الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة جديدة فى إجابات قديمة (9) ما الذى تحقق حتى الآن من الانجازات والمكاسب؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طرحت السؤال المعنون به هذا المقال، وأجبت عليه فى 19 فبراير 2011، ومن حقى أن أشعر بقدر من الاعتزاز والفخر لأن ما طرحته وأُعيد قراءته الآن كان صحيحاً إلى حد كبير، وحتى تتأكدوا بأنفسكم إليكم الإجابة التى قدمتها منذ أربع سنوات:
"قدم الشعب المصرى تضحيات كبيرة فى هذه الثورة لم تقتصر على الشهداء والجرحى فقط، ولكنها امتدت أيضاً إلى تضحيات مادية ومالية كبيرة بعد أن خسر الاقتصاد الوطنى ما يقدر بحوالى 40 إلى 50 مليار جنيه، وكل هذه التضحيات البشرية والمادية ينبغى أن تنتهى إلى تحقيق الأهداف المرجوة والممكنة، وقبل أن نتطرق إلى هذه الأهداف، علينا أن نلقى نظرة أولاً على ما تحقق على الأرض من مكاسب وأهداف، ونربط بين هذه المكاسب والأهداف التى تحققت بالفعل وبين القوى المشاركة والمتصارعة على الساحة السياسية الآن، ولا ينبغى أن ننسى على الإطلاق فى هذا الصدد أن الصراعات السياسية الدائرة الآن لجنى ثمار الثورة لم تبدأ مع وقائع الثورة وأحداثها وإنما تضرب بجذورها قبل ذلك بسنوات طويلة، ومن ثم فإن اندلاع أحداث الثورة وخروج الناس بالملايين إلى الشوارع دفع كل القوى الموجودة، والمتصارعة، إلى محاولة جنى الثمار بعد محاولات ركوب الموجة، ونحن هنا، ومرة أخرى، لا نرصد أداء هذه القوى المتصارعة سواءً لركوب الموجة، أو جنى ثمار الثورة باعتبارها تهمة، ولكن باعتباره أمر طبيعى، حيث لا يفترض أن تتعفف أى قوى سياسية عن الإسهام فى القيادة، أو عن تحقيق مكاسب خاصة بها، ومثل هذه العفة المزعومة لا تزيد فى تقديرنا على عجز فادح وضعف بين (أو كذب قُراح) لمن يدعيها.
عمومًا: دعونا نعود إلى الوراء قليلاً لكى نتذكر جميعاً أن الصدام السياسى الأهم فى مصر، وهو ما أكدته أحداث الثورة نفسها، رغم أنه كان مكتوما ولا يعبر عن نفسه صراحة، كان الصراع داخل النخبة الحاكمة بين ما أطلق عليه ضياء رشوان مراراً وتكراراً طوال 2010 قلب الدولة الصلب: الجيش، وبين جمال مبارك المدعوم بمجموعة من رجال الأعمال، وهو الصراع الذى قيل أن الرئيس مبارك لم ينحاز فيه إلى أحد الطرفين ثم أثبتت الأيام أنه كان ينحاز ضمنياً وعملياً إلى سيناريو التوريث، واللافت أنه – وفقاً لاستشراف أو معلومات ضياء رشوان – فإن قلب الدولة الصلب لم ينجح فقط فى خضم هذه الثورة، فى الإطاحة بسيناريو التوريث، بل نجح أيضاً فى السيطرة على مقاليد الأمور، وكذا فى الإطاحة بطغمة (أو مجموعة) حسنى مبارك فى رأس السلطة، وهى المجموعة التى جمعت بين النفوذ السلطوى والمالى وأرست دعائم فساد مروع انتشر فى كافة قطاعات المجتمع وطبقاته وفقاً لقاعدة "إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقصُ"، وقد بدأ أن الجيش قد قرر دعم مطالب الثورة فى الإطاحة برأس النظام عندما أعلن فى أول – أو ثان بيان له – يوم السبت ( 19 يناير) وبعد يوم واحد من نزوله إلى الشوارع أنه يعتبر التظاهر السلمى حق مشروع وأن مطالب المتظاهرين مشروعة وأنه لن يطلق النار على المتظاهرين.
