطاعم تقبل الجنيهات الاسترلينية، لكنها لم تكن تستطيع تحويلها إلى جنيهات مصرية عن طريق البنوك المصرية أو الأجنبية وكان لابد من تغيير الجنيهات الاسترلينية من أحد المكاتب التابعة لإدارة المخابرات البريطانية، وكان هذا المكتب يقع في مواجهة ثكنات قصر النيل العسكرية!

***

وفى كل صباح، كان أصحاب المطاعم والمحال والكباريهات ومديرو الفنادق يذهبون لتغيير الجنيهات الاسترلينية من هذا المكتب، ولاحظت إدارة المخابرات البريطانية أن الجنيهات الاسترلينية بدأت تتدفق على مكتب تغيير العملة، وفى البداية فكروا في احتمال أن يكون أحد الجنود الانجليز قد قام بتهريب كمية من الجنيهات الاسترلينية من الخارج، لكنهم بعد أن درسوا هذه النقود، وراجعوا أرقامها على دفاتر بنوك انجلترا، اكتشفوا أنها لا علاقة لها بأرقام هذه الدفاتر، وكانت الأرقام على هذه الجنيهات الاسترلينية تؤكد أنها مزيفة، ولقد سبق أن ضبطت مثلها في سويسرا والبرتغال وإسبانيا وأمريكا الجنوبية، وكانت غالبية هذه النقود من فئة الخمسة جنيهات استرلينية، ورجح رجال المخابرات البريطانية أن مصدر تزييف هذه النقود ألمانيا،أو إحدى دول أوربا المحتلة بواسطة الألمان،

وكان الأمر قد أصبح واضحا لهم،. هذه النقود لابد أن مصدرها جاسوس ألمانى في القاهرة!.

لكن، من هو؟

وأين يعيش أو يختفى؟

بدأ رجال المخابرات البريطانية يسألون كل من يعثرون معه على الجنيهات الاسترلينية من أين حصل عليها؟

•قال واحد: حصلت عليها من أفندى مصرى اسمه حسين!

لكن كان في القاهرة آلاف من المصريين اسمهم،. حسين!

•وقال آخر: هذه النقود أعطانى اياها ضابط انجليزى اسمه جون!

وكان في القاهرة مئات من الضباط الإنجليز اسمهم،. جون!

***

في ملهى المتروبوليتان

كانت الحسناء "ايفيت" تجلس وسط عدد من الضباط الانجليز،. وبعد قليل استأذنت منهم، بزعم أنها سوف تذهب لدقائق إلى حجرة السيدات لإصلاح ماكياجها.

ـ قالت لهم وهى تنسحب بلغة انجليزية تشوبها لكنة فرنسية رقيقة: اسمحوا لى،. دقيقة واحدة!

وبالطبع لم يكن أحد من الضباط الانجليز الجالسين معها، يعلم بأنها جاسوسة تعمل لصالح الوكالة اليهودية في مصر، ولم تذهب "ايفيت" إلى حجرة السيدات،. لكنها ذهبت لتلتقط سماعة تليفون الملهى، وتطلب الوكالة اليهودية.


ـ وقالت "ايفيت" لمن تحدثت معه باللغة العبرية: كان عندى موعد لكنه لم يحضر حتى الآن، ويبدو من الحوار الذي سمعته من الضباط الإنجليز، أن إدارة المخابرات البريطانية تبحث عن جاسوس ألمانى في القاهرة، ومن الجائز جدا أن يكون هذا الجاسوس هو حسين نفسه!

• قال لها موظف الوكالة اليهودية: لماذا إذن لا تذهبين إليه بنفسك في عوامته بدلا من الانتظار! ولم تكذب "إيفيت" الخبر،

غادرت الملهى على عجل، واستوقفت سيارة تاكسى، انطلقت بها إلى عوامة "ابلر". لكنها نزلت من التاكسى بعيدا عن العوامة، وسارت في حذر حتى وصلت إلى أمام العوامة.

نظرت ايفيت " فلمحت شعاعا من الضوء داخل العوامة، واسترقت السمع فسمعت صوت قرع كئوس وأصوات تتحدث، فتقدمت في ثبات وضغطت على جرس الباب،وفجأة هدأت تماما داخل العوامة، ضغطت "ايفيت" مرة ثانية على جرس الباب، ثم قالت: حسين،. افتح أنا "ايفيت"!.

فجأة أيضا، عادت الأصوات، وسمعت "ايفيت" صوت أبواب داخلية تفتح، وصوت موسيقى ينبعث من جرامافون، وفتح باب العوامة، وامتدت يد لتجذبها لى الداخل، وسمعت في نفس اللحظة صاحب اليد يقول: ادخلى بسرعة!.

نظرت "ايفيت" فوجدت "ابلر" في مواجهتها، كانت ملامح وجهه غير طبيعية، وكانت رائحة الخمر تفوح من فمه، جلست بجواره على أريكة.

•قال لها: الليلة عندى شغل، ولا أستطيع الخروج معك، ولم يكن من الضرورى أن تحضرى الليلة!

وبدأ الفصل قبل الأخير في رحلة نهاية الجاسوس "ابلر"!.