فى إطار هذه العملية الثورية التى بدأت بمظاهرات 25 يناير وانتهت بتنحى الرئيس مبارك وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، وانطلاق عملية تصفية طغمة (أومجموعة) مبارك، اهتزت بنى الدولة وتصدعت وتفككت بعض أبنيتها، وفى هذه اللحظة بالتحديد بات من الممكن بالنسبة لقوى الثورة أن تفرض ما هو أكثر من مجرد الإطاحة بطغمة مبارك وعودة نفس النظام بمعنى عودة الأمور إلى نفس الدستور ونفس القوانين ونفس آليات ونظم إدارة البلاد بصفة عامة، ولذلك يبدو من المهم جداً لنا، وفى هذه اللحظة بالذات، أن تعى قوى الثورة أن مصر من الممكن أن تحقق تحولا ديمقراطيا جذريا، وأن هذا التحول من الممكن أن يبدأ بالتعديلات الدستورية، لكنه ينبغى أن يمتد ليشمل لا دستور جديد ديمقراطى فحسب، ولكن يشمل أيضاً إسقاط القوانين المقيدة للحريات فضلاً عن ضرورة إعادة بناء جهاز الشرطة على أسس تبدأ من احترام المواطن وتنتهى إلى إلغاء الأجهزة الموجهة إلى حماية النظام الحاكم وليس إلى حماية المواطن مثل أمن الدولة والأمن المركزى.. الخ، ونحن نعتقد أن إجراء هذه التحولات بكل ما يقتضيه الأمر من إبعاد تشريعية وسياسية، بل وثقافية أيضاً، قد يستغرق بضعة سنوات – لا شهور – ويحتاج إلى عمل منظم دءوب يضغط ويراقب وينتزع.
أخيراً : ينبغى أن نشير إلى أن استمرار تفكيك الدولة إلى حد انهيارها الكامل سيفضى – مثلما حدث فى بلدان أخرى إبان أحداث ثورية – إلى الدخول فى حالة من الفوضى الشاملة والاضطراب الكامل الذى يمكن أن تشارك فيه العشوائيات بدور رئيسى، وسينتهى ذلك بعد عدة شهور فى الأغلب إلى أن يرث الأرض، ومن عليها القوى الوحيدة المنظمة بتوزيع جغرافى متناغم، ونعنى بذلك الإخوان المسلمين، ولذلك نحن نعتقد أن هذه الحقيقة البسيطة ربما كانت وراء هذا التحالف التكتيكى – أو هذه المناورة التكتيكية – التى أقدم عليها الجيش عندما عين طارق البشرى أحد رموز الإسلام السياسى رئيساً للجنة المكلفة بتعديل الدستور، بل وعين عضوا واحدا فقط من اللجنة له انتماء سياسى وفكرى، وهو صبحى صالح المحامى عضو جماعة الإخوان المسلمين، وكل هذه الإشارات الموحية تشى بأن الجيش قد اتخذ قراراً بهذا التحالف – أو هذه المناورة – لكى يضمن الإخوان إلى جانبه فى عملية درء مخاطر مزيد من التفكك أو على الأقل تحييد موقفهم من هذه العملية التى قد تنطلق من ركائز اجتماعية (مثل العشوائيات) أو سياسية (مثل السلفيين)."
لا تعليق آخر يمكننى إضافته الآن وبعد مرور قرابة السنوات الأربع، ولكن ما يثير الكثير من الأسى والمرارة أن القوى الديمقراطية لم تنجح، ولأسباب كثيرة جداً، فى انتزاع ما كانت تصبوا إليه من إسقاط ترسانة القوانين المُقيدة للحريات، وسن تشريعات وقوانين ديمقراطية جديدة، باستثناء ما تحقق فى بعض الأمور المهمة والإيجابية للغاية فى دستور 2013، الذى يُنتهك الآن، بكل أسف، ويُطالب بعض دعاة الدولة الأمنية بتعديل بعض بنوده!